الابتزاز بـ"الدقوس" والـ"المكبوس"!
لا أكتب اليوم لأطالب بتجنيس غير الكويتي الذي يتزوج كويتية، ولا أكتب لأطالب بتجنيس أبناء الكويتية في غير حال الطلاق البائن بينونة كبرى أو في حال وفاة الزوج غير الكويتي كما يشترط القانون الحالي، بل أكتب لأطلب أمرا أيسر من ذلك بكثير. أطالب بأن يشترط القانون أن يجيد اللغة العربية من يحصل على الجنسية الكويتية. اقرؤوا معي القصة الواقعية التالية التي أخبرتني بها صديقة مقربة لتفهموا حرقتي.
ثمة رجل كويتي قرر الزواج –لأسباب تخصه هو ولا دخل لنا بها- بامرأة من جنسية غير عربية، وعاشا في ثبات ونبات ورزقهم الله الصبيان والفتيات. اعتنقت زوجته الإسلام رغم أنها لا تمارس أيا من شعائره باستثناء الصيام في رمضان وحصلت على الجنسية بعد الفترة القانونية المطلوبة. الزوجة تفهم بعض الكلمات العربية، لكن لا نية لديها بأي شكل من الأشكال أن تتعلم اللغة العربية. أما الأبناء، فيفهمون اللغة العربية بشكل ممتاز، لكن حاول بالترغيب أو الترهيب أن تستنطقهم كلمة واحدة بالعربية، وستكون حتما تضيع وقتك لأنه لن يردوا عليك وأنّى لهم ذلك ووالداهما يتحدثان بينهما ومعهم في البيت باللغة الإنكليزية لأنها اللغة الوحيدة المشتركة بينهما، ووالدتهم –والأم للأطفال أقرب بكثير من الأب بطبيعة الحال- لا تكلمهم إلا بالإنكليزية، وكذلك الأمر في المدرسة مع العلم أن هؤلاء الأطفال كويتيون، وأبوهم كويتي، ويعيشون على أرض الكويت. وكي أكون أمينة في نقل القصة، فإن هؤلاء الأطفال ينطقون في أحوال استثنائية بكلمات عربية عندما يزورون بيت العائلة، حيث يهرعون إلى جدتهم ليطلبوا "الدقوس" و"المكبوس"، ولولا أن إنكليزية جدتهم متواضعة جدا ولن تفهم ترجمة الكلمتين –هذا إن كان لهما ترجمة- فإنهم وتحت شعار الضرورات تبيح المحظورات يستعملون أسماء الطعام بالعربية. هل يقرب الطبخ بين الأمم هكذا؟ مثير حقا!
الـ"بوركيتا" الحلال!
عندما تذهب إلى إيطاليا، لا تنسَ أن تتذوق الـ"بوركيتا" Porketta، لكن لا تنس أيضا أن تتأكد أن الـ"بوركيتا" مذبوحة على الطريقة الإسلامية. ولمن لم يحزر ما هي "بوركيتا" فهي أنثى الخنزير!
قـد يبدو ما قلت سخيفا، لكن الأسخف هو ما تفعله بعض القنوات الفضائية التي تقع في حيرة أمام بعض الكلمات التي لا يتقبلها المشاهد المسلم، فتقوم إما بتجاهلها، وإما بترجمتها إلى كلمات أخرى.
أفهم تماما أن يترجم البعض Red Wine على أنه "عصير العنب الأحمر" لوجود تقارب ما بينهما، لكن أعتقد أنه من الصفاقة أن نترجم كلمة Pork على أنها "لحم البقر"! ففي أحد البرامج أخذ المذيع يتكلم عن الـ"بوركيتا" التي تصنع في إيطاليا وأنها تصنع من لحم أنثى الخنزير، لكن الصاعق أن الترجمة الظاهرة على الشاشة كتبت أنها تصنع من لحم البقر! أم لعلهم يعتقدون أن المشاهدين ينتمون لإحدى فصائل البقر مثلا! الخطير هنا أن بعض المشاهدين قد لا يكون انتبه لكلام المقدم باللغة الإنكليزية بل اكتفى بقراءة الترجمة. ولكم أن تتخيلوا أن يذهب هذا المشاهد في يوم إلى إيطاليا، فيطلب الـ"بوركيتا" الشهية التي شاهدها في البرنامج، لكنه سيشدد على النادل أن تكون بوركيتاه مذبوحة إسلاميا وباتجاه القبلة أيضا!
تحديث بتاريخ 27 مايو 2007 (وما بعد البوركيتا إلا البانشيتا!)
يبدو أن الأحزان لا تأتي فرادى.
فوجئت اليوم بالقناة نفسها تترجم كلمة Pancetta وهي نوع من لحم الخنزير المقدد يصنع في إيطاليا كما شرح ذلك مقدم البرنامج والذي ذكر كلمة Bacon (خنزير) بالحرف الواحد. لكن القناة ترجمت كلمة Bacon على أنها "لحم العجل"! ولا أدري ما العلاقة بين العجل وهو وهو ولد البقرة وبين الخنزير؟ أهي أخوة المراعي مثلا؟
قمت بتسجيل المقطع وهو من برنامج يدعى The Naked Chef، ويمكنكم مشاهدته هنا:
http://www.youtube.com/watch?v=mJFMCU1hfPE
لمزيد من المعلومات حول البانشيتا:
http://en.wikipedia.org/wiki/Panchetta
علما بأني سبق وراسلت القناة حول مثل هذه الأمور المقلقة، ولم أتلق ردا منهم. لكن البرنامج الذي ذكرت فيه كلمة البوركيتا تمت إعادته قبل فترة وقد تم حذف المقطع الذي أشرت إليه في المقالة. لكن ما الفائدة ولا زالت مثل هذه الترجمات المستفزة تتقافز على الشاشة؟
التعليقات
فيما يبدو نحن نعيش حالة من "الشيزوفرنيا" الثقافية ، وحتى لأقع فيما نتهم به غيرنا ، أقصد أننا نعيش حالة من الانفصام الثقافي، نعيش في حالة إغتراب داخل وطننا، ونتماهى في كل ما هو غربي
الثقافة إنعكاس أمين لحالة الأمة ..!!
أشكركم على طروحاتكم
م. قطر
أشكرك علي الطرح المتميز وعتدي ثلاث تعليقات:
الأول: الدقوس والمكبوس: أتفق مع تعليق أخي محمود-السابق علي تعليقي- في موضوع الشيزوفراني الثقافية والتغريب، لكن إذا عرف السبب بطل العجب. معلوم أن العقيدة -أية عقيدة- لها شرعة ومنهاج لتحقيق المقاصد، متي غفل الناس عنها رأينا عجب العجاب.
الثاني: الترجمة في الفضائيات: يبدو أن قناتنا هذه يتطبق عليها بيت الشعر القائل: إن كان لا يدري فتلك مصيبة، وإن كان يدري فالمصيبة أعظم.
وللتنوير، فمنذ بضع سنين أو يزيد كنت أشاهد أحد الأفلام وكانت البطلة/أو الأم -لا أذكر- توبخ البطل وتصرخ قائلة ِِ"Are You Nuts" يعني هل أنت مجنون، لكن الترجمة البليغة والفصيحة علي الشاشة كتبت: هل أنت بندق
بندق؟
الثالث: البوركيتا الحسناء: البوركيتا لحم بقر! حننحن في عصر العولمة، يبدو أن حسنائنا هذه قد تزوجت من ذكر بقري إيطالي فتجنست بالجنسية البقرية وبالتالي أصبحت حلالا!
هنيئاإذا لمحبي اللحوم!
والله شر البلية ما يضحك فعلا!
الأخ هشام ماجد.
أشكركما على المرور والتعليق.
للأسف، بعد أن انتهينا من الـ"بوركيتا" ظهرت لنا الـ"بانشيتا"! وقد ارتكبوا نفس الخطأ وترجموا كلمة Bacon على أنها لحم العجل.
يمكن مشاهدة تسجيل للترجمة هنا:
http://www.youtube.com/watch?v=mJFMCU1hfPE
وبصراحة أكثر يقلقني الكثير مما تقدمه للمشاهدين ليس فقط بسوء الترجمة -والذي استغربه في قناة مثل هذه- ولكن في المحتوي العام أيضا!
الله المستعان!
شكرا أختي وجزاك الله خير.
لا يعنيني في شيء -من قريب أو بعيد- ما يقدم في الإعلام من تقنيات الطعام لكني يعنيني المتلقي أي المشاهد. فمادام المحتوي غربيا في الأساس وعصر العولمة الذي نحياه أداته تصدير ثقافتهم هم، لكن ماذا عنا نحن؟
المفترض أننا أمة وسطا، والوسطية تعني الإعتدال بين نقيضين لأن الأشياء تعرف بضدها. في الفلسفة، القيمة هي وسط بين رذيلتين فمثلا الشجاعة هي التوسط بين التهور والتخاذل.
ببساطة مقصدي أن يكون المسلم والعربي واعيا بما يقدم له ولا يتقبل الأمور علي مسلماتها؛ فالموضوع -عندي كرجل في القرن الحادي والعشرين ذو خلفية عربية/إسلامية- عبارة عن قيم إستهلاكية بحتة يتم الترويج لها ببساطة شديدة ونتقبلها ببساطة أكثر تثير الملل والحنق في آن.
ببساطة أكثر: المفترض أن نتوسط في الأمور؛ فلا إفراط ولا تفريط سواء طعامأو غيره، ولا ننس أن ما ملئ إبن آدم وعاء شر من بطنه. ومن المفترض حفظ الرأس وما وعي والبطن وما حوي كما أخبرنا الحبيب المصطفي (ًصلي الله عليه وسلم)
عذرا علي الإطالة وأتمني ألا يكون هذا إهانة للحرب النسائي المولع بالشراء مع كامل إحترامي لهن وفضلا عودوا إلي المقال الأصلي لمن ألقي السمع وهو شهيد.
وسدد خطاك
وبارك في جهدك ووقتك ومالك وعمرك
وكثر من أمثالك
وثبت على الحق خطواتك
سيري على بركة الله
الأخ هشام ماجد،
الأخ سالم الشطي.
شكرا لمروركم وتعليقاتكم.
لم أشأ حقيقة ذكر اسم القناة، لكن الأمر يتكرر للأسف.
جزاكم الله كل خير.
أنا معكم الترجمة التي قامت بها القناة قد توقع السائح المسلم بمتاعب، ولكنها أفضل بالتأكيد من جرح مشاعرنا بترجمة برنامج طبخ محتويًا على تشويق وتسويق للحوم الخنزير وشراب الخمر المحرَّمين.
نحن لسنا في حالة تسمح بإعداد برامج مشابهة بكثرة وجودة لما نترجمه، لذلك نضطر لاستيراد ما يصنعه الآخر/ الكافر، كل ما في قدرتنا هو تخفيف الضرر قدر الإمكان، وبلا شك أن محو الكلمات أقل ضررًا بمشاعر الكبار ومعتقدات الصغار.
أنا من متابعي هذه القناة وأجدها ممتعة ومفيدة ولكن ساءني جدا أن تقدم حلقة كاملة عن تخمير التفاح وصناعة الخمور وأن يتم إعادة الحلقة ذاتها مرتين على الأقل!
أما بخصوص الترجمة فاسمحي لي بأن أنضم لحزب المعارضة، فأنا أجد أن عدم ترجمة القناة لبعض الكلمات مثل (الخمور) هي من باب حسن النية واحتراما للمشاهد المسلم، أما عن المشاكل التي يمكن أن يتعرض لها السائح العربي بسبب الترجمة فأرى أن احتمال وقوعها ضعيف جدا لأن الغالبية العظمى من قراء الترجمة العربية للبرامج لا يتابعون ما يقال باللغة الانجليزية، المشاكل التي ممكن أن تتسبب بها هذه الترجمة غير الدقيقة هي أن تطهو ربة المنزل اللحم في عصير العنب - كما قرأت بالترجمة – وأن تفاجئ بطبق غريب الطعم لا يمكن أكله!
وبالطبع فأنا أعتقد أن إلغاء القناة للفقرات التي تحتوي طهي أطباق محتوية على لحم الخنزير والخمور ستكون أفضل الحلول.
أما عن موضوع كلمة Bacon فصحيح أن استخدامها عادة ما يكون تعبيرا عن لحم الخنزير ولكني اكتشف مؤخرا أن الكلمة بدأت تستخدم تعبيرا عن اللحم بصورة عامة، فهناك beef bacon و pork bacon!
ففي زيارتي الأخيرة لإندونيسيا اشتكينا لمدير الفندق عن طهي بيض الإفطار بنفس المقلاة التي يقلى بها ما كتب عليه الـ bacon ، فاكتشفنا أن الـ bacon ما هو إلا لحم بقر حلال! وقد بحثت عن ذلك بعدة مصادر فوجدته صحيحا.
وكما يقولون : عش رجبا .. ترى عجبا!
أتفق معك، والأسلم هو محوها أصلا. فالآية الكريمة تقول "فاجتنبوه" وهذا يشمل جميع أنواع الاجتناب. وتكرار عرض المحرمات يؤدي إلى نوع من التطبيع والقبول النفسي لها بشكل أو بآخر.
أختي رهام،
شكرا لتعليقك الأنيق والمثري.
وأهلا بحزب المعارضة. هل لي أن أنضم إليكم بما أني لا أختلف معكم
في رأيي أننا جميعافي صف المعارضة مع ملاجظة نقطة هامة: إن كان ليس ممكنا تقديم البديل فلا يعني هذا السكوت علي المنكر لأن هذا هو السم في العسل وكل من يتابع تلكم القناة-وغيرها- يفهم ما أقول
هذا يرجعني إلي الموضوع الأصلي ألا وهو التربية والأسرة؛ فإن كان عربيا ما قرر أن يتزوج أجنبية، فماذا عن التنشئة؟ التربية هي التي تجعل الإنسان يميز بين الخبيث والطيب في كل ما يعرض عليه من أمور الدنيا
أوليس: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؟
عجبا: خرجنا من المطبخ إلي الصالون وكله ثقافة
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة