تلفزيون الواقع في الإعلام الصهيوني
لطالما نشأنا وترعرعنا على أن "اليهود" يتصفون بالجشع والبخل والجبن وبحبهم الشديد لجمع المال بمختلف الطرق. لقد عشنا دهرا من الزمان ننام ونصحو على هذه النمطية التي أثبت الزمن خطأها وأسقطها الواقع المعاش في فلسطين وخارج فلسطين. نرى اليهود في العالم متضامنين ومتكافلين فيما بينهم ويدفعون بسخاء لدعم كيانهم في فلسطين. يدفع أغنياؤهم بسخاء وتكاد
تبرعاتهم تصل إلى البلايين. ولا ننسى شعار الوكالة اليهودية "إدفع دولارا تقتل عربيا". (فـأين منظمات حقوق الإنسان من هذا الشعار حاليا؟) فأموال اليهود في أمريكا وفي أوروبا هي التي بنت وتبني المستعمرات في أرض فلسطين التاريخية وتهود القدس وتغير معالم الأراضي المحتلة. سيطروا على وسائل الإعلام والإنتاج السينمائي في مختلف أنحاء العالم وذلك، في المقام الأول، للترويج للمشروع الصهيوني وديموقراطية الكيان الصهيوني المهددة من جيرانها العرب. ونحن في المقابل، فلسطينيون وعرب على السواء، نختلق كل الأعذار كي لا ندفع فلسا واحدا في سبيل الدفاع عن وجودنا فضلا عن الدفاع عن حضارتنا وثقافتنا.
كان هدف الإعلام على الدوام وما يزال هو تشكيل الرأي العام والسيطرة عليه. ومن يسيطر على الإعلام يحتكر الرأي العام و "الحقيقة". فطنت الصهيونية العالمية لهذا منذ وقت مبكر وسارت في هذا الاتجاه ونججت نجاحا باهرا فيه. ونحن العرب أيضا لنا صولات وجولات في الإعلام القنوات الفضائية التي لا لون لها ولا رائحة ولا هدف. أصبح هدف بعض القنوات الفضائية هو الإسفاف وإلهاء الشباب وتزييف وعيهم وسلب إرادتهم من خلال برامج منقولة وممسوخة. لقد برعت هذه القنوات في التقليد والنسخ والمسخ وليس أدل على ذلك من برامج ما يسمى بتلفزيون الواقع التي شاغلت الشباب وألغت عقولهم وألهبت عواطفهم بطريقة سلبية. وفي المقابل نرى الكيان الصهيوني يستغل تلفزيون الواقع بصورة مغايرة تماما.
وفي هذا الإطار أشار سباستيان أشر (Sebastian Usher)،المراسل الإعلامي في البي بي سي البريطانية، إلى اعتزام إحدى القنوات التلفزيونية في الكيان الصهيوني البدء أو بدأت في بث برنامج يصنف على أنه من تلفزيون الواقع Reality Show على إثر صدور تقرير سري لوزارة خارجية العدو الصهيوني مفاده أن صورة image الكيان الصهيوني قد تدهورت في العالم جراّء الأعمال الوحشية والعنصرية التي تقوم بها في فلسطين المحتلة وأن هذا الكيان سيصبح كيانا منبوذا على غرار ما حصل لجنوب إفريقيا في زمن سياسة الباب العنصري في زمن قياسي قد لا يزيد عن بضعة سنين. يركز هذا التقرير بالذات على علاقة الكيان الصهيوني بالاتحاد الأوروبي. ويقول التقرير في هذا الصدد إنه إن آجلا أو عاجلا سيجد الكيان نفسه في سياسة صدامية بينه وبين الاتحاد الأوروبي. يأتي التقرير على ذكر انتقاد أوروبا للكيان الصهيوني في عدة مناسبات وقضايا في الآونة الأخيرة بما فيها الموقف من جدار الباب العنصري وكذلك بزوغ نجم "المعاداة للسامية" في سماء الاتحاد الأوروبي من جديد.
واستجابة لهذا التقرير، قرر ت إحدى محطات التلفزيون الصهيوني، بمبادرة من جماعة يهودية "إسرائيل في القلب" يديرها رجل أعمال نيويوركي يدعى "جوي لو" Joey Low صاحب الفكرة وممولها ايضا، بث برنامج على غرار تلفزيون الواقع لتلميع وتحسين صورة الكيان الصهيوني في الخارج عامة وأوروبا خاصة.
وهكذا يأتي برنامج "السفير" كما أطلق عليه في هذا السياق بجهد المتبرعين من أبناء صهيون للمساهمة في إقالة عثرة سمعة الكيان الصهيوني في العالم. يتلخص هذا البرنامج في اختيار 14 شابا وشابة ليتنافسوا فيما بينهم على أداء واجبات معينة تهدف إلى اختبار مهاراتهم في تلميع صورة البلد في الخارج. والفائز النهائي بعد التصفيات سيكون سفيرا يجوب العالم يشرح ويبين معالم الكيان ويحشد التأييد لبلده وإظهاره بالصورة الحضارية المفترضة.
في كل أسبوع يقوم المشاركون بواجب في بلد معين لاختبار قدراتهم على تقديم الكيان الصهيوني بصورة إيجابية. فمثلا، في أسبوع يناقشون القضايا التي تهم الكيان الصهيوني في جامعة كامبردج وفي أسبوع آخر ينتقلون إلى باريس يروجون للسياحة وفرض قضاء العطلات في الكيان الصهيوني. و واجب آخر يقتضي انتاج إعلان من دقيقة واحدة يروج لمنتجات وإنجازات الكيان وجمالياته ليتم بثه على قناة إم تي في MTV التي تستقطب الشباب.
فأين فضائياتنا العربية من كل ذلك؟ في المقابل أمطرتنا القنوات الفضائية العربية ببرامج ما يسمى بتلفزيون الواقع والفيديو كليب. تم استجلاب هذه البرامج كما هي أي بشحمها ولحمها وغثاثتها. فهل أصبحنا قوما لا نجيد سوى التقليد والنقل والنسخ والمسخ. لقد أضحى الشباب ناقلا وناسخا ومقلدا في كل نواحي حياته: في لباسه وفي طعامه وفي شرابه وفي قيامه وقعوده ومزاجه. لقد قدمت الفضائيات تلفزيون الواقع كما هو دون مراعاة لثقافة أو حضارة أو مبادئ. تغدق الأموال الطائلة على مثل هذه البرامج وتغدق عليه الإعلانات دون الالتفات لقليل من الثقافة والوعي بالوطن والمواطن.
لم يقتصر الاختراع والاكتشاف في الكيان الصهيوني على الأسلحة وتطويرها وجعلها أكثر فتكا بالفلسطينيين والعرب مستقبلا وإنما تعدى ذلك إلى تطوير البرامج الإعلامية بما يتلاءم مع أهدافه والاهتمام بتوعية الشباب وتثقيفه الثقافة التي يعتقد أنها البضاعة الرائجة في العالم. إن صراعنا مع هذا العدو ليس احتلالا فقط أو أرضا أو تسليحا وإنما هو صراع ثقافي وحضاري وسياسي واقتصادي واجتماعي وتكنولوجي لأن هذا الكيان لم يتأسس طبيعيا وإنما قام على الغزو والاختلاس والتزييف والإلغاء. فهل تقف وسائل الإعلام ،بما فيها الفضائيات، في أقطارنا العربية ومسؤوليها وقفة تأمل ومراجعة فيما يقدمون من مواد وبرامج للشباب والأجيال القادمة؟ هل تأخذ الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى العبرة من الأعداء قبل فوات الأوان وأن ترتقي إلى مستوى المسؤولية المناطة بها وتقوم بتقديم مادة إعلامية مفادها التوعية والتبصير واحترام الذات؟