يُعدّ ابن رشد نقطة تحوّل شاهدة على انحدار الفلسفة العربيّة القديمة، بعد أن وصلت إلى ذروتها؛ ومتكأً مهمّاً لانطلاقة الفلسفة الغربيّة الوسيطة التي استفادت من سالفتها عبر ابن رشد الذي تأثّر به الأكويني وبيكون وسبينوزا وليبنتز وغيرهم كثيرون.
عُرف ابن رشد بالشّارح، وهو اللقب الذي أطلقه عليه دانتي في الملهاة الإلهيّة، نظراً إلى جهوده في شرح أرسطو.
ولكنّ فيلسوفنا لم يكتفِ بالشرح، بل تعدّاه إلى قيادة معركة ضروس في مواجهة عداء الفلسفة وتحريم الاشتغال بها. وإبّان الحملة التي شنّها الإمام الغزالي على الفلاسفة في كتابه تهافت الفلاسفة؛ لم يكن من ابن رشد إلاّ التصدي، حيث تبنّى الدفاع عن الفلاسفة في تهافت التهافت الذي حاول أن يفنّد فيه آراء الغزالي، ليبرّئ الفلاسفة، ويعيد إلى الفلسفة مكانتها، متابعاً خطّ ما جاء في كتابيه الآخَرين:
فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتّصال ومناهج الأدلّة في عقائد الملّة.
ما فتئنا وخلال عقود قضيناها في الغرب، في كفاح دؤوب، لا يفتر، من أجل تصحيح ولو قسم ضيق من الرأي العام الغربي من حولِنا، فيما يتعلق بالإسلام، والقضية الفلسطينية، باِعتبارِهما أسّ معركتنا الإعلامية في الغرب.
معركتنا، معركة الجاليات العربية والمسلمة في الغرب، بالفكر، بالثقافة، بالبحث، بالدراسات الأكاديمية، بالفن، بالأدب، في الإعلام –كلما اِستطعنا-، في المحافل الثقافية الخاصة والعامة، في المدارس، في الجامعات، كلّنا .. صغيرنا وكبيرنا، المُتدين وغير المُتدين، المُلتزم وغير المُلتزم، العربي وغير العربي، والمسلم وغير المسلم، وأكثر من ذلك .. وحَتَّى بعض السّياسيّين والديبلوماسيين العرب،ساهموا ويساهمون بطريقة أم بأخرى، في معركة صناعة الرأي هذه في الغرب.
معركة ثقافية فكرية دائبة لا تكل ولا تمل، بدءاً بجولات كبرى قادها رجال من طراز إدوارد سعيد، ومحمد أركون، وطارق رمضان، واِنتهاءاً ..بأي شاب صغير يُحاور أصحابه هو يلعب كرة القدم معهم. معركة تدورعلى كلّ الأصعدة والجبهات والمستويات.
نحن كذرة وسط غبار كوني هائل مثقلون بمادة الجسد والزمان والمكان وباقي القوانين الفيزيائية التي لا نعي كبشر سوى أقل من عشرة بالمئة منها، باعتبار المادة والطاقة المظلمتين، ليس لنا وزن في هذا العالم، حياتنا التي تقدر ببضع أجزاء من الثانية من الساعة الكونية ليست سوى تفاصيل صغيرة ضمن منظومة كبيرة بالكاد تحس بنا، بقاؤنا أو اختفاؤنا كبشر وككوكب بل كمجرة قد لا يكون سوى تفصيل صغير لا يؤثر على السير العادي للمنظومات الكونية الهائلة.
لماذا نحن موجودون إذن؟!
هذا السؤال الذي تكرر منذ وعي الإنسان بنفسه وحاولت الديانات والفلسفات والعلوم الإجابة عنه ليس مهما في نظري، وسبب عدم أهميته إلى استحالة الإجابة عنه، أو لنقل استحالة إيجاد جواب واحد موحد له، بل إن السؤال الوجودي التقليدي المرتكز على الثلاثي من أين جئنا ووكيف نعيش وإلى أين المصير يظل سؤالا يبعث على الاختلافات التي عمقت الفرقة البشرية وضاعفت بواعث الاختلاف، لكن هناك سؤال أهم منه بكثير وهو الأهم طرحا وبحثا، وهو سؤال كيف نوجد/نعيش؟
شكلت إسهامات محمد عابد الجابري الفكرية والنقدية أحد أهم المشاريع التي بصمت في الفكر العربي المعاصر، فعلا وردة فعل، وخاصة في موضوع التراث الذي فككه الجابري وحاول إعادة بنائه للاستناد عليه في تقديم إجابته الخاصة حول سؤال النهضة الذي شغل العقل العربي، الإجابة التي أرادها الجابري أن تكون مؤسسة لفعل عربي خاص يتجاوز الإجابات السلفية التي استدعت التراث لتكرره خارج مجاله الزماني والمكاني، ويتجاوز الإجابات التغريبية التي نادت بالقطيعة وأرادت استنساخ التجربة الغربية متعالية عن الزمان والمكان، وبهذا قدم الجابري مشروعه المبثوث في العديد من كتبه وخاصة منها الكتب المؤسسة: نقد العقل العربي وبينية العقل العربي.
لفظ الثقافة الإسلامية يستخدم في وصف المظاهر الحضارية والمظاهر الثقافية المرتبطة بالمسلمين تاريخياً في أرجاء العالم ، فهي توضّح شئون المسلمين في جميع المجالات دون استثناء ، وتعد الثقافة الإسلاميّة علماً من العلوم ، يقوم على الجمع ما بين الأصول الشرعيّة والواقع الذي تعيشه الأمة ، وتُعدّ هذه الثقافة من الثقافات الصالحة لجميع الأمكنة والأزمنة ، وقد ذكرت الثقافة الإسلاميّة مدى القوة التي وصلت إليها الدولة الإسلاميّة ، وخوض المعارك والحروب في سبيل نشر الدعوة الإسلاميّة .
وتعرف الثقافة الإسلامية بأنها : معرفة الأمة الإسلامية مقوماتها في الماضي والحاضر ، من دين ، وتاريخ ، ولغة ، وحضارة ، وأهداف ، وقيم ، والتعرف على جميع التحديات المعاصرة التي تتعلق بمقومات الدين الإسلامي وأمته الإسلامية .
وللثقافة الإسلاميّة مكانةٌ رفيعة جداً في العالم الإسلامي ، فهي تُعتبر المكوّن الأول من مكونات الثقافة في العالم الإسلامي ، كما تعتبر في بعض المناطق التي لا يوجد فيها تنوع ديني أو أيديولوجي مكوّن الثقافة الأوحد .
تتنوع الثقافة وتتعدد صورها من مجتمع لآخر ، وسوف نلقي الضوء على بعض أنواع الثقافات السائدة في مجتمعاتنا ومنها :
أولاً : الثقافة العامة :
تتنوع الحصيلة المعرفية للبشر ، بحسب اختلاف اهتماماتهم ، فالبشر مختلفون بطبائعهم ومعارفهم ، فهناك من يهتم بتحقيق الإنجازات فقط والتي تتجسد من وجهة نظره بكسب المال وجمعه فقط ، فتجده شخصاً مفرغاً من الداخل قميئاً لا يتحصل على أدنى مستويات الثقافة والمعرفة ، وهناك من تجده مهتماً بتطوير ذاته وتحصيل أكبر قدرٍ من المعارف لأنه يعتقد اعتقاداً جازماً بأنه خليفة الله في أرضه ، وأن ساعاته محدودة على هذه الأرض ، لذلك فهو يهتم بما يفيده وبما يفيد الآخرين بعد وفاته وانقضاء أجله .
فثقافة الشخص هي مؤشرٌ جيد عمَّا يحتويه هذا الشخص وعن شخصيته ، وتتحصل هذه الثقافة عن طريق القراءة وحب الاطلاع وحب معرفة الجديد ، وحب استكشاف الوجود والتنقل بين سهوله ومحيطاته والعيش مع كل الأمم ومعرفة الحضارات جميعها ومحاولة العيش فيها والتفاعل معها .
مفهوم الثقافة
من المقومات الرئيسية لرقي أي مجتمع وتحضره الثقافة والتعليم ، وقد أولت الشريعة الإسلامية اهتماماً كبيراً لكليهما ، وبمشيئة الله تعالى سوف نلقي الضوء على الثقافة والتعليم في الإسلام : مفهوم كلا منهما ، وأهدافهما ، وأثرهما في الفرد والمجتمع .. وسوف نبدأ بالثقافة ثم نعقب بالتعليم ، والله ولي التوفيق .
أولاً : معنى الثقافة :
لقد تعددت تعريفات الثقافة باختلاف المفاهيم والأفكار والمجتمعات ، إلا أن مفاهيم المفكرين عن معنى الثقافة متقارب إلى حد كبير ، وذلك كالآتي :
(1) هناك من يرى : أن مصطلح الثقافة قد اشتُقّ من إحدى مفردات اللغة العربية وهي "المثقف" والتي تعني القلم المبري وهو أداة للتعلّم ، واشتُقّت هذه الكلمة منها للدلالة على أنّ المثقف يصقل نفسه ويقوّمها ويسويها من خلال تعلم الأمور الجديدة .
وتُعرف الثقافة من الناحية اللغويّة بأنها : تغذية الذهن والفكر بالمعلومات واستنارة العقل المفكر ، وترمز إلى المستوى العلميّ والتعليميّ للفرد ، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى قدرة الفرد ومجتمعه على إدراك المعرفة والعلوم في كافة أمور الحياة ومجالاتها .
وفي الوقت الحاضر كلمة الثقافة تعتبر مفتاح دلالي على مستوى الرقي الذي وصل إليه الأفراد من الناحية الفكريّة والاجتماعيّة والأدبيّة .
الصفحة 1 من 40