في هذه الحقبة - العصر الوسيط - والتي امتدت أكثر من ألف عام نحن بصدد دراسة فكر ونظم حضارية والكنيسة وعلاقاتها وكيف كان يفكر الناس، فذلك العصر هو عصر الفروسية والإيمان والإقطاع والظلام أيضاً.

الواقع أنه بوفاة الإمبراطور ثيودوسيوس في عام 395م قُسمت الإمبراطورية بين ولديه إلي قسمين قسم شرقي (الإمبراطورية الرومانية الشرقية)، وقسم غربي ( الإمبراطورية البيزنطية )، وأصبح هناك إمبراطور في روما ولكنه كان يمكث في رفانا وإمبراطور آخر في القسطنطينية. وقد سميت الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو الإمبراطورية اليونانية تحقيراً لها حيث أن الرومان هم الحضارة في الغرب وفي نظرهم الشرق متخلف ومُحتقر ولا يستهوي الغرب أن تكون العظمة شرقية.

الجدير بالذكر؛أن الإمبراطورية البيزنطية الشرقية كان لها نظام مركزي "حكومة مركزية" وجهاز بيروقراطي ضخم وهذا كان سر وجود بيزنطة ألف عام ومائة سنة فهناك جهاز إداري " نظام إداري مستقر". أما الغرب فقد خلا من هذه الناحية – في معظمه – فآفة العصور الوسطي في أوربا هي الولاء للسيد المباشر، فالفلاح ولائه يكون لشيخ القرية والعمدة ولائه للمحافظ والأخير ولائه لرئيس الإقليم ورئيس الإقليم ولائه للملك، علي الرغم من أنه كان لابد أن يكون الولاء المباشر من الفلاح للملك. هذا الولاء المتغير ليس له أي رمز ينصرف إليه مباشرة وذلك يعني عدم استقرار فليس هناك خط ثابت، ولكن ذلك عصر ليس كل ما فيه سيئ فهذا العصر يعرف بـعصر الفروسية، عصر الإيمان، عصر الإقطاع، عصر الظلام.

وقد نشأ النظام الإقطاعي بعد معركة حدثت في القرن الرابع سنة 378م هي معركة أدريا نوبل بين الجرمان والإمبراطورية الرومانية،حيث قُتل فالنز الإمبراطور الروماني في الغرب وذُبح 45 ألف جندي روماني وقيل 785 ألف جندي، وسيطر الجرمان علي مقاليد الغرب الأوربي،واحتل الوندال أفريقيا وجنوب أسبانيا،والفرنجة غـالة،والسكسون بريطانيا، والقوط الشرقيين في إيطاليا،والقوط الغربيين في أسبانيا والأندلس. ولكن النتائج الأبعد للمعارك الفاصلة ونتائجها البعيدة تغير الزمن فأدريا نوبل غيرت حركة التاريخ، فأصبحت القوة في العصور الوسطي قوة الخيالة الفرسان، ذلك أن الجرمان كانوا فرسان والرومان مشاة، فالفرسان هم الأمراء أصحاب القوة الضاربة فأصبح لهم السلطان والنفوذ والملك لا يكون جيشه بدونهم. أما الجرمان قبل أدريا نوبل فقد عرفوا الزراعة البسيطة، والإمبراطورية الرومانية مَدنية تقوم علي التجارة، والعملة الإقتصادية الرومانية هي العملة الرئيسية، والجرمان فلاحين والزراعة أصبحت عصب الحياة الإقتصادية في العصر الوسيط فسكن الجرمان القرية فأصبحت عصب الحياة فهم لا يستطيعوا السكني في المدينة فتركوها وسكنوا القرية، والأمراء كانوا يملكون الأرض فأصبحوا ذو قوة إقتصادية وعسكرية في نفس الوقت، فالفلاحين هزموا المدنيين وهذا تحول حضاري وليس معركة عادية.

وفي القرن التاسع كان هناك ملك هو ملك إنجلترا الفريد العظيم قال:

" الله خلق العالم علي شكل مثلث ، ضلع يحكم وضلع يصلي وضلع يخدم الضلعين الآخرين ". والضلعين الذي يحكم ويصلي لهما السيادة وهما الضلعان القائمان، أما الضلع الأفقي فهو الذي يخدم الآخرين، فالقائم له السيادة والأدنى هو العامة، فالذي يحكم هم الأمراء والذي يصلي هم رجال الدين والكنيسة والذي يخدم هم الفلاحون، والواضح هنا أن الملك لم يذكره الفريد في هذا المثلث ولكنه كان علي عرش المثلث ولكن السلطة كلها للأمراء ورجال الدين.

ومما لا شك فيه؛ أن الأمراء كان عليهم حقوق إلزامية يقدمونها للملك هي:

- عندما تتزوج الابنة الكبرى للملك؛يقدم الأمير هدية بمناسبة الزواج السعيد وقد تكون الهدية عبارة عن نقود،مجوهرات،أو أحجار كريمة.

- عندما يصل الابن الأكبر للملك لسن الفروسية (يصبح فارس)؛ يقام احتفالاً ضخماً ويقدم الأمراء هدية لهذه المناسبة.

أما رجال الكنيسة في الغرب الأوربي، ففي أول الأمر كانت الحياة بسيطة في ظل الوثنية ولكن في القرن الرابع الميلادي تحولت الإمبراطورية إلي المسيحية، وحرص الملوك علي إعطاء الأراضي أو ما عُرف بالأراضي الموقوفة للإنفاق علي المساكن والأمراء لصالح الكنيسة فأزداد ثراء الأخيرة وتحول الأساقفة إلي أمراء أكليروس فهو أمير رجل دين ولا يلبسون لباس رجال الدين. واستغل رجال الدين هذه الناحية لمصالحهم الخاصة ومنذ القرن (7م) حتى القرن (11، 12م) كانت هناك أمراض في المجتمع الأوربي يمكن أن نطلق عليها أمراض الكنيسة وهي:أولاً؛شراء الوظائف أي الرتب الكهنوتية في مقابل أن يُدفع مبلغ من المال للأمير أو الملك،ثانياً؛ زواج رجال الدين، حيث  كان الزواج ممنوعاً لأن الكنيسة هي عروس المسيح فرجل الدين حياته عذرية كاملة.

أما الفلاح في الأرض في العصر الوسيط؛ فكانت الأرض ملك السيد وارتقى القن درجة فأصبح القن يملك حياته ولا حريته. وقد كان الفلاح يتبع الأرض أينما ذهبت، بمعني أنه إذا بيعت الأرض تباع بمن عليها من الفلاحين، فالفلاح ليس له حق في الحياة سوى أن يخدم الأمير ويفلح الأرض. ويقول ويل ديورانت في كتابه( قصة الحضارة) " إذا جاء الشتاء دخل الفلاح وزوجته وأبنائه وبهائمه وضيوفه في الكوخ ليدفئ بعضهم بعض".

هذه الحياة وبتلك الصورة المظلمة الظالمة استمرت خمسة قرون كاملة من القرن التاسع الميلادي حتى القرن الرابع عشر الميلادي، صورة عاشها المجتمع الأوربي في عصر الإقطاع. 

__________________________________________________-

- أشرف صالح، قراءة في تاريخ وحضارة أوربا العصور الوسطى، الطبعة الإلكترونية الأولى، شركة الكتاب الإلكتروني العربي، بيروت 2008.

- جوزيف نسيم يوسف، تاريخ العصور الوسطى الأوربية وحضارتها،الطبعة الثانية، القاهرة 1987

- حاطوم، تاريخ العصر الوسيط في أوربا، بيروت 1967.

- كوبلاند (ج.و) وفينوجرادوف (ب)، الإقطاع والعصور الوسطى في غرب أوربا، ترجمة محمد مصطفى زيادة، القاهرة 1985.

مؤرخ وأكاديمي مصري

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية