سليم عبد القادر مضى إلى من يحب
- التفاصيل
- مقالات
- أدب وفن
- في: الأربعاء، 05 حزيران/يونيو 2013 22:41
- محمد سعيد الملاح
- القراءات: 8864
أتى أمر الله وقضى الشاعر المهندس سليم عبد القادر زنجير، وكتب الله له الراحة الكبرى بعد معاناة أليمة، نسأل الله عز وجل أن يرفعه بها درجات في الفردوس الأعلى. وكان نظام البعث قد حكم عليه بالإعدام حضوريًا عام 1979 لكن الله سبحانه وتعالى نجاه وكتب له عمرًا جديدًا مثمرًا أتم فيه دراسته وأنجب أولاده ونظم فيه أشعاره. وحينما دعيت لمقابلته تصورته بشكل معين، فإذا بي أرى شابًا رقيقًا نحيل الجسم، خفيض الصوت، جم الكياسة والتواضع والتهذيب، طليق اللسان يعبر دون خجل عن الواقع بصراحة لايغيب عنها المرح.
وفي المرات القليلة التي التقيته بها بعد ذلك لم أجده قد تغير، وإنما اكتشفت فيه صفات الزهد والكرم مع اعتداده الشديد بكرامته ولم يكن يهتم أبدًا بجمع المال واكتنازه فإن أتاه أحله بمنزلة العبد وليس بمنزلة الصنم. وكان سليم يرحمه الله لا يتخلى عن كياسته ورقته أبدًا وكان يراعي مشاعر الناس، فلم يكن يتكلم إلا بحساب مراعيًا ألا يغمط أحدًا حقه وألا ينسى من أحسن إليه ولو بنظرة أو ابتسامة. وكان مسامحًا لكل الناس ولا يجد في الحياة ما يستحق الخصومة أو أن يحمل الانسان في نفسه شيئًا، فكان سعيدًا مرتاحا. ومع ميله للشعر والأدب فإنه كان يحب الرياضيات ويعلمّها لأولاده كعلم يحبه ويفهمه ويندمج فيه ويستنطقه ويتكلم عنه. وكان رحمه الله يمتاز بالشجاعة في التفكير ومواجهة المشاكل، فلم يكن يلجا للهروب واللف والدوران، بكل كان يجلو لب المشكلة ويصل إليه بسهولة سواء أكان قادرًا على التصرف حيالها أم لا. وكان لديه مكتبة ضخمة جمع فيها كتب اللغة والشعر لتعنيه في دربه الذي اختاره.
وقد أحس سليم بفجوة في تراثنا الأدبي تتمثل في غياب شعر الأطفال وأناشيدهم وأهازيجهم، وأحس بقدرته على سد هذه الفجوة، فترك عمله ووضع شهادة الهندسة على الرف وتفرغ لكتابة أشعار الأطفال وأخلص لها. وجمع حوله أخويه عبد الله، وصديق عمره محمد سداد عقاد فأسسوا شركة سنا للإنتاج الإعلامي التي حولت أشعاره إلى أغان جميلة مصورة بطريقة الفيديو كليب. وقد وفّقه الله وأصبحت أناشيده على لسان الأولاد في كل مكان ينطق أهله بالعربية. وفي بلاد المغرب العربي حيث فرنسا حاولت فرنسا محو اللغة العربية عبر احتلال دام أكثر من قرنٍ من الزمان شرّد معظم السكان في الجبال ودمر الكثير من المكونات الثقافية، أخدت الأمهات يهدهدن لأطفالهن بأشعار سليم عبد القادر التي وصلتهم عبر أناشيد الطفل والبحر ليناموا على ألحانها بدلا من "فريرو جاكو، فريرو جاكو، دورمي فو، دورمي فو، سونّي لا ماتينو دين دان دون". وصارت أشعاره وسيلة لتعليم الأطفال العرب في مهاجرهم مبادئ الإيمان واللغة العربية الفصحى السهلة الواضحة.