التجارب على اختلافها سواء حزينة أو سعيدة...مفيدة أو ضارة ...كئيبة أو مبهجة... تحمل للإنسان معاني كثيرة بل هي التي تفتح للإنسان أفاق النفس ليعرف نفسه أكثر و يدرك واقعة أعمق... مررت بتجربة قد تكون الأكثر روعة و أكثر قربا للنفس و أكثر شفافية و الأكثر استفادة.
لم تكن تجربتي في ربوع دولة أوربيا ساحرة و خلابة ولا في مكان روحاني حيت العبادة و التقرب لله... بل هو مكان متهالك البناء... قديم الطراز... بعيد المسافة ... و فيه أناس فقدوا أبجديات الحياة و خسروا عقولهم و أجسادهم و لم يتبقى لهم من حواسهم و قدراتهم إلا ابتسامتهم التي تضفي على من يراهم جو إيماني مليء بالرضا و التواضع حيث تتخلى النفس عن أنانيتها و برجها العالي و تعيش بساطة العقول و بساطة الحركة مع أنصاف بشر... هذه تجربتي مع دور رعاية المعاقين و المتخلفين عقليا حيث قمنا بزيارتهم و مجالستهم و الترويح عنهم رغم شعوري و استفساري من قام بالترويح عن من ؟
كانت التجربة عظيمة الأثر بل كانت الدرس الأكبر الذي فشلت مناهجنا عن تعليمنا إياه و لم يستطع الإعلام أن يوصله لنا. كان درس الحياة بكل تناقضاتها و بكل مباهجها ... كان الإحساس بإنسانيتنا و بوجوب الشعور بالمسئولية نحوها هو الدرس المستفاد... كان شعور العطاء بدون انتظار مقابل هو انتصار النفس في هذه التجربة, و كانت حالة الرضا الذي لازمتنا أيام بعد الرحلة هي ثمرة التجربة الأروع... فالرضا حالة نفسية تمزج السكون و الهدوء بالراحة و التقبل و أستطيع أن أجزم بأن أصل الحياة هو الرضا و لم يذق السعادة من لم يذق طعم الرضا... تمنيت لو تخلى الساسة عن كراسيهم قليلا و يعشوا معنا التجربة... تمنيت لو يترك التجار أعمالهم و يروا ما رأينا... تمنيت لو يقوم معلمين و معلمات وزارة التربية بزيارتهم و الإحساس بهم... تمنيت لو تكون هناك جهة تطوعية تتبناهم و تعتني بهم... رحلة غريبة و عجيبة فيها من المفردات و المعاني ما سيلازمنا ما حيينا... فقد استطعنا أن نستنشق هواء ملئه حياة جديدة بمفاهيم أكثر إنسانية..
جال في خاطري و أنا أجالس المعاقين جسديا كيف استطاع موسى بن نصير أن يفتح بلاد الأندلس و المغرب و هو أعرج و كيف كان طارق بن زياد قائد الجيوش الإسلامية التي استولت على شبه جزيرة أيبيريا مشلول اليد ... و تعجبت للإنسان حين ينتفض من إعاقته إلى الكمال....و حين يكون العقل هو سيد الموقف و الكلمة ... و زادت دهشتي من أخت لنا من المعاقين لا تتحرك إلى بكرسي متحرك إلا أنها تتكلم خمس لغات... أحسست و أنا أكلمها بإعاقتي و ضئالتي و بكمالها و بقوتها و تيقنت بأن المعاق من منح القوة و ركن للضعف... و من ملك العقل و مال للجهل.... أليست الإعاقة الحقيقية هي وقوف العقل عن الإبداع و نفورة من العلم و التعلم... أليس الإنسان عدوا لنفسه عندما يبني عالما خاليا من كل مفيد ... تعلمت مع أخواتي بأن لا قوة إلا مع إصرار و لا ذكاء و عقل إلا مع الجد... و أن الإنسان هو ما يملك من أفكار.
التعليقات
فكما تعلمين لقد انزل الله ايات عتاب لنبينا الأكرم يعاتبه لماملته لعبدالله بن أم مكتوم (عبسى وتولى ، أن جاءه الأعمى ، وما يدريك لعله يتزكى ، أو يذكر فتنفعه الذكر ) سورة عبس الآية 1-4 و أمرنا نبينا بلإهتمام بالضعفاء (ابغوني في ضعفائكم ، فإنما تنصرون وترزقون بضعافكم ) ولكن من يهتم!
مقاله رائعه.. بانتضار جديدك
استمرى و بانتظار المزيد
بارك الله فيك..
مقالة قوية! و أسلوب شبابي حيوي.. كلماتك قريبة من النفس في احساسها.. عميقة في معانيها.. لاأخفي سرا ان قلت ان اسلوبك هو الرائع... هنيئًا ل "ناشري" بك.. كاتبة.. و مفكرة !
تحياتي لقلمك المبدع، وننتظر جديدك دوما.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة