إخواني المسهلين أخواتي المسهلات
ــ ناصر طالب موهوب في المرحلة الابتدائية، والده يمتلك ورشة سيارات، استطاع أن يركب مقود سيارة على دراجته الهوائية، الفكرة كانت من ابتكاره وتصميمه.
هذه ليست القصة، القصة أن ناصر كان يحب «الدوم» يعني يحب «العبري» يعني يحب «النبق»، عرض عليّ مبلغ خمسة ريالات للكيس الكبير، وريالًا للكيس الصغير، وافقت دون تردد.
في صباح اليوم التالي تم تسليم البضاعة واستلام المبلغ. المسألة بسيطة، فمزرعتنا بها عدد من أشجار السدر، وكذلك مزارع الجيران.
توالت العروض، وارتفعت الأسعار، وبالكاد أستطيع أنا وأخي «مسفر» توفير البضاعة.
امتلاء الفصل ببذور الدوم، وبدأت رائحة الدوم تفوح في الفصل، سأل المدرس عن مصدر الدوم، فأشارت الأصابع إلى الأخوين « أنا وأخي مصفر».
إنذار شفهي واحد من وزير التجارة أقصد.. المدرس كان كفيلًا بخسارة شركة «دومكو أخوين» وتصفية أعمالها، وإغلاق أبوابها إلى الأبد!
ــ جاسي زميل في المرحلة الابتدائية، وجار عزيز، لدى والده مجموعة من الإبل كان يقوم برعيها وتقديم العلف لها، اختفى فجأة، وانقطع عن الدراسة! ذهبنا للسؤال عنه، خرجت علينا والدته، وأخبرتنا أنه يرقد على السرير الأبيض في المستشفى بعد إصابته بكسور في الساقين.
بعد خروجه من المستشفى أتيت لزيارته، ساقاه كلتاهما كانتا محاطتين بالجبس، وعند سؤاله عن السبب اتضح أنه صعد فوق سطح المنزل وجرى بأقصى سرعته، ثم قفز ظنًا أنه سيتحول إلى «دوق فليد»، و«دوق فليد» هذا هو الشاب الذي يقود «جريندايزر» ليحمي الأرض من غزو «فيجا».
ــ علي طالب في الصف الأول الابتدائي، طلب من المعلم أن نخرج لإنشاد أي أنشودة نحفظها، خرج وأنشد بحماس شديد:
«أحيه من البرد
وشحيم الجرد
وأمي تعصد
وأبوي يلقم
وأنا قاعد
على الجاعد
أرضع عنزي
ما سويتش»
قهقه الطلاب، وقهقه المعلم حتى استلقى على قفاه، وأمر له بعشر درجات، إلا أن عليًا هجر تلك النشيد منذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة. بعد عودته من ملبورن بأستراليا، حيث يقيم هناك مع عائلته لتحضير رسالة الدكتوراه التقيته في أحد مقاهي الرياض ذكرته بهذا الموقف، فضحك حتى يكاد يقع من الكرسي، وأمر لي بكوب كبير من الكابتشينو الإيطالية اللذيذة، بدا لي أنه تمهيد على ألا أروي هذه الحكاية، ومع أني شربت الكابتشينو الإيطالية حتى الثمالة إلا أن مساعيه للمساومة باءت بالفشل.
ــ يرى أحد التربويين في بحث له أن مسمى «معلم» لا يتناسب مع عمل المعلم الحقيقي ألا وهو المساعدة والتيسير والتسهيل للطالب من أجل الحصول على المعلومة، وليس مجرد إعطاء المعلومة جاهزة، ويعني مسمى معلم سيصبح من الماضي كما حصل بالنسبة لمسمى المدرس وسيصبح المعلم مسهلًا، وبدلًا من قولنا: إخواني المعلمين.. أخواتي المعلمات، سنقول: إخواني المسهلين... أخواتي المسهلات!
لم تمض سوى عدة أيام على قراءتي لهذه الرؤى التربوية حتى جاء أحد أولياء الأمور، وانفرد في حديث جانبي مع أحد المعلمين، علمت فيما بعد تفاصيل ما دار فيه، وهو أن ابنه الذي يدرس في الصف الأول المتوسط أصبح يصاب بنوبة إسهال شديدة قبل توجهه للمدرسة بسبب خوفه من أحد المعلمين، أدركت حينها أن هذا المعلم بدأ يطبق الرؤى التربوية الحديثة في التعليم، عفوًا..أقصد: التسهيل!!
حادثة حقيقة
- في طابور الصباح انتزع مدير المدرسة «المايك» من أيدي جماعة الإذاعة (كيف تكون إذاعة وهي صوت وصورة وعلى الهواء مباشرة؟!) بدأ يحث الطلاب والمعلمين على الانضباط والنوم المبكر، ثم بحث في جعبته الخاوية عن شاهد شعري ليعزز كلامه فلم يجد إلا قول الشاعر:« ما أطال النوم عمرًا، ولا قصر في الأعمار طول السهر».
- دلفت الأم إلى غرفة ابنها المراهق، فوجدته منكبًا يكتب، فدعت له بالتوفيق، ثم طلبت منه برجاء حار أن يذهب إلى البقالة لإحضار بعض لوازم البيت، فرد بكل جفاء: لماذا لا تطلبين من أبي أن يذهب أم«أن على رأسه ريشة»؟ ألا ترين أني مشغول بكتابة موضوع عن بر الوالدين؟