فلسطين والكويت وباكستان هي دول المبدعين الثلاثة الذين سأتطرق لهم في هذه المقالة بإذن الله تعالى ، فالمبدع المسلم لا يعوقه جنس ولا جنسية ولا تحده قيود أو سدود سوى تعاليم شريعته السمحاء وتوجيهات دينه الصالح لكل مكانٍ وزمان ، ومن أرض فلسطين التي بها المسجد الأقصى المبارك الذي هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ستكون انطلاقتي : - المجاهد الشهيد أحمد ياسين : فهو مبدع في ميدان العمل والثبات بلا توقف عند عوامل الإعاقة أو السن أو المرض أو غيرها من القيود الدنيوية التي لم يلتفت لها هذا المسلم الفذ في حياته وفي استشهاده أيضاً فجر يوم الإثنين 2/2/1425 هجرية الموافق 22/3/2004 ميلادية .
وقد ولد الشيخ ياسين سنة 1938 واستشهد عن 66 سنة قضى منها الفترة من عام 1983 إلى عام 1985 ومن عام 1989 إلى عام 1997 في السجون الصهيونية ، وقد ولد وعاش واستشهد في قطاع غرة التي أعلن منها سنة 1988 ميثاق حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين ( حماس ) ، والتي تعد جناحاً من أجنحة عمل جماعة ( الإخوان المسلمون ) في تلك الأرض المباركة .
ولست بصدد الحديث هنا عن الموقف الرسمي والشعبي الكويتي المشرف بالمقارنة مع أية دولة عربية أو مسلمة أخرى { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } ، فبرقيات تعزية سمو أمير البلاد وسمو ولي عهده ورئيس مجلس الوزراء وتصريح معاليه العلني بالإدانة والاستنكار ، تزامنا مع تصريحات وبيانات مجلس الأمة والقوى السياسية وجمعيات النفع العام والقوائم الطلابية وغيرها لهي نماذج من هذا الموقف الطيب .
كما أن مهرجان الثلاثاء 23/3 الجماهيري الحاشد في جمعية الإصلاح الاجتماعي وبمشاركة فعاليات مختلفة الأطياف والجنسيات ليعد موقفاً واضحاً كذلك في اتجاه استنكار الجريمة الصهيونية الغادرة ، وممن شارك فيه كل من المشايخ الفضلاء : يوسف السند ود.جاسم المهلهل وأحمد القطان حفظهم الله ورعاهم .
وقد تناقلت الصحافة المحلية جانباً من خطب مشايخنا الأفاضل بإدانة التواطؤ الأمريكي المتوافق مع شناعة الجرم الصهيوني ، ولعل الفيتو الأمريكي الأخير بمجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة ضد قرار يدين جريمة الاغتيال لهو مثال على هذا الاستهتار بالعلاقات والمصالح الأمريكية – الإسلامية ناهيك عن الاتفاقيات الدولية والمبادئ الإنسانية والتعاليم السماوية !
كما شارك في ذات المهرجان ممثلو القوى السياسية ومنهم : الشيخ حسين المعتوق والسيد فهيد الهيلم ، وجمعيات النفع العام الكويتية واتحادي طلبة الجامعة والتطبيقي وممثل عن الجالية الفلسطينية بالكويت ، ومجموعة من الشعراء منهم : علي الذريان العنزي ومحمد عبدالله الهديب ويوسف مساعد العبدالجادر ومحمد أبو دية ، وهذا الأخير قد اختتم قصيدته منادياً :
يا إخوة الإسلام هذا يومكم ،،، هذا أوان الغارة الشعواء
كما شارك في نفس هذا المهرجان كل من الدكتور عصام البشير وزير الأوقاف السوداني ، والمفكر الإسلامي فهمي هويدي الذي أكد على أهمية مقاطعة المنتجات الأمريكية كمظهر لاهتمام المسلم بقضايا إخوانه ، بصرف النظر عن التشكيك القائم بجدوى المقاطعة الاقتصادية .
لا شك أن مثل هذا الحقد والتربص الصهيوني بهذا الرجل الكسيح الذي أقض إيمانه العميق بحقه دولة الباطل بأساطيلها وترسانتها النووية وعتادها المدجج ، ومثل هذا الالتفاف العربي والإسلامي خلف ذات الرجل المقعد الذي فاقت أفعاله أفعال صحيحي الأبدان ، لتعد معلماً بارزاً على إبداعه وتميزه فهو القائل : ( لا تنتظروا منا أن نستسلم أو أن نرفع الراية البيضاء ، لأننا قد علمنا أننا سنموت أيضاً إن فعلنا ذلك ، فاتركونا نمت بشرف المجاهد ) !
ومن فلسطين المباركة إلى أرض الكويت الحبيبة لنتعرف على المبدع العشرين في هذه السلسلة .
- بنك الفقراء الخيري : فهذه الفكرة المبتكرة التي قرأت عن مثيلاتها في الهند وأمريكا الجنوبية قد وجدت طريقها للكويت عبر وقفية أنشأتها الأمانة العامة للجان الزكاة والمشاريع المحلية بجمعية الإصلاح الاجتماعي ، وإن كانت الفكرة قد بدأت هنا لبذل المال على أوجه الخير المختلفة محلياً إلا أننا نتفاءل بأنه مع زيادة ريعها ستقــوم بتقديـــم خدمــات بنكية ميسرة وقروض حسنة للفقراء والمعسريــن ، وذلك - طبعاً - بعد استيفاء الشكل القانوني اللازم من الأجهزة الرسمية آنذاك .
وقد عرفت عن هذا المشروع المميز من خلال إعلامياته المختلفة وعبر اتصالات مع الإخوة والأخوات العاملين فيه ومن ضمنهم الأخ عصام السمرة ، ويقوم مكتب تنفيذي بنظارة وإدارة الأموال الموقوفة للبنك برئاسة السيد سعد الراجحي – الأمين العام للجان الزكاة والتي قامت في سنة 2003 فحسب بمساعدة 78219 مستحقاً داخل الكويت وحدها !
كل الشكر للسيد الراجحي ( بوخالد ) والعاملين في هذا البنك المميز بخيريته لا ربحيته كما هي فكرتنا المعهودة عن البنوك ، وأبارك لهم احتفاءهم قبل فترة وجيزة بباكورة وقفيتهم التي تمثلت بعمارة بمنطقة ميدان حولي ، ولمن يرغب بالاستفسار أو المساعدة كأولئك الخيرين الذي سبقونا فإن رقم هاتف بنك الفقراء الخيري هو : 5656665 وخطهم الساخن 7988866 .
ولننتقل الآن من الكويت وصولاً إلى تلك الجمهورية التي قدمت للعالم الإسلامي أول قنبلـــة نووية إسلامية ، وبتحديد أكثر فإن مبدعنا المقبل هو من كان – بعد الله عز وجل – وراء إنجاز هذا الحلم الاستراتيجي للمسلمين .
- الدكتور عبدالقدير خان : فهذا الرجل المولود في القارة الهندية سنة 1935 والمهاجر لباكستان سنة 1952 لم يتوقف عند مشاغل حياته وإعاشة أسرته ولم يتهيب من دخول مجال يصبح كل مسلم مبدع فيه هدفاً للاغتيال والتصفية ، بل رأيناه يكمل مشواره العلمي لينال البكالوريوس وبعدها الماجستير والدكتوراة في الفيزياء وعلم الذرة .
وقد طور الدكتور خان نفسه حتى أتقن خمس لغات هي الإنجليزية والألمانية والهولندية والبلجيكية والفرنسية ، كما حباه الله ذاكرة مميزة مكنته بجانب دراسته المتخصصة وخبرته العملية في أوربا بأن ينقل أسرار الصناعات النووية لوطنه المسلم .
حيث تأسس في سنة 1967 مختبر البحوث النووية الأول فيها والذي سمي لاحقاً باسم هذا المبدع المسلم الذي نجح لاحقاً في تمكين بلاده من تخصيب اليورانيوم ومن ثم تفجير وصناعة أسلحة ذرية ، مقيماً بذلك توازناً عسكرياً مع الهند المجاورة والتي خاضت مع باكستان حروباً متتالية على خلفية احتلال الأولى لولاية جامو وكشمير المسلمة .
كل الشكر والتقدير للدكتور عبدالقدير خان الذي أوضح أنه بالإرادة القوية والإدارة الحسنة يمكن جعل المستحيل ممكناً ، ونأمل لباكستان استمرار الاستفادة من طاقاته مع أخذ مخالفته – إن صحت – لقوانين بلاده أو التزاماتها الدولية بعين الاعتبار ، حتى لا يردد هذا العالم المسلم بينه وبين نفسه ما يردده ألوف العرب من قول الشاعر :
عجبـاً تلفظنـي يا وطني العـربي وتقهـرنـي قهـــرا !
وأنا ابنك أبغي طهر ثراك وأصنع من جسدي جسرا !
أخي القارئ وأختي القارئة : كانت هذه جولة جديدة بإذن الله تعالى مع كوكبة من مبدعي عالمنا الإسلامي المعاصر ، وأنا متلهف لإشارتكم وإشادتكم بغيرهم ممن تزخر حياتنا بإبداعاتهم سواء في مقالاتكم الشخصية أو عبر كتابكم المفضلين أو عبر لفت نظري إليهم من خلال البريد الإلكتروني ... فإنا إن لم نكن مبدعين فلا أقل من أن ندعم مسيرتهم ولو بكلمات موجزة ، والله أكبر ولله الحمد .