انظروا حولكم: اللوحات الإعلانية في الشوارع وعلى الحافلات، الإعلانات في المجلات وعلى شاشات القنوات، كلها وبقدرة قادر صارت تنضح أنوثة وكأن المرأة هي المستهلك الوحيد في الكون. صحيح أن النساء يملن إلى التسوق أكثر من الرجال وهذه تهمة لا أنفيها لا عن نفسي ولا عن بنات جنسي، لكن هل قرر الرجال التقشف والتوقف نهائيا عن التسوق مثلا؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ لكن مهلا، فهناك ما هو أدهى وأمر. هل لاحظتم أن الإعلانات الموجهة للرجال وبقدرة قادر صارت تعج هي الأخرى أنوثة؟
هلّموا نفسّر الظاهرة. يقال "أننا نولد ذكورا وإناثا، ثم نصبح رجالا ونساء" أي أننا نخرج من إطار خصائص الجسد، فننمو ونسمو إلى إطار الروح والعقل والكيان فنمارس أدوارنا كخلفاء لله في الأرض.
فلنطبق هذا على عالم الإعلان. أما ترون أن المرأة في الإعلان لا يُسمح لها أن تكون امرأة بل عليها أن تقبع في المرحلة الأدنى وهي الأنوثة؟ فلا صوت أعلى من صوت الإغراء، ولا معركة أهم من معركة الجسد. أما الرجل -وعلى قلة ظهوره في الإعلانات- فنادرا ما يظهر في إطار الذكر المجرّد، بل يظهر غالبا في الصورة المتطورة، أي الرجل وما يرتبط بذلك من قيم وتوقعات مثل الشجاعة والقوة. أما الأنثى فلا يسمح لها أن تنمو إعلانيا وتصبح امرأة وتعرض القيم المرتبطة بالمرأة مثل الحنان والصبر. بل هي أنثى وجسد وكفى.
أتألّم كثيرا حين أرى هذا الطوفان من المائلات المميلات على الصفحات والشاشات، فهذا ليس سوى عنف تجاه المرأة، بُطِّن بقفاز من حرير. فما الفرق بين المرأة التي يعنـّفها شخص ما وبين تلك التي يسلّعها شخص ما أو "أجندة" ما؟ أليست كلتاهما واقعة في إسار الإجبار وغياب الاختيار؟
حسنٌ. الجماعة يريدون أن يربحوا ولا تهمهم تدبيجاتي المملة. لكن أعزائي المعلنين، ألا تشعرون بشيء من الذنب حين تعلمون أنكم تساهمون في صنع صورة ذهنية للمرأة لا تخرج عن إطار الجسد؟ وهذه الصورة لا يتلقاها الرجال وحسب فيحصروا نظرتهم للمرأة في إطار الأنثى، بل تتلقاها المرأة أيضا، فتتمثــّل بتلك المائلات المميلات وتمتثل لنموذجهن. إنها التنشئة الإعلامية.
ماذا؟ لا تشعرون بالذنب؟ إذا هاكم هذا. إذا تطاولتم فيما تفعلون بضعة سنوات أخرى ستستنفذون الأنوثة، فما تعود لها قيمة لدى المستهلك، لذا عليكم من الآن أن تجدوا شيئا آخر. أنصحكم بالبحث عن طرق إبداعية وإقناعية لعرض محاسن سلعكم بدلا من عرض محاسن عارضاتكم. أعزائي، اتركوا عنكم الدرك الأسفل من الإبداع.
هل أكثرتُ من لعن الظلام وتغافلت عن الشموع؟ لا. من هنا أدعو جميع المهتمين لتأسيس تجمع لإنكار تسليع المرأة ليس فقط في الإعلان بل وفي الإعلام بجميع تفرعاته. وليكن هذا التجمع جماعة ضغط "لوبي" على المعلنين الاستغلاليين، ومشعل تنوير للمستهلكين. ولعله يتوسع ليحارب جميع أنواع تسليع الإنسان لا المرأة فقط رغم شيوع تسليعها حاليا.
ابتذِلَتْ الأنثى في ترويج السلع حتى صارت هي –أي الأنثى- سلعة قائمة بذاتها. أنه سوق نخاسة جديد لا تحرّمه المواثيق الدولية ولا تجرّمه المؤتمرات الألمعية ويا لها من مفارقة. أنه سوق مجاني يلحقك حتى عتبة عينيك. بئس السوق حين تكون القوامة للجسد، وحين يلهث أهله في عجلة الاستهلاك، فيقودوننا وأخلاقنا إلى الهلاك!
التعليقات
سبب الظاهرة المثيرة للملل والخنق أن الرجل -غالبا- يتأثر حسيا بالمرأة على عكس المرأة التي لا تتأثر حسيا - عادة- بالرجل. وهذا يفسر لماذا تسلل العنصر الأنثوي للإعلانات الخاصة بالذكور –وليس الرجال- في هذه الحالة.
التقابلية بين (الذكر والإنثي) هي من خصائص الحيوانات لحفظ النوع وإشباع الحاجة، فالقطط مثلا ذكر وأنثي، لذلك فلن نجد قطا مبدعا أو قطة مبدعة على المستوي القططي اللهم إلا في أفلام التحريك Animation
أما الإنسان الذي كرم بالسجود من أجل وظيفة العمارة فقد وهبه الرحمن عقلا يخرج به من إطار الحيوانات هذا إلي إطار أرحب ألا وهو (الرجل والمرأة) ليحقق الاستخلاف عن طريق علاقة تكاملية تراعي تفرد خصائصهما المكملة لبعضهما البعض وليست المتساوية؛ فالتساوي في الحقوق نعم لكن في الخصائص فلا ولن يحدث.
المقال يعبر عن الموضوع بجلاء وذكاء. أتفق مع الطرح وأسجل نفسي في مثل هذا اللوبي. وقد عرفت المشروب المذكور أعلاه في تعليق أستاذة ناهد.
وقليل منها فقط، قدمت مشاريع تنموية تخدم المرأة ذاتها وتحقق من خلالها ذاتها بذاتها، ككائن متساوٍ من الرجل في إنسانيته، ومستقل عنه بما حباها الله تعالى من خصائص وميزات.
محاربة الاستخدام الرخيص للمرأة - كأنثى - في الإعلان والإعلام - حتى القنوات الإخبارية أحيانًًا ! - يتطلب وقفة جادة و"نساء" جادات من مثيلات الكاتبة الرائدة/ حياة الياقوت.
هدف الإعلان التليفزيوني اقتصادي استهلاكي (بيع سلعة ما) ولكنه يوظف الجنس للترويج لهذه السلعة، أي أن الإمبريالية النفسية لا ترى الإنسان إلا من خلال هذين البعدين (الاقتصادي والجنسي).
وقد هيمنت الإمبريالية النفسية على الإنسان الأميركي، وهمّشت القضايا السياسية الكبرى في وجدانه، وأغرقته في دوامة الاستهلاكية، حتى أصبح شعاره "طالما أن الكيل ملآن فلا يهم أي شيء آخر"، هذا يعني أن الإنسان الأميركي يستجيب مباشرة للمثيرات التي تأتيه من العالم الخارجي عالم المادة والحواس الخمس، مثيرات تتبعها استجابة فورية.
وهذا مع الأسف إحدى صفات الحيوان الأعجم، بينما إحدى خصائص الإنسان أن هناك مسافة بين المثير والاستجابة.
والإمبريالية النفسية والسعار الاستهلاكي قد هاجمانا بكل شراسة، فالإعلانات التليفزيونية والفيديو كليبات والأفلام والأوكازيونات واليانصيب والمسابقات، تحاصر الإنسان العربي وتعيد صياغة أحلامه وتصعيد توقعاته".
وأرى أن القيادة السياسية تخلت عن دورها وأصبحت مقاول خدمات بالعمولة، ولا توجد قيادة ثقافية أو دينية مجمع عليها في مجتمعنا اليوم، ويسحينا السوق للسوء، والعدو للركوب في مراكبه، فهل نصحو لحظة مع الكاتب الكبير ميشيل كيلو الذي قال:" بدون التمسك القوي بتراثنا العربي الإسلامي لن يبقى لن وجود لا كدول ولا كشعوب" لنصحح المسيرة.
الفكرة لمن يحب: شخصيا، منذ أمد بعيد نوعا أطبق -على نفسي- سياسة "لا" لكل منتج يتم الإعلان عنه بصورة مستفزة وأبحث عن بديل لكن طبعا ليس كل ما يعرض يناسبني فهناك الكثير أصلا لا أتناوله أو أستخدمه لكي اقاطع من عدمه.
لذلك فأقوم بالكلام مع المعارف والأصدقاء الذي لا يخلو من تهكم أحيانا.
سعيدة بسماع هذه القصة. بارك الله في ذي الجهود.
الآن يتملكني الفضول لمعرفة اسم المشروب
الأخ هشام ماجد
صدقت. علينا أن ندرك دورنا الاستخلافي على الأرض.
الأخ الأعمش الصغير
موضوع الجمعيات النسوية جرح كبير. لا ترش الملح عليه يا أعمش ناشري المتبصر.
د. محمد سعيد الملاح
فعلا، نحتاج إلى قيادة ثقافية فكرية وإلا فلا سلطان إلا للسلعة والاستهلاك.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة