كان موضوع الغلاف للعدد الأخير من مجلة تايم الأمريكية هو "أسرار أدمغة المراهقين"، واستوقفني في التقارير الممتعة التي جاءت في سياق ذلك الموضوع مجموعة من الملاحظات والنصائح التي وجهها عدد من علماء النفس والتربية إلى الآباء حول كيفية التعامل مع عيالهم المراهقين، وبعض تلك الملاحظات من البديهيات ومنها أن بعض الآباء والأمهات يعتبرون أن بلوغ البنت أو الولد سن الخامسة عشرة مثلا يرفع عن كواهلهم مسؤوليات الرعاية والتوجيه، وتكون في بيت شخص ما وتسأله عند منتصف الليل عن ولده فيقول: "والله ما أدري.. أظن أنه بره البيت مع أصدقائه.. خلاص الولد كبر وصار رجلا!!" ومن قال لك يا هذا إن من حق الرجل أن يصيع خارج البيت إلى ما بعد منتصف الليل؟ وبعكس هؤلاء، هناك فئة أخرى يعتقدون أنه من غير اللائق إبداء عواطف المحبة والحنان تجاه من بلغ مرحلة المراهقة أو الشباب الباكر، مع أن الإنسان حتى لو بلغ السبعين يرتاح للمسة الحانية، وأمتع شيء عندي أن يمرر أحد عيالي أصابعه على شعري الحريري ويفرك فروة رأسي برفق، وإذا واصل أحدهم فعل ذلك فإنني أنام مثل طفل نال كفايته من الحليب، وارتدى قطعة بامبرز جديدة ونظيفة، وقد صار عيالي يبتزونني بفرك فروة رأسي ووضعوا لها تسعيرة تعسفية تبدأ بعشرة ريالات وقد تصل إلى قرص بيتزا من الحجم الكبير، أطرافه محشوة بجبن مطاطي تقضم منه قطعة فيمتد بينك وبين البيتزا خيط طويل مقرف، ينقطع أحيانا ويتدلى على صدرك،.. ولكن الكثير من المراهقين يتضايقون من قيام أهلهم بتدليعهم أمام زملائهم، ولن أنسى أبدا آخر مرة استقبلت فيها أمي في مطار الدوحة فاحتضنتني أمام المئات وأمطرت وجهي بالقبلات... يبدو أنها لم تقرأ التصريح الذي أدلى به الأديب والشاعر السعودي غازي القصيبي نيابة عني قبل سنوات: جعفر عباس، لا يبوس ولا ينباس، وبالطبع هناك خيط رفيع بين معاملة شاب أو شابة بحنان، وتلقيه أو تلقيها بالأحضان، والتدليل لدرجة الإفساد بجعل كل طلبات المراهق مستجابة، فحتى علماء التربية الأمريكان يطالبون بأن تكون هناك حدود لحرية المراهق ويقولون إن عليه أن يفهم أن هناك خطوطا حمراء لا يجوز له تخطيها،.. وطبعا مثل هذه المسائل شديدة الحساسية، فأحيانا لا يعترف بعض الآباء والأمهات بأن العيال كبرت وصارت تفهم ولديها منطق وحجج، ومن ثم لا ينبغي أن نفسر معارضتهم لبعض أفكارنا وسعيهم لإثبات ذواتهم ووجودهم بأنه بالضرورة سوء أدب وتمرد،.. بالعكس من المستحسن أن نشجع عيالنا على ممارسة قدر معقول من الاستقلالية، وأن نحترم خصوصيتهم طالما أن كل ذلك في إطار السلوك المقبول، بل وعندما نختلف معهم في أمر ما ينبغي أن نحاورهم بدلا من استخدام الجملة الإرهابية: بلاش فصاحة! كلامي يمشي وبس! كما أن قيام ولدك بقص شعره بحيث يبدو وكأنه يضع قطعة بيرجر نصف مستوية في منتصف رأسه ليس بالضرورة دليلا على أنه فاسد!! على كل حال المسألة شائكة وصعبة وتتطلب مهارة وحذقا في تمييز الخيط الرفيع بين هذه وتلك.