ولا يحتاج الأمر إلى تكهن ، أو اختلاف في الرأي . لقد كان بلير السند الوفي ، والساعد المؤازر للرئيس الأميركي ، ويكاد يكون الأوحد في أعقاب أحداث الحادي عشر من إيلول / سبتمبر 2001 ، وما أفرزته ما تسمى الحرب على الإرهاب ، وتحديدا الحرب على أفغانستان ، والحرب على العراق ، والأوضاع المتفجرة في الأراضي الفلسطينية ، وكل السياسات التطبيقية الأميركية ذات الصلة بهذه الحروب .
قدم بلير لجورج بوش في كافة الميادين من الدعم والتأييد المعنويين والفعليين ما لم يقدمه الآخرون . دار في الفلك الأميركي ، زج ببلاده في أتون حروب أميركا ، غير مبال بانتقادات رجال السياسة والإعلام وغالبية المواطنين البريطانيين . لقد لقبه الكثيرون من هؤلاء بالتابع . بل إن آخرين اتهموه بتحويل صورة بريطانيا التاريخية من السيادة إلى التبعية والإنقياد .
وهكذا كان لا بد أن يكافأ طوني بلير مكافأة نهاية الخدمة بتعيينه موفدا للرباعية الدولية في الشرق الأوسط ، وهي التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأميركية هيمنة مطلقة ، وتدور في فلك سياستها . وكما كان بلير مخلصا للرئيس بوش الإبن سابقا ، فهو سيكون دون أدنى شك ملتزما بإخلاصه للسياسة الأميركية داخل الرباعية ، وحريصا على تكريسها.
ولنعد إلى كنه التعيين نفسه من حيث محوران ، وذلك من منظور فلسطيني . المحور الأول يخص المعين بلير . قبل أن يتولى هذا المنصب ، عمل عشر سنوات رئيسا لوزراء بريطانيا . ما يهمنا هنا أنه لم يفعل خلالها شيئا يذكر يخص القضية الفلسطينية ، والتي يفترض أن بريطانيا مسؤولة مسؤولية تاريخية عما حل بالشعب الفلسطيني ، جراء سياساتها الإستعمارية إبان فترة انتدابها على فلسطين التاريخية " 1918 – 1948 " .
وعلى سبيل التذكير لا السرد ، أعطت بريطانيا وعد بلفور عام 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين . وخلال ثلاثين عاما من انتدابها ، عملت بكل الوسائل على تشجيع الهجرة الصهيونية إلى فلسطين ، وإقامة المستوطنات اليهودية . وهي باختصار شديد ، قد أسهمت إسهاما كبيرا في قيام دولة إسرائيل على حساب الفلسطينيين الذين حظوا بالنكبة والتهجير إلى الشتات ، ولا يزالون .
إن بلير يعي جيدا ما حصل للفلسطينيين جراء سياسات بلده الإستعمارية ، وهو يرى بأم عينه الإفرازات الكارثية المستدامة لهذه السياسات ، ومنها الإحتلال الإسرائيلي القمعي لبقية الأرض الفلسطينية . لقد كان الأحرى به أن يقدم شيئا ولو يسيرا للفلسطنيين في أثناء ولايته رئيسا للوزراء ، إلا أنه لم يفعل شيئا يحمد عليه . وعلى العكس ، فإنه سكت على ممارسات الإحتلال الإسرائيلي ، ودعم كل السياسات الأميركية المعادية للشعب الفلسطيني .
وها هو اليوم يصرح أن دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل تشكل أولوية بالنسبة له ، وسوف يعمل على تحقيقها . وهنا نتوقف برهة لنذكر السيد بلير أن رؤية الدولة الفلسطينية هي من بنات أفكار الرئيس الأميركي بوش الإبن ، وقد عاصرها هو منذ التبشير بها . وها هو الرئيس الأميركي ، قد دنت ولايته من نهايتها ، وما زالت رؤيته في رحم الغيب السياسي ، تعاني من عسر ولادة متعمد ، أو ربما أنه تم إجهاضها على الأغلب .
وهنا تتبادر إلى الأذهان طائفة من التساؤلات . أولها : إذا كان الرئيس الأميركي صاحب هذه الرؤية ، لم يسع إلى تحقيقها على أرض الواقع ، وهو غير جاد بخصوصها ، أو بصحيح العبارة ، فقد طرحها لغاية في نفسه ، فماذا سيكون في وسع بلير أن يفعل لتحقيقها ، وهو يعلم يقينا أن مفاتيح الحل والربط هي في أيدي الولايات المتحدة التي عينته موفدا للرباعية الدولية؟
وعلى فرض أنه كان جادا بخصوص هذه الدولة التي يتحدث عنها ، فعن أية دولة فلسطينية يتحدث ؟ . ما هو شكلها الجغرافي والديموغرافي ؟ . ما هي عناصر تكوينها السياسية ؟ . ما هي حدودها ، وهل هي حدود العام 1967 ، أم أنها دولة مقطعة الأوصال ، قابعة في بحر من الإستيطان ؟ .
وماذا بخصوص عاصمتها القدس العربية ؟ . وماذا عن معابرها البرية والبحرية والجوية ؟ . وماذا عن هوائها ومائها ؟ . وقبل كل هذا وذاك ، ماذا عن استحقاقات القضية الفلسطينية الأساسية ، وتحديدا حق العودة الذي أقرته مبادىء الشرعية الدولية عبر قراراتها المدفونة في أرشيفات الأمم المتحدة ؟ . وماذا وماذا وماذا؟
في اعتقادنا ، أن هذه الحيلة الجديدة لن تنطلي على الشعب الفلسطيني . إنه من الذكاء بحيث يهزأ منها ، كون هذا الشعب يدرك تمام الإدراك سياسات الإنحياز الأميركي والبريطاني " الأنجلو سكسوني " لإسرائيل التي تصر على لاءاتها الرافضة لقيام دولة فلسطينية حقيقية كاملة السيادة ، يرضى عنها الفلسطينيون ، وتلبي على أقل تقدير مساحة معقولة من مطالبهم الشرعية ذات الصلة بقضيتهم التي مضى عليها ستة عقود من الزمن .
أما المحور الثاني ، فهو يخص الرباعية الدولية نفسها ، والتي عين بلير موفدا لها في الشرق الأوسط . منذ تأسيس هذه الرباعية – وهي تأتي في سلسلة مشروعات تخديرية ، أحدثتها السياسة الأميركية - ، أثبتت أنها مزدوجة المعايير ، منحازة وغير جادة ، وأنها إحدى وسائل تضييع الوقت ، والتسويف والمماطلة .
وأنها وهذا هو الأهم تدور بكل عناصرها وأضائها في الفلك الأميركي وهي أيضا تأتي في مسلسل سياسات سبقتها ، ومثالا لا حصرا مؤتمر مدريد ، وأوسلو ، ورؤية بوش عن الدولة الفلسطينية ، وخارطة الطريق ، وأخيرا لا آخرا هذه الرباعية .
كلمة أخيرة ، إن الرباعية الدولية بعناصرها الأربعة المكونة لها " الولايات المتحدة الأميركيى ، الإتحاد الأوروبي ، روسيا الإتحادية ، والأمم المتحدة " ، وها هو السيد بلير يأتي كعنصر خامس ، باعتباره موفدا لها في الشرق الأوسط ، إن هذه الرباعية واحدة من طروحات وآليات سياسية وهمية ، غير جادة ، هدفها التخدير ، والمماطلة بغية إتاحة الفرصة لإسرائيل لفرض سياسات الأمر الواقع المتعلقة باحتلالها للأراضي الفلسطينية ، ورفضها الدخول في مفاوضات الحل الدائم .
إن الأمور لا تحتاج إلى المزيد من هذه الطروحات والآليات السياسية والتعيينات . هناك قضية فلسطينية مضى عليها ستة عقود من الزمن ، وهناك أراض فلسطينية محتلة مضى عليها أربعة عقود من الزمن ونيف . والحل بكل بساطة ، يتمثل في إعادة استحقاقات هذه القضية ، وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي بكل إفرازاته الجغرافية والديموغرافية ، وترك الشعب الفلسطيني يقرر مصيره بنفسه ، كيما يكون قادرا على أن يكون شريكا حقيقيا في أي سلام عادل ومشرف .
التعليقات
أ. لطفي زغلول 2007
فعلاً أستاذي الكريم، فأعداؤنا يتناوبون أدوار الخير والخير! بينما الحقيقة الواضحة أنهم شركاء في جريمة واحدة، وما زالت في الأنظمة المدمرة والشعوب المخدرة من يصدقهم، ويرى سراب كلامهم واحة غناء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة