{gallery}galleries/abdullah{/gallery}
صدر عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع كتاب (تاريخ عبدالله مبارك الصباح في
صور) للدكتورة سعاد الصباح، وذلك إحياءً للذكرى الرابعة والعشرين لوفاته والتي
تصادف يوم 15 يونيو.
وقد استهلّتْ الدكتورة سعاد الصباح كتابها بإهداءٍ وجهته إلى روح زوجها ورفيقها
ومعلمها عبدالله المبارك، معقّبَةً بقولها: "وحتى لا يضيع تاريخ رجل ساهم في بناء
دولة الكويت، كان هذا الكتاب وفاءً له".
يذكر أن الشاعرة سعاد الصباح خصّصتْ الكثير من مؤلفاتها النثرية وكتاباتها
الشعرية للحديث عن العلاقة الفريدة التي جمعتها بزوجها الراحل سمو الشيخ
عبدالله المبارك، وكانت فيها مثالًا للزوجة الطائعة الوفية والأديبة العاشقة،
سواء في حياته أو بعد وفاته.
تميز كتاب (تاريخ عبدالله مبارك الصباح في صور) بشمولية البحث واتساع المجال
في التوثيق والتحديد التاريخي، حتى إن المتلقي ليشعر بأنه أمام كتاب تاريخي
يوثّق مرحلة من حياة الكويت الحديثة وبناء مؤسساتها ونهضتها الاقتصادية
والاجتماعية والتعليمية والثقافية والعسكرية.
قسّمت الدكتورة سعاد الصباح كتابها إلى ثلاثة عشر فصلًا، تناولت في كل فصل
جانبًا من جوانب حياة الشيخ عبدالله المبارك الخاصة والعامة، وافتتحت ذلك
بمقدمة طويلة نوعًا ما، بعنوان (صقر الخليج عبدالله مبارك الصباح)، أظهرت في
أسطرها الأولى ما أرادت قوله في ثنايا الكتاب عمومًا، ثم تحدثت عن مولد الشيخ
عبدالله المبارك ونشأته، ثم جمعه بين الأصالة والحداثة وامتزاج البداوة
بالحضارة قِيْمًا وانفتاحًا وفروسية وتنوُّرًا، ثم تحدثت عن الشيخ عبدالله المبارك
باعتباره رجل الدولة والمؤسسات وصاحب البصمة التي لا تمحى في المساهمة ببناء
نهضة الكويت الحديثة، وتوسعت المؤلفة في الحديث عن الجانب العسكري والأمني لدى
زوجها الراحل، وذلك باعتباره قائد الجيش الكويتي ومؤسسه، ومدير الأمن العام
والطيران والشرطة، وصاحب اليد الطولى في إيجاد ركائز هذه المؤسسات ذات الأهمية
الإستراتيجية في حياة الدول.
ولم تغفل الكاتبة الدور الثقافي والتعليمي والرياضي وأنشطة المجتمع المدني
وتأسيس الإذاعة، والذي رعاه وواكبه الشيخ عبدالله المبارك في حقبة الخمسينيات
من القرن الماضي، وكان يشغل فيها منصب نائب حاكم الكويت، وتسلم مقاليد الحكم
بالإنابة لفترات طويلة بسبب سفر سمو الأمير الشيخ عبدالله السالم المتكرر
للعلاج في الخارج.
ثم تناولت الكاتبة موقف الشيخ المبارك من العروبة والتعاون العربي، ولم تخفِ
سرًّا -سواء في مقدمتها أو الفصول المتعلقة بذلك ضمن الكتاب- عندما أظهرت السمت
العروبي الواضح الذي تمسك به الشيخ عبدالله المبارك، وهو الذي ألغى تأشيرات
دخول العرب إلى الكويت رغم غضب بريطانيا، وجمعته علاقات مميزة جدًّا مع معظم
الزعماء العرب آنذاك أمثال: الزعيم التاريخي جمال عبد الناصر، والملك سعود بن
عبدالعزيز، ورؤساء سوريا ولبنان والجزائر وملك المغرب... وغيرهم.
وتحدثت المقدمة كذلك عن السياسة المحنكة التي كان يمسك بعصاها نائب الحاكم سمو
الشيخ عبدالله المبارك في العلاقات الدولية، سواء مع بريطانيا أو المحيط
الإقليمي ودول العالم الأخرى قبل الاستقلال وبعده.
وتساءلت الكاتبة في نهاية مقدمتها وفي نهاية كتابها (ماذا يبقى من هذا
الرجل للتاريخ؟) لتجيب بأن الرجل العام يعيش في سجل الوطن بقدر ما تبقى إنجازاته شاهدة على ما
قدم لبلاده، ويعيش في ذاكرة الشعب بقدر ارتباط ممارساته بالمبادئ والقيم
الأخلاقية لهذا الشعب، ويبقى الشيخ عبدالله المبارك نموذجًا لرجل الدولة الذي
التزم بالمبادئ في عمله العام، ولم يؤمن قط بأن "الغاية تبرر الوسيلة"، مضيفة
أنه يبقى اسم عبدالله المبارك في ذاكرة الكويت رمزًا لمعاني التحديث والتنمية
وإدارة عملية التغيير الاجتماعي في ظروف صعبة ومعقدة. وإذا كانت إدارة مثل هذه
العملية من الأمور الصعبة عمومًا، وأدى في بعض البلاد إلى حدوث حالة من الفوضى
وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فإن حجم التحدي في الكويت كان أكبر وأعمق.
وأشارت إلى أن اسم عبدالله المبارك يبقى في ذاكرة الوطن عنوانًا للعمل من أجل
الاستقلال، وتوفير ظروفه ومتطلباته، والحفاظ على حقوق وطنه تجاه الغير. كان
سلوكه الشخصي رمزًا للاعتداد الوطني والثقة بالنفس، وكان سلوكه العام سعيًا
دائبًا من أجل تحرير إرادة الكويت، واستقلال قرارها الداخلي والخارجي. ويبقى
اسم عبدالله المبارك في ذاكرة الكويت رمزًا لأهمية الانفتاح على الخارج،
والاستفادة من خبراته وعلمه وتقدمه، فقد أدرك الشيخ أهمية العلاقات الخارجية
بالنسبة للكويت، وفتح أبواب الاتصال مع العالم من خلال التعليم والإذاعة
والطيران.
وقالت: "أخيرًا، يبقى اسم عبدالله المبارك في ذاكرة الكويت نموذجًا لشموخ الرجل
العام، ولكبرياء السلطة وهيبتها؛ لأنه احترم نفسه، واحترم المواقع التي شغلها في
حكومة بلاده، وتصرف -وهو خارج السلطة- وفقًا لهذا الاعتبار، لذلك، فرض على
الآخرين احترامه وتقديره، فقد كان عبدالله المبارك كبيرًا في الحكم، وأكبر وهو
خارجه، ولم يسمح لأحد قط بأن يستدرجه إلى مزالق المهاترات وصغائر الأمور.
وطالما استمرت نهضة الكويت وتقدمها، فسوف يبقى اسم عبدالله المبارك أحد رموزها
الشامخة وعلاماتها المضيئة".
وأعقبت المؤلفة مقدمتها الطويلة بقصيدة من قصائدها المميزة التي تعكس المشاعر
التي تكنها في نفسها تجاه زوجها حيًّا وميتًا، وهي بعنوان (زوجي المعلم وأنا
التلميذة).
واشتمل الفصل الأول من الكتاب على ثلاثة أقسام هي: محطات من مسيرة الحياة
–شجرة العائلة – صور من حياة الشيخ عبدالله المبارك مع العائلة الصغيرة.
وفي الفصل الثاني توسعت المؤلفة بإيراد صور للشيخ عبدالله المبارك بوصفه نائبًا لحاكم
الكويت في الخمسينيات من القرن الماضي، وما كان يقوم به آنذاك من مهام إدارية
وسياسية أبحرت بالبلد الناشئ إلى شط الأمجاد والنهضة المميزة، وأشارت في مقدمة
هذا الفصل إلى أن الشيخ عبدالله المبارك احتل هذه المكانة نتيجة عمله لسنين
طويلة، ولجهوده في مختلف نواحي الحياة، ولإسهامه في بناء المؤسسات وتحديثها
وتطويرها، ولا يكاد يوجد مجال لم يكن فيه للشيخ دور وإسهام؛ فهو الذي أسس الإذاعة
الكويتية، وأنشأ مصلحة الجوازات، وأقام نادي الطيران، وأشرف على توسيع ميناء
الأحمدي، وتابع جهود التوسع في التعليم وتطويره باعتباره رئيسًا لجلسات مجلس
المعارف، ودعم غرفة التجارة والصناعة، وشجع الشباب الكويتي على إنشاء جمعياتهم
الرياضية والاجتماعية، وكان أول رئيس فخري للنادي الأهلي الذي تحول ليكون
النادي الثقافي القومي. هذا فضلًا عن إسهامه المباشر في بناء القدرات العسكرية
والأمنية، فهو الذي أسس قوة دفاع الكويت التي تحولت في منتصف الخمسينيات إلى
جيش الكويت.
وفي الفصل الثالث عرضت المؤلفة صورًا من حياة الشيخ عبدالله المبارك الشخصية
والاجتماعية، وهو الصديق المحبب إلى النفوس، والأخ الوفي، والإنسان المتواضع
الجريء في الحق لا عليه.
وقد ذكرت الدكتورة سعاد الصباح في هذا الفصل أنه كان كريمًا حسب تقاليد الضيافة
العربية .وحسبما كتب الأستاذ لطفي رضوان واصفًا كرم الشيخ، فإن "قصره مفتوح لكل
طارق وكل عابر سبيل، يأكل من يريد أن يأكل ويتسامر من يريد أن يتسامر، ويقابله
فيه أصحاب الشكاوى والمظالم وطلاب الحاجات... وهو لا يسعده المال ولا الجاه ولا
السلطان، فكلها أعراض زائلة، ولكن الذي يسعده، هو أن يُعينَه الله على تحقيق كل
مطلب لأي عربي، وأن يستخلص حقوق الضعفاء من الأقوياء، وأن تبقى الكويت عربية
للعرب جميعًا".
وأضافت أن القارئ في صور عبدالله المبارك الاجتماعية يلاحظ بما لا شك فيه أنه
كان يقوم ببعض النشاطات الاجتماعية على حساب نفسه وراحته وأموره الخاصة، وأنه
لم يكن ليتعالى على حضور مناسبة اجتماعية دعي لها مهما كانت بسيطة، فنراه في
الأفراح وفي ملعب كرة القدم وفي المدرسة ومع الجنود وعلى الموائد يرعى ضيوفه ويجود
من نفسه عليهم، ونحن بذلك نجد عبدالله المبارك في القصور هو هو بين فعاليات
المجتمع وأبناء الشعب والطلبة والعساكر وعناصر الأمن وأبناء القبائل.
وفي الفصل الرابع أوردت الدكتورة سعاد الصباح صورًا للشيخ عبدالله المبارك
تظهر دوره في الثقافة والتعليم ومنظمات المجتمع المدني، وقالت: "اهتم الشيخ
عبدالله المبارك بالتعليم من خلال رئاسته مجلس المعارف لجلسات عديدة. ووفقًا
لقانون إدارة معارف الكويت، فقد تكوّن مجلس المعارف من ستة أعضاء ورئيس على أن
يكون الرئيس من آل الصباح (مادة 1)، ثم تمت زيادة العدد إلى اثني عشر عضوًا.
ويتولّى المجلس رسم خطط المعارف وسيرها، والبتّ في مناهج الدراسة، وتعيين مديري
المدارس، وتقرير شؤون البعثات، واختيار المرشحين لها، ووضع اللوائح
القانونية والأنظمة الخاصة بإدارة المعارف (مادة 3)".
وأضافت كذلك أنه في عام 1959 أقر الشيخ مشروعًا تاريخيًّا وحضاريًّا مهمًّا، وهو
إعداد سجل تاريخي يحتوي على الوثائق الخاصة بتاريخ الكويت وأحداثه المختلفة
لتكون مادة وثائقية للمؤرخين والباحثين في تاريخ الكويت والخليج العربي عمومًا،
وأصدر الشيخ نداءً عامًّا لكل المواطنين والباحثين للإسهام في إعداد ذلك السجل،
وتقديم ما في حوزتهم من وثائق أو مذكرات إلى إدارة المعارف، أو تقديم صور منها
لضمها في السجل، مشيرة إلى أن الشيخ عبدالله كان مهتمًا بالرياضة ومدركًا
لأهمية ممارستها في حياة الشعوب، فحرص على تشجيع أنشطتها.
وفي الفصل الخامس من الكتاب عُرِضت صور من حياة الشيخ عبدالله مبارك الصباح في
الحياة العامة والسياسية والمجتمع المدني، وهو ما أكدته المؤلفة في مقدمة هذا
الفصل بأنه مثلما ساهم الشيخ عبدالله مبارك في بناء مؤسسات السلطة والحكم، فقد
كان له دوره في إقامة هيئات المجتمع المدني ودعمها، ففي نهاية الأربعينيات،
وتحت تأثير عملية التغيير الاجتماعي والتحديث بعد إنتاج النفط، شهد المجتمع
الكويتي نشوء فئات اجتماعية جديدة من المتعلمين، الذين تطلعوا للقيام بدور أكبر
في الشأن العام، والمشاركة في الحياة العامة، وقاموا بطرح رؤى وأفكار حديثة
ومتطورة لمستقبل الكويت. لقد امتلك الشيخ عبدالله المبارك رؤية مستقبلية تتيح
له وضع أسس بناء الدولة عبر مرافقها المتنوعة، ثقافية واجتماعية واقتصادية
وتعليمية وغيرها، كانت كلها- ومازالت- تحمل بصماته، حيث كان دينمو العمل
والتخطيط.
وأما الفصل السادس الذي يشعر القارئ معه بأنه في واسطة العقد، فقد أخذ حقه من
العرض والبسط والتوثيق، حيث كان يخص الجانب العسكري والأمني في حياة الشيخ
عبدالله المبارك، وهو الفن الذي أتقنه في حياته واتسم به كما يعلم ذلك القاصي
والداني.
تقول المؤلفة: "من هنا، نجد عبدالله المبارك في الصور المأخوذة له وهو في السلك
العسكري قائدًا عامًّا للقوات المسلحة والأمن العام وللجيش والشرطة في الكويت
تنطق بكل معاني القيادة والريادة، فهو المشير ذو الرتبة الفريدة الوحيدة في
تاريخ الكويت، وهو القائد الذي يشارك في المناورات بنفسه ويقودها ويوجهها
ويقيمها، وهو القوي الذي يقدم مصلحة الكويت في الصفقات التي يعقدها مع الدول
الخارجية لتطوير الجيش والأمن والشرطة سواء من حيث الكوادر البشرية أو
التجهيزات الآلية أو الإمدادات اللوجستية، وهو كذلك الرجل المتنور الذي قضى
السنوات من أجل إدخال التكنولوجيا والتطور على المؤسسة العسكرية بشتى أقسامها".
وتزيد مشيرة إلى أنه الشيخ انطلق من اعتقاد مفاده أن الجيش هو رمز الوطن، وأن
الجندية هي شرف وتضحية وفداء، وأن بناء القدرة العسكرية لأية دولة هو عملية
مركبة ومتعددة الأبعاد تتضمن إعداد الكوادر، فأنشأ مدرسة الجيش ومدرسة الشرطة،
واشترى السلاح المتطور، وحافظ على روح الانتماء والرابطة العميقة بين
الجيش والشعب؛ ولذلك، اهتم الشيخ بالدور الاجتماعي للجيش، وبتوعية المواطنين بهذا الدور،
فشاركت الطائرات في مقاومة الأوبئة في حالات الطوارئ، وقامت وحدات الجيش
باستعراضات عسكرية، كما قامت فرق موسيقى الجيش بالعزف في الأماكن العامة في
الأعياد والمناسبات الوطنية .
وقد جاء الفصل السابع تابعًا لما سبقه، حيث تضمن الصور المتعلقة بدور الشيخ
عبدالله المبارك في الطيران، وتأسيسه لنادي ومدرسة الطيران، وافتتاحه مطار
الكويت، وسعيه لبناء الأسطول الجوي المدني والعسكري.
ومما أكدته المؤلفة في مقدمة هذا الفصل أنه مع زيادة أهمية الاتصال الجوي في
حقبة الأربعينيات، وقيام شركة الطيران العراقية وشركة طيران الشرق الأوسط وشركة
مصر للطيران بتنظيم خطوط طيران أسبوعية تربط بغداد وبيروت والقاهرة بالكويت،
ازدادت حماسة الشيخ عبدالله المبارك لتأسيس دائرة حكومية للطيران المدني وإنشاء
مطار دولي، وشركة طيران وطنية، ونادٍ ومدرسة للطيران، واعتقد الشيخ أن قطاع
الطيران المدني هو أحد مظاهر الحياة الحديثة وينبغي أن تستحدثه الكويت؛ لذلك،
خصص له جزءًا كبيرًا من وقته واهتمامه، وألقى بثقله السياسي من أجل تطويره.
ويأتي الفصل الثامن امتدادًا لما عكسته الفصول السابقة من شخصية عبدالله
المبارك، حيث ضمنته المؤلفة صوراً من حياة الشيخ عبدالله مبارك الصباح الخارجية
وعلاقاته مع الرؤساء والمسؤولين في الدول الشقيقة والصديقة. وقالت: "... لقد
أتقن عبدالله المبارك في علاقته مع رؤساء الدول وزعمائها وقادتها إدارة
التواصل، وكان الوجه المشرق للكويت في علاقاتها مع أشقائها العرب ومحيطها
الإقليمي ومجالها الدولي، فنجد له في الصور المأخوذة له انعكاسًا لحضور كبير
وتبجيلًا واحترامًا عظيمين في كل دولة زارها أو استقبل زعيمها في الكويت. إن
الممحص في صور عبدالله المبارك في علاقات الكويت الخارجية يلمح بل يجد صداقة
حميمة وعلاقة وطيدة مع الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر وخلفه محمد أنور
السادات، وكذلك مع زعماء لبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية، وكذلك في
علاقته مع ملك المغرب، وحسن سياسته وإدارته للعلاقة مع العراق على مر زعمائه
وقادته، فضلًا عن شاه إيران والدول الأوروبية وبخاصة المملكة المتحدة. يُعُّد
الشيخ عبدالله المبارك من أبرز السياسيين الخليجيين الذين حافظوا على علاقاتهم
الوثيقة بالبلاد العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة، وعملوا على تطويرها ودعمها
باستمرار، فقد كان الشيخ مؤمنًا بالعروبة والتضامن العربي بشكل طبيعي وتلقائي،
ولم يكن محتاجًا إلى تنظير وجدل فلسفي لكي يدرك معنى العروبة، حيث كانت جزءًا
طبيعيًّا من البيئة التي تربى فيها، والمناخ الذي عاش فيه، وأثر في عقله وتفكيره
ووجدانه".
وتبلغ المؤلفة ذروة البكائية الأدبية في الفصل التاسع الذي عنونته (فَقْد الابن
البِكْر والحزن الكبير في حياة الشيخ عبدالله مبارك الصباح)، حيث عرضت من
خلاله صورًا تكاد تذرف الدموع حزنًا على فقد الأسرة ابنها البكر وهو في ميعة
الصبا، فتقول: "هكذا كان عبدالله المبارك في بيته، ظلًّا ظليلًا، وأبًا رحيمًا،
وزوجًا حكيمًا مهيبًا، لم يفرط في يوم بواجباته، ولم يقف عند صغائر الأمور،
يداعب أبناءه، ويسمع لزوجته، يستشيرها، يرشدها، يحنو عليها وعليهم، يفاخر بهم
ويفاخرون به... إن من يقرأ صور عبدالله المبارك مع أسرته يعلم أن خير الناس هو
خيرهم لأهله، وقد كان خيرًا لأهله. في 29 أغسطس عام 1961 كانت فرحته عظيمة
بقدوم مولوده البكر الذي اختار له أن يحمل اسم والده (مبارك)، وقد أشعّت كل
بيروت بهذا الحدث الجميل في حياة زوجين غادرا وطنهما الكويت وسكنا في لبنان.
كان عبدالله المبارك يرسم أحلامه بولده أين يدرس، ماذا يتعلم، من يصاحب، كيف
سيكون... وفجأة انقطع الحلم".
في الفصل العاشر، وضعت المؤلفة زوجها الراحل في عيون الصحافة، وقدمت نماذج على
ما كتبته الصحف والمجلات والدوريات عن الشيخ عبدالله المبارك منذ الأربعينيات
وحتى يومنا، وتشير في مقدمة هذا الفصل إلى أن الشيخ عبدالله المبارك كرجل دولة
كان من أهم المشتغلين بالشأن العام، وكان للصحافة معه وقفات، تحدثت فيها عن
إنجازاته، وصورت حياته العملية والخاصة، وتحدثت إليه وحاورته، ونقلت عنه كما
نقلت له. ولم يقتصر الاهتمام الصحافي بعبد الله المبارك على الصحافة الكويتية
التي كانت تخطو خطواتها الأولى في ذلك الوقت من الخمسينيات، حيث اقتصرت على بعض
الأعداد أو الصفحات والنشرات التي كانت تصدر من خارج الكويت كمجلة البعثة
الصادرة من مصر، أو الرائد أو غيرهما، بل تعدى ذلك الاهتمام إلى صحافة
الدول العربية
المزدهرة آنذاك مثل الصحافة المصرية واللبنانية والسورية والعراقية، فنقلت
أخبار الكويت وأميرها ونائبه والشعب والتفاعل السياسي والجماهيري مع الأحداث،
وكذلك الصحافة العالمية التي تحدثت عن الشيخ عبد الله المبارك بوصفه رجلًا قويًّا يملك
قرارات حازمة. وقد كان الإعلاميون يحملون تقديرًا خاصاً للشيخ عبدالله المبارك،
لما يوليه من اهتمام بالأدب بشكل عام، وبالصحافة والصحفيين بشكل خاص، حيث أدرك
بحدسه السياسي أن للإعلام أثرًا مهمًّا في توجيه الرأي العام ونشر الوعي بين
الناس.
وفي الفصل الحادي عشر عرضت الدكتورة سعاد الصباح لدور الشيخ عبدالله المبارك
في صناعة أوائل الأحداث والمشاركة بها، كتصدير أول شحنة نفط وأول خطاب جماهيري
وأول إذاعة وأول محطة تحلية للمياه ونحو ذلك.
وتوقفت المؤلفة في الفصل الثاني عشر عند مواكب الوداع المجللة بالحزن والمحاطة
بالأسى، في فراق زوجها وصديقها ومعلمها فراقًا أبديًّا، فقالت: "بعد رحيل الرجل
الكبير عبد الله المبارك عن سماء عيني وعين الكويت أشعر بأن مكانه لا يزال
خاليًا، وأن فراغه يزداد فراغًا. ما يقارب ربع قرن مضى على رحيل عبدالله،
المنارة، القنديل، والفارس، لم تبقَ سوى صورته تطلُّ من علياء القصر الأبيض كصورة
نسر خرافي. أقول، كصورة نسر، لأن فصائل النسور بدأت تنقرض، والأجنحة الشجاعة
التي كانت تترك ريشها على زرقة السماوات العربية، قد تحولت إلى حمائم زاجلة. هل
تكفي هذه السنوات الطويلة والسريعة لمحو ملامح رجل كان ملء الزمان والمكان؟ أم
أن (المحو) هو هواية من أبشع هواياتنا حيث يأكل الأبناء آباءهم والتلاميذ
أساتذتهم، والجنود قادتهم، والهاربون من الجندية أبطالهم؟".
ثم أوردت الكاتبة قصيدة من أجمل قصائدها بعنوان (آخر السيوف) والتي كتبتها بعد
وفاة زوجها بأشهر، وكذلك أوردت عدة مقالات لأبنائه محمد ومبارك وأمنية وشيماء،
يسكبون فيها العبرات على أبيهم الراحل، ويعكسون مدى العلاقة المميزة التي جمعت
أفراد هذه الأسرة ببعضهم.
وعادت المؤلفة في الفصل الثالث عشر والأخير للتساؤل: (ماذا يبقى منه
للتاريخ؟)، قائلة: "إن هذه الفصول توضح بجلاء كيف كان عبدالله مبارك رائدًا من
رواد التحديث والتقدم في سائر مجالات الحياة؛ فعلى مستوى الفكر، تمتع الشيخ
بشمولية التوجه، فكان يحيط بأي موضوع من كل جوانبه.. نرى ذلك مثلًا في بناء
الجيش وكيف سعى لاستكمال تطوير القدرات العسكرية للكويت في مختلف جوانبها،
ونراه أيضًا في فهمه لجوهر الاستقلال الوطني وأنه يتمثل في بناء المؤسسات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية القادرة على الإنجاز والأداء، وتوفير الكوادر
والعناصر البشرية المؤهلة لإدارتها، وترتب على ذلك اهتمامه بالتعليم والبعثات
الخارجية. وعلى مستوى التطبيق، تمتع الشيخ بالقدرة على المواءمة بين ما تتطلبه
العلاقة مع بريطانيا من توازنات، والسعي في نفس الوقت لتوسيع دائرة حرية الحركة
الخارجية للكويت".
واختتمت الدكتورة سعاد الصباح كتابها بقولها: "وأخيرًا لم يكن هذا الكتاب مجرد
استعراض صور، بقدر ما هو سرد لتاريخ رجل ملأ حياته عملًا وجِدًّا وجهدًا، فأنشأ
وأشاد وعمّر، ووصل الليل بالنهار ليضيء درب المعالي والرقي لوطنه. وفي لحظة
حاسمة وضع القلم على الطاولة ثم قام من مكتبه وقال: آن لي أن أتوقف. وخلال فترة
طويلة من العمل والبحث المضني لتوليف المناسبات وتحديد الأعوام، وتوضيح الصورة
وشرح المناسبة بتفاصيلها ودقائقها ورجالها بهدف توثيق تاريخ الكويت، وإعطاء
الرجل بعض حقه الذي يوجبه علينا الوفاء والتاريخ...".
يشار إلى أن الكتاب من القطع الكبير وبطباعة فاخرة وورق مميز، ويقع فيما يزيد
على 550 صفحة، ويشتمل على كمٍّ كبير من الصور والوثائق التي تم تحديد مكانها
وزمانها بما يبدو أنه عمل مضنٍ، اعتمدت فيها المؤلفة على أكثر من أربعين مرجعًا
فضلًا عن أرشيفها الخاص الكبير، وهو ما استحق جهدًا ووقتًا كبيرين ليخرج بهذه
الصورة المميزة، والشكل الأنيق، وليكون الكتاب إضافة حقيقة للمكتبة الكويتية
خصوصًا والخليجية والعربية والعالمية عمومًا، ووثيقة اشتملت على تواريخ ووقائع
وأسماء أعلام ومعلومات تشكّل مرجعًا مهمًّا للباحثين عن الحقيقة في التاريخ
الحديث لدولة الكويت.
التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.