استشهد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ولحق برفيق دربه الشيخ أحمد ياسين، وانفتحت صنابير التنظير ونصبت سرادق العزاء، وكان الكلام الرسمي الذي قيل في استشهاد الرنتيسي أكثر إثارة للحزن من فقده فقد دخل الشهيد ساحة النزال وهو يعرف أن رأسه مطلوبة، ولكن مناضلي الصالونات الذين يزلزلون "المايكرفونات" قالوا كثيراً مما مثير للشفقة والسخرية: شارون قتل الرنتيسي بعد عودته من واشنطن وكانت العملية بمباركة من الرئيس جورج بوش... يا للعبقرية وسرعة البديهة! هل كنا بحاجة إلى دم الرنتيسي لنعرف كم أمريكا والغة في دمائنا؟ عندي نصيحة للجماعة: لا تقاطعوا أمريكا لأن هجر الحبيب صعب وليس من حق المكفول أن يتطاول على الكفيل! لا توقفوا الزيارات الرسمية إلى أمريكا لأن الطواف بالبيت الأبيض سنة مؤكدة في فقه العروبة المعاصر الحداثي! وواصلوا شراء السلع الأمريكية لأنكم إن لم تفعلوا ذلك تم إدخالكم إلى بيت الطاعة! فقط أنصحكم بهجران أمريكا في المضجع، فما ضاجعت حكومة أمريكا إلا حبلت سفاحا وأنجبت جنينا مشوها ناقص التكوين قصير العمر بسبب عدم التوافق الجيني! انزلوا من سفينة أمريكا المخصصة لمكافحة الإرهاب لأنها لن تصمد أمام هياج الرياح... فبعد كل الدم الذي جرى وسيجري فإن عاصفة الحادي عشر من سبتمبر ستكون "نسمة" مقارنة بما هو آت! وإذا كانت أمريكا تعاني الإرهاب فتلك مشكلتها هي، أما نحن فمشكلتنا هي أمريكا... على مر السنين لم نر خيرا من أمريكا، مشكلتنا كانت جورج بوش وكلتنون وجورج بوش الأب وريجان وترومان وروزفلت وكارتر وجونسون وكنيدي ونيكسون ومايكل جاكسون... إسرائيل مشكلتنا الفرعية التي نشأت عن مشكلتنا الأصلية التي هي "أمريكا"، لا بارك الله في كرستوفر كولمبس الذي لو سار في الوجهة الصحيحة ووصل إلى الهند لربما ظلت تلك البلد نسيا منسيا إلى يومنا هذا أو لكانت تحبو لتستكمل التشكيل والتكوين، ولما عانت معظم بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية من شرور سياساتها المتغطرسة الظالمة! ولست ميالا إلى تحميل الخارج وزر ما يحدث في الداخل عندنا... فالجرثومة التي قتلت خيرة المناضلين الفلسطينيين إنتاج محلي... ومنذ قيام السلطة الفلسطينية والفلسطينيون لم يذوقوا طعم العافية فقد كانت السلطة وما تزال شؤما وطامة! الصراع على المناصب والمكاسب صار "استراتيجية" بينما الصراع ضد إسرائيل صار مجرد "تكتيك"... لا نسمع من السلطة أو عنها إلا ما يحيكه دحلان ضد الرجوب ورواتب رجال الأمن التي تدخل جيوب من تنضح أجسامهم بالدهن والسمن! علينا أن نترك الكلام الفارغ وأن نرمم بيوتنا ذوات الجدران المائلة والسقوف الآيلة للسقوط... كفانا لطما للخدود وشقا للجيوب... لا تبتذلوا أرواح الشهداء بالكلام التافه، ولا تحزنوا لرحيلهم لأنهم اختاروا الطريق الذي يؤدي إلى الشهادة طوعا... وإذا كان لابد من الحزن فليكن على أنفسنا نحن الأحياء الأموات الذين نعيش على الصدقات والفتات، والصدقة التي تأتي من اللئيم الزنيم مسمومة ومريبة ومعيبة مهما أجاد تغليفها! والخلاص من الحزن المقيم الذي لا ينبغي أن نورثه لأحفادنا يبدأ بسوء الظن بالولايات المتحدة، فهي محور الشر ومركز الشر ومصدر الشر... ولو وضعتني كلماتي هذه في قائمة الأشرار الخاصة بالمخابرات الأمريكية فهذا هو "عِز الطلب" وغاية المرام...