المقدمة:
يتحدد موقع الإنسان في الإسلام في ضوء مبدأ الاستخلاف ، الذي يقوم على قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ...} البقرة:30، والخلافة في الأرض أرقى مكانة وضع فيها الإنسان على مر التاريخ.
يستمد الإنسان فاعلية هذه المكانة من القرآن الكريم الذي حدد المضامين الأساسية لهذا الدور بوعي الدين والتمسك به، وممارسة العلم ومتابعة المعرفة، فالاستخلاف دين وعلم، وما مشكلات الأمة وتخلفها إلا من التقصير الكبير في إدراك الاستخلاف ومقاصده في إعمار العالم وسعادة الإنسان.
ولأن الاستخلاف دين وعلم، فهو يرسم حدود النهضة الحضارية والسعادة الإنسانية، باعتماد العلم ومنطقه في صياغة نشاطات الأمة المتعددة السياسية والاجتماعية والثقافية.
تحتاج الأمة اليوم إلى إحداث ثورة في المفاهيم كافة، وأهم هذه المفاهيم هو (الاستخلاف)؛ لأنه المفهوم الجامع لقوتين: النهضة والتقدم.
ولذلك فإن (ثورة الاستخلاف) تعد ضرورة شرعية وحضارية، فشرعيتها مستمدة من التمسك بالقرآن الكريم مصدرًا أساسًا للشريعة، وحضاريتها مستمدة من وجوب تطبيق أحكام القرآن الكريم وإعادة إعمار العالم في ضوئه، مستنيرين بهدي الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في بناء حضارة الإسلام.
ويقف النشاط الاقتصادي في مقدمة النشاطات التي تحتاج الاهتداء بمضمون (الاستخلاف) ، لينضبط أداؤه بالمنهج الرباني والأسس الربانية والأحكام الربانية.
يعتمد (اقتصاد المعرفة) العلم والخبرة والمعرفة، كونها السلع الأكثر تأثيرًا في حركة الحضارة اليوم، وأكثر أدواتها إسهامًا في تحقيق الابتكار والسعادة.
يسعى البحث إلى تحليل أبعاد (اقتصاد المعرفة) وتأثيرها في عملية الابتكارعلى الأصعدة كافة، وصولًا إلى تحقيق النهضة الإسلامية التي تحقق السعادة الحقيقية للإنسان في الدارين بتضافر العلم والدين.
يقوم البحث على فرضية مفادها "اقتصاد المعرفة مطلب شرعي يقود إلى الابتكار وتحقيق سعادة الدارين".
وبغية الوصول إلى إثبات أو نفي الفرضية قسمنا البحث على المباحث الآتية:-
المبحث الأول:- نظرية الاستهلاك الإسلامية.
المبحث الثاني:- سلع المعرفة والثروة.
المبحث الثالث:- المعرفة والابتكار والسعادة.
المبحث الرابع:- قواعد التحول إلى اقتصاد المعرفة.
اعتمد البحث منهجي الاستنباط والاستقراء اللذين يتكاملان ويتضافران في إدارة البحث الاقتصادي، فحين نتبع المنطق في تحليل الظاهرة الاقتصادية فإننا نستخدم الاستنباط في متابعة آليات عمل الظاهرة، وحين نضع التعميمات والوقائع الاقتصادية المتعددة من خلال السرد التاريخي أو الملاحظة، فإننا نستخدم المنهج الاستقرائي لأننا سننتقل من الخاص الى العام، وانتهى البحث بخاتمة.
المبحث الاول:- نظرية الاستهلاك الإسلامية
إن مفهوم (الاستهلاك) في إطار اقتصاد المعرفة يختلف عنه في إطار الاقتصاد التقليدي، فإذا كان الاستهلاك التقليدي يعتمد السلع المادية لمرة واحدة، فإن الاستهلاك في اقتصاد المعرفة يعتمد سلعة (المعرفة) غير القابلة للنفاد، وهو بالتالي يعمل على تحويل الأفكار العلمية إلى إنجازات مادية تحقق منافع اقتصادية للمجتمع، لقد كانت فكرة الصعود إلى القمر حاجة غير قابلة للتحقق في يوم ما، غير أنها كانت مقدمة ضرورية لاكتشاف المركبة الفضائية، عندما تغير منهج التفكير واتسعت آفاق المعرفة بوصفها نشاطًا اقتصاديًّا بتراكمها التاريخي الأفقي والعمودي، ولذلك فإن التعامل الجاد مع المعرفة بوصفها نشاطًا اقتصاديًّا يقود إلى طفرات حضارية ضرورية.
تمتلك الأمة العربية إمكانات معرفية وتقنية، غير أنها لا تمتلك القدرة على إزالة المعوقات التي تعيق تقدمها ونهضتها؛ ذلك لأنها لم تفعّل مبدأ (الاستخلاف)، بتحويله إلى مؤسسات معرفية وعلمية وأخلاقية ترتقي بالإنسان إلى المكانة التي أرادها الله عز و جل، يعززها بالإبداع والابتكار والإيمان الحقيقي الفعّال.
إن حسن استخدام مبدأ (الاستخلاف) الذي يعد الدين والعلم جوهره الأساس، يقود إلى إنماء النزعة الابتكارية عند الانسان المسلم، وإن حسن تفعيل مبدأ الاستخلاف يعد ضرورة شرعية وحضارية، تتمثل شرعيته في الاستجابة لأحكام الله تعالى، وحضاريته في تضافر جهود الفرد والدولة والمجتمع بغية خلق الفعل الاجتماعي ليكون فضاءً معرفيًا قرآنيًّا، وبِنية صالحة للابتكار، أو ليكون الابتكار جزءا من حاجات الانسان والمجتمع الأساسية.
إن محاولة اكتشاف علاقة جديدة بين الاستهلاك والابتكار يعني إعادة النظر في منظومة مفاهيم الاستهلاك الذي سيصبح في عملية اقتصاد المعرفة (عملية استيعاب المعرفة ومنتجاتها، بغية تطوير الطاقات الابتكارية عند الفرد والمجتمع)، يتجلى هذا المفهوم من خلال إدراك العلاقة بين العقل والمعرفة، وبين الفعل والمعرفة، فكيف يستهلك العقل المعرفة؟ وكيف تستهلك المعرفة العقل؟ إن إدراك استهلاك المعرفة يعد القاعدة الأساس لإنماء الابتكار وإنتاج الجديد، ذلك أن المعرفة تتميز بفارق جوهري يكمن في كونها ذات جوانب محسوسة، تتجلى في صورة نظريات ونظم واكتشافات علمية، وإنجازات تكنولوجية، ونتاج إبداعي، ومن الطبعيّ أن توفر كل هذه التجليات مداخل عدة لكشف النقاب عن لغز المعرفة، فالمعرفة هي منظارنا الذي به نكتشف العالم، هي جوهرة البصيرة.
صارت نظرية الاستهلاك -في علم الاقتصاد بمدارسه الوضعية- جزءًا من تاريخ الفكر الاقتصادي، بعد سيادة (اقتصاد المعرفة) الذي قسم ذلك التاريخ إلى قسمين، اقتصاد ما قبل اقتصاد المعرفة، واقتصاد المعرفة ابتدأ بمقالات الاقتصادي الأمريكي ( F.Hayke) في العلاقة بين الاقتصاد والمعرفة بين سنوات 1930و1940 ثم تبعه (مارك بوارت)، الذي كتب عن اقتصاد المعرفة سنة 1977، ثم أعقبه (رومر) سنة 1986، فكتب عن اقتصاد المعرفة في معرض رفضه للنظريات النيوكلاسيكية التي اعتمدت عناصر الانتاج التقليدية المعروفة موضحًا أن (المعرفة) عنصر إنتاج خاص، له أهمية كبيرة في علم الاقتصاد.
وفي ضوء هذا التطور، يرى الباحث أن نظرية الاستهلاك المعاصرة ينبغي أن تهتم باستهلاك المعرفة، كونها السلعة الأكثر كفاءة في الحفاظ على الحياة، وتنشيط الابتكار، ودفع عملية التقدم إلى الأمام، فضلا عن أن المعرفة ومفرداتها تأخذ حيزًا كبيرًا في القرآن الكريم بدءًا من (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق : 1] .مرورًا بكل الآيات التي تؤكد على التفكير والتدبر والنظر والتذكر... التي ترسم آفاق خلافة الانسان في الأرض، وتحدد آليات إنجازها على وفق هدى الله عزّ و جلّ مستفيدة من (تسخير) الله تعالى الكون للإنسان، بغية إعمار الارض، في أقوم صورة.
في ضوء هذا التصور فإن البحث في نظرية استهلاك المعرفة يعد ضرورة شرعية وحضارية مرة أخرى، فمن حيث الضرورة الشرعية، فإن الاهتمام بآيات المعرفة وأدواتها مطلب إلهي، ومن حيث الضرورة الحضارية، فإن الحضارة المعاصرة حضارة علم ومعرفة وبحث علمي وابتكار وتطوير.
المبحث الثاني :- سلع المعرفة و الثروة:
في إطار اقتصاد المعرفة فإن سلع المعرفة هي الصناعات الإبداعية ومنها الصناعات الترفيهية والثقافية التي غمرت العالم، فالثروة لم تعد البيت والسيارة والمأكل والملبس وما إلى ذلك، إنما صارت المعرفة هي أحد أهم مصادر الثروة وأشكالها، فالمعرفة اليوم ونتائجها تعد الثروة الأكثر أهمية في إدارة شؤون الحياة الفردية والاجتماعية وقد أكد القرآن الكريم على المعرفة وأهميتها ومفرداتها في آيات تجاوزت الالف.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن: ما متضمنات اقتصاد المعرفة؟
1- معدل الأمية منخفض في المدينة.
2- معدل الأمية منخفض في الريف.
3- معدل الانتساب إلى المراحل الدراسية كافة عالٍ .
4- معدل الأمية للمرأة المتزوجة والعزباء عالٍ .
5- معدل الأمية للرجال منخفض.
6- معدل الاساتذة وكفاءاتهم عالٍ.
يعاني الوطن العربي من معدلات عالية جدًا على صعيد الأمية، الأمر الذي يعني أن استهلاك المعرفة في درجات متدنية جدًا وبالتالي فإن اقتصاد المعرفة في وضع متردٍ، فقد تبين أن هناك 70 مليون أمي في الوطن العربي، منهم 45 مليون امرأة وطفل، كما ورد في تقرير اليونيسيف سنة 2004.
إن قلة استهلاك المعرفة يعني هشاشة اقتصاد المعرفة وتدني المستوى الحضاري للمجتمع، فمثلما يؤدي تدني مستوى المعيشة من غذاء وملبس ومسكن إلى زيادة الفقر المادي، كذلك فإن زيادة استهلاك المعرفة يعني خلق مجتمع المعرفة من خلال جملة من المؤشرات هي:
1- زيادة النمو الاقتصادي.
2- تحقيق العدالة والإنصاف.
3- الارتقاء بمستوى التعليم والعلوم.
4- تطور أنظمة الابتكار والإبداع وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
فما النتائج المترتبة على استهلاك المعرفة؟
يحقق استهلاك المعرفة الخلاّق جملة من النتائج هي على النحو الاتي:
1- ابتكار نواتج وسلع وطرائق جديدة.
2- تعديل في نوعية السلع واسعارها وجودتها.
3- تعديلات جذرية على البرامج التعليمية من دور الحضانة إلى مؤسسات التعليم العالي.
4- تعديلات جذرية في نظام الإدارة واللا مركزية الإدارية، نتيجة التطورات الحاصلة في نظم معالجة المعلومات والاتصالات، مما يسمح بالاتصال بالحكومة الإلكترونية.
5- تغيرات واسعة ومتسارعة في هيكلية العمالة ونوع فرص العمل وعددها.
6- الطلب المتزايد على معارف جديدة.
7- بروز فرص عمل جديدة لم تكن متاحة في الاقتصاد الكلاسيكي.
8- تعديلات جذرية على هيكليات مختلف قطاعات الانتاج.
9- تغيرات جذرية في عمل الادارة وفي الأعمال المكتبية المترافقة معها .
10- تسارع نمو تكنولوجيا المعلومات والإتصالات.
11- تزايد عمليات الابتكار والإبداع في مجالات المعرفة والثقافة.
12- الانتقال من نقل المعرفة إلى ابتكارها.
13- انتشار واسع للشركات الصغيرة وشركات العائلة لعدم الحاجة إلى مواد أولية وطاقة كبيرة، ولا إلى مراكز عمل واسعة.
في اقتصاد المعرفة الذي بات يسم الاقتصاد العالمي بمعطياته المتميزة، تعد المعرفة ومنتجاتها من الصناعات الإبداعية، هي السلعة الاكثر رواجًا وتأثيرًا في إدارة النشاط الاقتصادي والاجتماعي؛ لذلك يسعى البحث إلى طرح أنموذج استهلاك إسلامي يعتمد (المعرفة) السلعة الأساس، وكيف نتعامل معها بغية الارتقاء بالإنسان والمجتمع والدولة نحو القيم والاحكام التي أرادها الله تعالى سبيلا للسعادة في الدارين، ذلك أن السعادة بالمنظور الاسلامي هي أهم منتجات المعرفة ببعديها الروحي والمادي، حيث يجتمع العقل والحس والإيمان في إدارة مستلزمات النفس الإنسانية.
في الاقتصاد التقليدي يميل نظام السوق الحر إلى تخصيص الموارد الإنتاجية لنمط الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات، إذ تعمل دخول الافراد وإنفاقهم الاستهلاكي مقياسًا لرغبات المستهلكين ومؤشرًا لاتجاهاتها بالنسبة لأنواع السلع والخدمات وكمياتها المطلوبة، والفكرة القائلة بأن طلب المستهلك تحدده منفعة كل سلعة بالنسبة له تمثل نواة نظرية الاستهلاك المحدثة.
واضح جدًّا أن السلع المقصودة في الفكر الكلاسيكي، هي السلع التقليدية كالخبز والملابس والأثاث وما إلى ذلك، أما في اقتصاد المعرفة فإن السلعة المقصودة هي (المعرفة) والصناعات الإبداعية التي هي إدراك حقائق الوجود والوحي من خلال عمليات الفهم والتفكير العقلي الذي يصوغ السلوك الإنساني الفردي، ويحدد قواعد الاجتماع البشري، ذلك أن السلوك البشري يرتبط بالبنية العقلية والمعرفية للإنسان ويصدر عن وعي بجملة العلاقات والظروف والاعتبارات الثقافية.
والمعرفة بوصفها حالة ذهنية، تتعلق بميدان خاص من المعلومات المتفاعلة مع التكنولوجيا التي يزداد تأثيرها ازديادًا كبيرًا عند تقاسمها كما توضحها المعادلة الاتية:
K = (I+T).S
حيث K : المعرفة. I : المعلومات.T : التكنولوجيا. S : التقاسم.
في ضوء كل مفاهيم المعرفة السائدة حاليًّا والسابقة، فإنها تمتاز بخصائص متميزة: فهي سلعة إنتاجية لنشاطات مزدوجة، فهي من جهة تكون سلعة إنتاجية لنشاطات ذات مردود اجتماعي مرتفع جدًّا، وهي بالتالي تشكل آلية قوية للنمو الاقتصادي، ومن جهة أخرى، فإنها تطرح مشكلات من حيث تخصيص الموارد والتنسيق الاقتصادي ما تعيق نشر المعارف، ولتوضيح هذه الازدواجية لا بد من ذكر خصائص المعرفة بوصفها سلعة اقتصادية.
1- المعرفة سلعة يصعب التحكم بها، وتولد تأثيرات خارجة، فهي سلعة غير قابلة للحصر، أي أنه من الصعب جعلها حصرية والتحكم بها بطريقة خاصة، فالمعرفة والمعلومة تتسرب باستمرار من الكيانات التي أنتجتها، فتكون مفيدة لمستهلكين آخرين دون أن يتحملوا تكلفة الأبحاث والتنمية، فهي هنا بمثابة (الوفورات الخارجية) التي تفيد المجتمع دون أن يتحمل تكلفة إنتاجها.
2- المعرفة سلعة غير تنافسية، غير قابلة للنفاد في الاستعمال، ولهذه الخاصية بعدان، الأول: بوسع العنصر الرجوع إليها مرات لا متناهية دون أي تكلفة، والثاني: أنه بإمكان عناصر لا متناهية من استخدام المعرفة ذاتها دون أن يحرم أحد منها، ولهذه الخاصية تأثير مهم في التكاليف والاسعار، كون الكلفة الهامشية/الحدية، للاستخدام متقدمة، لا يستطيع الاقتصاد الالتزام بقواعد تحديد الأسعار على قاعدة التكاليف الهامشية بما أن استخدام المعرفة المتاحة يكون مجانيًّا، فيصبح التعويض المالي عن كون المعرفة مستخدمة مرات عدة ممكنًا جدًّا.
3- إنها سلعة تراكمية من حيث إن كل معرفة قد تكون العامل الأساس في إنتاج معارف جديدة، أي أن المعرفة ليست سلعة استهلاكية فقط، بل هي كذلك سلعة إنتاجية قادرة على توليد سلع جديدة تكون بحد ذاتها قابلة للاستخدام إلى ما لا نهاية.
4- لا تخضع لمسألة الندرة أو تدخل في إطار المشكلة الاقتصادية، لأنها متوفرة دائمًا وبأشكال متعددة.
5- لا تخضع لقانون تناقص المنفعة، لأن الزيادة في استهلاكها يؤدي إلى زيادة في المنفعة.
6- يتحدد مستواها حسب المستوى الاجتماعي والثقافي للفرد، فهي عند العلماء تدخل في (الضروريات) وعند المستويات الاجتماعية المتعلمة تدخل في (الحاجيات) وعند العامة هي من (الكماليات) التي ينظر إليها على أنها مصدر من مصادر المتعة الفكرية، كما هو الحال في الألعاب الإلكترونية وغيرها.
7- الطلب على المعرفة أحادي المرونة دائمًا لأنه لا يتأثر بالسعر زيادة أو نقصانًا، فعشاق المعرفة لا يهمهم ارتفاع ثمن كتاب مهم وضروري عند قارئه، ولا يهمهم أن يبذلوا النقود من أجل إنجاز مشروع علمي مهم، وهذا يبدو واضحًا في سياسات البحث والتطوير، والدول المتقدمة تؤكد هذه الرؤية، فالإنفاق على البحث العلمي يشكل أعلى النسب من الدخل القومي.
المبحث الثالث : - المعرفة والابتكار والسعادة
المعرفة بوابة الابتكار والسعادة، إنها السلعة الضرورية التي بها نغيّر العالم، إنها القوة التي وهبها الله تعالى لآدم في أول قرارات التكوين الأولى للعالم، وبها صار خليفة في الارض، وبها تصنع ثقافة الابتكار والإبداع، إن خلق الشروط الضرورية الكامنة في بناء مجتمع المعرفة يقود إلى تطوير عمليات الابتكار والإبداع في القطاعات الاقتصادية كافة، ذلك أن استهلاك المعرفة بوعي واهتمام يقود إلى بناء المواهب الشخصية وتزويدها بالمعارف، الأمر الذي ينتج عنه تطور صناعي وزراعي وفني، وإن أهم الشروط الضرورية لتطور الابتكار والابداع (الحرية) و (الرفاه الاقتصادي) وهذان أمران مرتبطان بجملة من المعطيات: النمو الاقتصادي، وإشباع الحاجات، وتوزيع لمداخيل، وتشكيل لمستويات اجتماعية، ومنافع ونفقات اجتماعية...
المعرفة ثورة يجتمع فيها الابتكار والإبداع والسعادة؛ ذلك لأنها سلعة تعين على تجاوز صغائر الامور، وتشغل العقل الانساني بقضايا الجمال والخير والسلام الحقيقي، سلام الروح وسلام المجتمع وسلام العالم، إنها ابنة الحكمة التي تطالبنا دائما بالسؤال العظيم (ما العمل؟) ومن لم يشغله هذا السؤال، لا يشعر قيمة المعرفة، ولا قيمة السعادة.
المعرفة شجاعة في مواجهة النفس والواقع، وتشكل هذه الفضيلة التي حدد الله تعالى ملامحها في القران الكريم، بالصدق والتقوى والإخلاص، مميزات الانسان الفعّال في تحقيق قيم الاستخلاف التي بها تكتمل سعادة الانسان المسلم والمجتمع المسلم، والمعرفة هي القاعدة التي تبنى عليها سياسة الابتكار، وسياسة الابتكار هي الإجراءات التي تهدف إلى الإسهام في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع، مثل انخفاض مستوى الإنتاجية وحل قضايا الطاقة والبيئة، أو تلك المتعلقة بقضايا الصحة والتعليم، وتهدف كذلك الى حل مشكلة الابتكار ذاته من خلال مؤشر رصين يعين الوظائف الأساسية للقدرات الابتكارية المتمثلة في الحصول على المعرفة وترسيخها ونشرها وخلقها واستغلالها، الأمر الذي يهيئ الفرص الحضارية لسيادة السعادة ثقافة وسلوكًا.
شغل مفهوم (السعادة) الفكر الانساني منذ اليونان وإلى يومنا هذا؛ ذلك لأن السعادة تعد أقصى غايات الفعل الإنساني في الوصول إلى الرضا، تختلف (السعادة) عن (اللذة)، فاللذة هي جزئية ومتعددة حسب طبيعة الوسيلة التي تمارسها، إذ هناك لذة الاكل، ولذة الشرب، ولذة النكاح، وما إلى ذلك، لذلك تعددت اللذات، غير أن (السعادة) هي واحدة كلية، وهي حالة نفسية تستوعب كيان الانسان كله.
إن السعادة لا ترتبط بنشاط جزئي بعينه، بل تقترن في العادة بالتآزر الشامل لكل مظاهر النشاط الانساني، إنها تجيء مصاحبة لحالة الانسجام الكلي الذي قد يتحقق بين الوظائف النفسية للفرد.
ارتبطت السعادة عند أرسطو بالأخلاق، إذ الأخلاق عنده علم عملي يبحث في أفعال الإنسان من حيث هو إنسان، ويهتم بتقرير ما ينبغي عمله وما ينبغي تركه، لتنظيم حياة البشر وتدبيرها على أحسن وجه، حينها تعرض أرسطو لمفهوم (السعادة)، إذ بدأ دراسته بقوله: إن كل فعل بشري لا بد من أن يهدف إلى (خير) ما، لأن (الغاية) تطبع بطبيعتها حياة الموجود البشري بأكملها، لكننا لا بد من أن ننتقل في سلسلة (الغايات) من (خير) إلى (خير) حتى تصل في خاتمة المطاف إلى (خير أقصى) يكون هو وحده الكفيل بإشباع إرادتنا وتوجيه حياتنا، وتحقيق سعادتنا، وقد سلّم أرسطو لسقراط وأفلاطون بأن (الخير الاقصى) هو السعادة، غير أن أرسطو يؤكد حقيقة أن أسمى فعل يمكن أن يحققه وحده الكائن البشري، لا بد أن يكون هو ذلك الفعل الذي يختص به الإنسان وحده، وهذا الفعل المتميز هو (الفكر) فهو الفعل الأوحد الذي يتميز به الإنسان بوصفه كائنًا ناطقًا، وبهذا ارتبطت السعادة عنده بالفكر بوصفه إنجازًا عقليًّا متميزًا.
واذا انتقلنا إلى الفكر الاسلامي نجد أن ابن الخطيب على سبيل المثال يقرر أن النفس اذا ابتعدت عن الشرور والظلم، وأصلحت أخلاقها وضبطت شهواتها تحققت لها السعادة، وهذا معناه مرضاة الله عز وجل التي معها تتحقق السعادة، في حين يرى الفارابي أن السعادة هي نتاج الأفعال الجميلة، والهيئات والملكات التي تصدر عن هذه الأفعال، وهذه الأفعال هي مضامين الفضيلة، والفكر عند الفارابي من أفعال العقل الجميلة، ويرى إخوان الصفا أن السعادة غاية الانسان، وتتحقق ببلوغ درجات الكمال العقلي الذي قوامه العلم والأخلاق.
في حين يرى الغزالي أن السعادة تتمثل في (الخير الأعظم)، ويذكر أنواع الخيرات على النحو الاتي:
1. خيرات النفس، وهي أربعة: الحكمة والقوة والجمال والشجاعة.
2. خيرات البدن، وهي أربعة: الصحة والقوة والجمال وطول العمر.
3. الخيرات الخارجية، وهي أربعة: المال والاهل والعز وكرم العشيرة.
4. الخيرات التوفيقية، وهي أربعة: هداية الله ورشده وتسديده وتأييده.
والفضيلة عند الغزالي في مجاهدة النفس وردها إلى التوسط والاعتدال، والخير الأعلى في الآخرة هو السعادة، والطريق إلى هذا الخير الأعلى من خلال (العلم والعمل) والعمل شرط السعادة؛ لأن المراد به تحصيل الفضيلة، والعلم هو الشرط الثاني الذي يحقق كمال النفس بمعرفة الحقائق.
نلاحظ أن السعادة بالمنظور الاسلامي هي معرفة الله، ومعرفة مخلوقاته كافة، ومعرفة الله تكون بالعقل والقرآن والنبوة، ومن بين حقائق القرآن والنبوة العلم والمعرفة والعقل، بها نعرف حقائق الكون المسطور، والكون المنظور، بغية الارتقاء بالإنسان إلى مستوى (الخلافة) بغية انجاز عمارة الارض على أتم وجه.
وإذا أردنا تعميق وعينا بمفهوم السعادة بالمنظور القرآني، فلا بد من استيعاب مقوماتها في القرآن الكريم، وهي:
1. خشية الله عز وجل والخضوع له بحسن العبادة.
2. اتباع الرسول ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) آل عمران-90
3. تحقيق معنى الاخوة (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات -10
4. التعاون (وتعاونوا على البر والتقوى...). المائدة-2
5. المساواة (ولقد كرمنا بني ادم...). الإسراء- 70
6. المسؤولية والإحساس بأهميتها (كل نفس بما كسبت رهينة).المدثر-38
7. العدالة، وهي النابعة من أمر الله عز وجل وحكمه(إن الله يأمر بالعدل والإحسان...) النحل -90 فيكون لكل فرد حقه في الحياة حسب قدرته.
8. الحرية (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). البقرة- 256
9. احترام الإنسان (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض كأنما قتل الناس جميعا)).المائدة-32
10. العلم، في إدراك آيات الله في الخلق والأمر (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون).الرعد-3
11. التفكر، وهو لب العبادة العقلية (ويتفكرون في خلق السماوات والارض...)آل عمران-191
12. ذكر الله، وهو أكبر العبادات (ولذكر الله أكبر...).العنكبوت - 45
13. التسامح (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).فصلت -34
وفي هذا يتضح جوهر( الاستخلاف ) الذي أرشد الله تعالى به الانسان في تكليفه بالخلافة، فهو المنهج الكفيل بحسن الأداء لهذا التكليف في ما أنزل إليه من وحي مبيّن لما ينبغي أن يفعل، وما ينبغي أن يترك، وكان هذا الوحي سلسلة متلاحقة، آخرها القران الكريم، وبمقتضى هذه الخاتمة أفسح للعقل مجال واسع في الإرشاد لتحقيق الخلافة، تبيّنًا لما وسعه الوحي نصًّا من تعاليم، وتصورًا لما يسعه فيما يتعلق بمستجدات الحياة على أساس من هديه العام، وتنزيلًا لكل ذلك في واقع الحياة.
ونظرا لما أصبح العقل بهذا المعنى من نوع اشتراك مع الوحي في قيادة الحياة الإنسانية، فإنه فسح مجالًا في الفكر الإسلامي للتساؤل عن دور العقل والوحي في إنجاز الخلافة سواء على مستوى التأسيس، أو على مستوى الفهم والتنزيل، ووقع في هذا المجال ما هو متضارب في التأويل تغليباً للعقل تارة وتغليباً للوحي تارة أخرى، وتوفيقاً بينها ثالثة.
إن قرار الله عز وجل بعد أن أكمل خلق العالم هو خلق الإنسان، العزيز على الله تعالى.. فكان احتفالًا ربانيًّا مهيبًا :
لقد تضمن هذا الإعلان الإلهي المهيب الحقائق الآتية:
1. (إني جاعل في الأرض خليفة). تفيد أن هذا الكائن بحكم (الجعل) الالهي، هو (خليفة) بمقتضى الخلقة والحياة والفكر.
2. هذا الكائن هو الانسان.
3. إن الخلافة ليست عبودية فقط، إنما هي علم كذلك، وبهذا العلم فضل الله تعالى الإنسان على غيره من المخلوقات.
4. علم (الأسماء كلها)، علمه أسماء الاشياء التي سيستخدمها في حياته وعمارة الارض، بما في ذلك خصائصها وعناصرها وكيفياتها وسائر صفاتها؛ لأن هذه العناصر والكيفيات والخصائص والصفات هي أيضا أشياء تحمل أسماء.
5. أن السجود لآدم إقرار واعتراف له بالخلافة في الارض، إن هذا التكريم أحد أهم الحوافز لمواصلة (عمارة الارض).
وفي ضوء هذا كله، فإن ممارسة النشاط الاستهلاكي للمعرفة يعد أحد أهم أفعال العقل في نهضة الأمة، وفي عمارة الأرض، وسيادة الأمن والسلام العالميين.
المبحث الرابع: قواعد التحول الى اقتصاد المعرفة
لقد رافقت المعرفة مراحل التاريخ وتحولاته في صناعة العصور، بها طور الإنسان النار، وبها نقى الذهب، وبها طوّر الماء، وبالمعرفة جعل الله الإنسان خليفة في الأرض؛ ليعمرها بالحب والعلم والسلام.
لقد كانت المعرفة أحد أهم أدوات بناء الحضارة الإنسانية، ومن خلالها انتصر الفلاسفة والأنبياء للإنسان، حين أكدوا إمكانية المعرفة طريقًا للتجاوز والارتقاء والسمو الاخلاقي.
وإن مشاغل المعرفة في الحضارة الإنسانية كانت منصبة على سعادة الإنسان بوصفها أرقى درجات الحكمة، أو بعبارة أخرى: كان جدل الحكمة/السعادة، غاية المعرفة وأسمى أهدافها، فالمعرفة كانت ينابيع تتفجر من قلوب صناعها إلى قلوب عشاقها، وكان عبقها يعطر أرواح من تمر في فضائهم.
لقد تميزت الحضارات الإنسانية بما صنعته نظريات المعرفة من مفاهيم عكست تصوراتها للوجود والإنسان والعالم، لأنه في ظل غياب الوعي بنظرية المعرفة، تضطرب الرؤيا، ويصيب المفاهيم الغبش والارتباك، فيرتبك الوعي، وبالتالي يرتبك الفعل، لأن المعرفة الدقيقة القائمة على ضبط مصادرها وأنواعها وأهدافها ومناهجها تقود إلى فعل معرفي منضبط مبدع خلاق.
واليوم في ظل زيادة الاهتمام باقتصاد المعرفة تثار أسئلة أمام العقل العربي خاصة والاسلامي عامة، تحدد إجاباته عليها موقعه في العصر الحديث، ماذا نعرف؟ كيف نعرف؟ لماذا نعرف؟
إن معطيات الفكر العربي الإسلامي بعامة، والاقتصادي فيه بخاصة، لا تمتلك إجابات واضحة ودقيقة على هذه التساؤلات، الذي تمتلكه استعارات معرفية من زمن غير زماننا، ومن مكان غير مكاننا، سواء في ذلك الإسلاميون والقوميون والليبراليون والماركسيون، لم يتمكن هؤلاء من توظيف هذا التنوع المعرفي في وحدة حضارية تتبلور حول هدف مركزي واحد، (النهضة الحضارية)، لم يتمكنوا من الحوار الخلاق في فضاء حضاري يضع أسس نهضة اقتصادية ترتقي بالأمة إلى مستوى المنافسة والعطاء أكثر، لا سيما وأن الاقتصاد هو أكثر الميادين حيوية وأناقة في جمع المصالح والربح والكفاءة والعدالة والإنصاف، مما هو مبتغى الجميع.
ربما نمتلك آراء صحيحة عن اقتصاد المعرفة بحكم الاستعارة من الغير، لكننا لا نمتلك معرفة صحيحة عن اقتصاد المعرفة منضبطة بمفاهيم ومناهج تنظم مسيرتها، وإذا امتلكنا هذه، فإننا لا نمتلك القدرة على تحويل النظرية إلى فعل، أي لا نملك القدرة على تحويل الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد معرفة؛ لأننا نفتقر إلى الشروط الموضوعية فضلا عن الكثير من الذاتية للانتقال إلى اقتصاد المعرفة، الأمر الذي يستوجب وعي قواعد التحول إلى اقتصاد المعرفة الذي يعد الخطوة الضرورية لعملية التحول الحضاري، ويمكن الإشارة إلى أهم قواعد التحول إلى اقتصاد المعرفة على النحو الاتي:
1. القواعد المعرفية:
أ- بناء نظرية معرفية تستوعب الواقع العربي الاسلامي وتنظم نسقه الحضاري.
ب- تطوير المؤسسات التي تحول المعرفة إلى فعل.
ت- تطوير المؤسسات القانونية التي تحمي الفعل المعرفي وتحمي الحق وتحمي الحضارة.
ث- توفير فرص استيعاب نظم إنتاج المعرفة في جامعات العالم المتقدمة، من خلال عقد الاتفاقيات الإستراتيجية معها.
2. القواعد العلمية:
أ- تطوير نظرية علمية تفسر مكونات العلم وشروط إنتاجه في ضوء الوحي.
ب- تنظيم التفاعل العلمي مع مؤسسات العلم العالمية.
ت- إعادة صياغة علاقة جامعاتنا مع الجامعات العالمية الرصينة عن طريق فتح بوابات الاستثمار العلمي في مؤسساتنا العلمية.
ث- توفير فرص استيعاب أنظمة إنتاج العلم.
ج- إعادة تنظيم العلاقة مع الكفاءات العلمية في الخارج بما يعزز دعمها للتحول الحضاري بعامة، والاقتصادي بخاصة.
3. القواعد السياسية:
أ- إعادة رسم السياسة العامة للدولة بعامة، والسياسة الاقتصادية بخاصة، بما يعزز دورها بوصفها قوة اجتماعية قادرة على توفير الشروط اللازمة لنهضة اقتصاد المعرفة، والمهمة الأساس الجديدة للدولة هي (صناعة الحرية) والابتعاد عن التدخل في الشأن العلمي خاصة والاقتصادي بعامة.
ب- اعتماد مبدأ (دولة المعرفة) وهي الدولة التي تبني مؤسسات المعرفة وتدفع المواطنين باتجاه الإبداع والتغيير، من خلال السياسة التربوية التي تُبنى على مبدأ الإبداع والتغيير، ومن الأمور المهمة جدًّا في هذا المضمار، تدريس مادة الإبداع في المراحل الدراسية كافة، وسن قوانين حماية الحرية والإبداع بمستوياته كافة، دولة تعلم الأجيال كيف تفكر، وكيف تصنع الفكر.
ت- خلق فضاء قانوني يعمل على جمع المؤسسات العلمية والتربوية والقانونية والاجتماعية على مبدأ التعاون من أجل الابتكار والإبداع، من خلال الآتي :
• دعم الأبحاث التي تخطط للتنمية الحضارية.
• دعم براءات الاختراع ماليا وقانونيا.
• دعم المنشورات العلمية وإيصالها إلى أبعد مركز في البلاد.
• دعم الجهود التقنية بالقانون والاموال.
• توفير مؤسسات شبكة المعلومات عن فعاليات البلد ومكوناته الاقتصادية والثقافية والعلمية والسكانية.
4. القواعد الاقتصادية:
أ- بناء سياسات إنفاق تضع في الاعتبار أولوية دعم السياسة التربوية والعلمية الهادفة إلى صناعة المعرفة، وخلق القدرة على الفعل المعرفي الكفوء.
ب- تحقيق تراكم رأسمالي يستثمر في حقول المعرفة والتكنولوجيا في المراحل الدراسية كافة، وفي المؤسسات العلمية المستقلة.
ت- تطوير القطاع الخاص لإمكاناته الذاتية باعتماد سياسة علمية معرفية أساسًا لفعله، والعمل على تطوير مهارات العاملين فيه على وفق أرقى ما يقدمه التطور العلمي والتقني والمعرفي.
ث- تطوير سياسة مالية تعتمد المعرفة منطلقًا عن طريق إدخال مفردات المالية والاقتصاد المالي في الدراسة الإعدادية والجامعية بفروعها كافة.
إن الوطن العربي في ضوء الإحصاءات التي ترسم ملامحه الحضارية، يقف في آخر الدنيا، لا يملك الا استنساخ التجارب الحضارية باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي التي تجاوزت حدود التخلف الحضاري إلى الإسهام الفعال في إدارة اقتصاد المعرفة خاصة والاقتصاد الإسلامي عامة، فالاستنساخ يفقد رونقه وأثره بعد حين.
إن الهوّات كبيرة في وطننا العربي وكثيرة: هوّة في استعمال العقل في إدارة شؤون الحياة، وهوة في استعمال الدين في إدارة شؤون الدنيا والاخرة. وهوّة في استعمال الجامعة في بناء الحضارة، وهوّة في استعمال المدرسة في بناء الجامعة. وهوّة في استعمال القانون في بناء الحضارة، وهوّة في استعمال الحق في بناء القانون. وهوّة في استعمال الحرية في بناء المجتمع، وهوّة في استعمال المجتمع في بناء الانسان، وهوّة في بناء الانسان ليكون خليفة في الارض.
الخاتمة:
إن التحول من الاعتماد على الموارد إلى الاعتماد على المعرفة بوصفها سلعة تدرس في إطار نظرية استهلاك إسلامية معاصرة، وتحت مظلة اقتصاد المعرفة، يساعد في ردم هذه الهوّات وغيرها كثير، حتى تكون تجربتنا في اقتصاد المعرفة وصناعته، تجربة ذاتية مبدعة وخلاقة، تسهم في إضاءة فضاءات المعرفة في العالم، بما تحققه من قيامها بالاستخلاف الحق في إدارة شؤون الحياة.
مصادر البحث:
• القرآن الكريم.
1. أحمد السيد النجار وآخرون، دولة الرفاهية الاجتماعية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط2، 2006..
2. أحمد صبور (د.)، المعرفة والسلطة في المجتمع العربي، الأكاديميون العرب والسلطة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط2، 2001.
3. أسامة أمين الخوالي وآخرون، تهيئة الإنسان العربي للعطاء العلمي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع مؤسسة عبد الحميد شومان، مركز دراسات العربية ومؤسسة عبد الحميد شومان، بيروت، لبنان، ط2 ، 2001.
4. جون هارتلي (محرر)، الصناعات الإبداعية، ترجمة بدر السيد سليمان الرفاعي، سلسلة عالم المعرفة(339)، الكويت، 2007.
5. دائرة التنمية الاقتصادية في أبو ظبي، مركز إحصاء أبو ظبي، مؤشر ابو ظبي للابتكار
6. راجح عبد الحميد الكردي (د.)، نظرية المعرفة، نظرية المعرفة بين القران والفلسفة، المعهد العالمي للفكر الاسلامي، مكتبة المؤيد، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1412/ 1992م.
7. زكريا إبراهيم (د)، المشكلة الخلقية، مكتبة مصر، القاهرة، ط3، 1980م.
8. عبد الحسن الحسيني، التنمية البشرية وبناء مجتمع المعرفة، قراءة في تجارب الدول العربية وإسرائيل والصين وماليزيا، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت، لبنان، ط1، 1429ه/2008م.
9. عبد الحميد النجار (د)، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، بحث في جدلية النص والعقل والواقع، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط2، 1413ه/1993م.
10. عبد المنعم السيد علي(د)، مبادئ الاقتصاد الجزئي، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الجامعة المستنصرية، بغداد، العراق، (د.ط ت).
11. فاروق الدسوقي (د.)، استخلاف الإنسان في الأرض، المكتب الاسلامي، بيروت، مكتبة فرقد الخاني، الرياض، ط1، 1406ه/1986م.
12. فرانشيسكو خافيير كاريللو (محرر)، مدن المعرفة، المداخل والخبرات والرؤى، ترجمة د. خالد علي يوسف، سلسلة عالم المعرفة(381)، 2011.
13. الكسندر روشكا، الإبداع العام والخاص، ترجمة د. غسان عبد الحي ابو فخر، سلسلة عالم المعرفة(144)،الكويت، 1410ه/1989م.
14. مرال توتليان(د.)، مؤشرات اقتصاد المعرفة وموقع المرأة من تطورها، المعهد العربي للتدريب والبحوث الإنسانية، (د. ط)، 2006.
15. منذر القحف (د.)، الاقتصاد الإسلامي، دراسة تحليلية للفعالية الاقتصادية في مجتمع يتبنى النظام الاقتصادي الإسلامي، دار القلم، الكويت، ط2، 1401ه/1981م.
16. نبيل علي (د.)، العقل العربي ومجتمع المعرفة، مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول، سلسلة عالم المعرفة (370)، الكويت،2009.
17. ياسر العمادي، إدارة المعرفة وتكنولوجيا المعلومات، دار السحاب للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 2009.
18. يوسف كرمر(د.)، تاريخ الفلسفة اليونانية ، لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط5، 1389ه/1970م.
التدقيق اللغوي: سماح الوهيبي.