مصرف "نوريبا" ليس وحده في الأمر، بل هناك مصارف عالمية أخرى افتتحت فروعا يقتصر نشاطها على المعاملات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. يُقال أنّ لكل ظاهرة تفسير، ويُقال أيضا أن نظرية السبب الواحد سقطت، فصار لكل ظاهرة مجموعة من العوامل تفسرها. لكن أمام هذه الظاهرة، أعتقد أن "وكالة يقال" عليها أن تسكت لأنه يبدو أن هناك سبب واحد، سبب كبير ووجيه لما يحدث. هل حزرتم ما هو؟ هل تتذكرون العبارة الشهيرة التي كانت تتكرر في كتب التربية الإسلامية عندما كما صغارا؟ أنها عبارة "الإسلام صالح لكل زمان ومكان".
كبرنا ونسينا العبارة، لكن هنا من لم ينسها، فصارت تواجه تهم المبالغة، وأخذ البعض يقول أنّ هذه العبارة جزء من برامج للتدبيج والإنشائية، وأنها مجرد عبارة مطاطة غير قابلة للإثبات بالدليل العلمي ولا العملي.
هل تصدقون أن هذه العبارة الصغيرة عادت لتنتقم بطريقتها الخاصة؟ طريقة عملية ومفحمة. فعبر اقتحام أسس المصرفية الإسلامية للاقتصاد الغربي الباحث واللاهث وراء الربح، أخبرتنا العبارة أن جوهر الإسلام فعلا صالح لكل زمان ومكان، ليس فقط للمسلمين بل لغيرهم أيضا!
لست أدعي أني خبيرة اقتصادية نحريرة، فعلاقتي بعالم المصارف والمال هي علاقة استهلاك وإنفاق وتبذير وتدمير شامل وكامل شأني شأن شقيقاتي الحوائيّات، لكن قليل من المنطق يشي أن لجوء هذه المؤسسات للخيارات الإسلامية لم يكن بسبب البعد الأخلاقي الواضح للتعاملات الإسلامية، بل كان نتيجة للبعد الإبداعي الذي قلب الطاولة على الطريقة القديمة والسقيمة في عالم المصرفية والتي كانت تقصر نشاط المصارف على "تأجير المال" والحصول على الربا أو "الفائدة" كما يحلو للبعض أن يسميها تدليلا لها وتذليلا للعقبات الأخلاقية التي تواجهها.
يبدو أننا إزاء أداة دعوية جديدة لم نفطن لها، فالعولمة على دين من يطعمها، وإذا تمكنا من تقديم أفكار عملية مفيدة للبشرية، فإن هذا أفضل حملة إعلانية وإعلامية للإسلام. إنها المبادرة بدلا من الصد، وتقديم الإبداعات بدلا من التعلل والتعذر والتبرير بأنه وفي يوم ما كان لنا ماض مشرق ومشرف. فالإرهابيون لا يبنون ولا يقدمون شيئا للحياة، أما نحن فبلى، وهذه خير رد على التهم التي تكال لنا ولديننا.
حسنٌ، ماذا نستفيد من هذا الدرس؟ شخصيا، عرفت الآن أن عشقي لجبنة الأمينتال السويسرية الشهيرة ذات الثقوب لم يذهب سدى، فيبدو أن هذه الجبنة رفعت نسبة ذكاء السويسريين فعرفوا من أين تؤكل الكتف أسرع بكثير من بعض بني جلدتنا!