الكثيرون - وأنا منهم - شامتون برئيس الوزراء البريطاني توني بلير وحكومته، على الهزيمة النكراء التي منيت بها في انتخابات المجالس المحلية، فقد جاء ترتيب حزب العمال الذي يقوده بلير الثالث في تلك الانتخابات وهي أسوأ نتيجة مني بها الحزب منذ تأسيسه، ومن المرجح أن يمنى مرشحو حزب العمال بنكسات مماثلة في انتخابات البرلمان الأوروبي التي تجرى اليوم الأحد،... والغريب في الأمر أن النصر الوحيد الحاسم لحزب العمال في تلك الانتخابات تحقق على يد عمدة لندن كينيث (كن) ليفنغستون، الذي ظل ينادي بمثول الرئيس الأمريكي جورج بوش أمام محكمة لجرائم الحرب بسبب ما ارتكبه جنوده في العراق، وفي هولندا منيت الحكومة المؤيدة لحرب العراق بهزيمة ماحقة في الانتخابات ومن قبل أطاح الناخبون الإسبان بحكومة خوزيه ماريا أثنار بسبب انجراره وراء بوش في الحرب على العراق، بل إن بوش نفسه في حيص بيص وهو يواجه الانتخابات في نوفمبر المقبل، حيث لا يستبعد أن يهزم أمام جون كيري ذي الشخصية الباهتة والدم "التقيل" وقد رأينا كيف حاول بوش أن يستثمر جنازة الرئيس الأمريكي الجمهوري الراحل رونالد ريجان ليؤكد أنه امتداد للرجل (مع أن ريجان كان يعاني من الأمية السياسية ولكنه كان يحظى بقبول شعبي لأنه كان بشوشا وودودا)... ويقال إن بوش تساءل لما رأى الأبهة والهيلمان الذي صاحب الجنازة: هل تتبع نفس هذه الطقوس عند وفاة أي رئيس؟ فلما جاءه الرد بالإيجاب، تساءل: وهل ستكون في جنازتي أيضاً مزيكة وطوابير عسكرية ومدافع تطلق 21 طلقة؟ فقالوا: نعم، فصاح: أتمنى أن أعيش حتى أشهد ذلك اليوم!! ثم تعالوا نتذكر مشاهد التعذيب في سجن أبو غريب العراقي!! من الذي فضح أمر الفظائع التي ارتكبت في ذلك السجن؟ فضحها الأمريكان؟ ومن الذي عاقب حكومات بريطانيا وهولندا وإسبانيا على تورطها في الحرب في العراق؟ عاقبتها شعوب تلك البلدان! حتى الفظائع التي ترتكبها إسرائيل ما كان العالم ليسمع بها لولا الصحفيين وجمعيات حقوق الإنسان الأوروبية!! وفي كل ما يحدث في منطقتنا فنحن كشعوب لا في العير ولا في النفير، فنحن مجرد طرشان في الزفة... صمٌ وبكم... ولكننا لسنا عميانا، فنحن نرى ما يحدث ولكن ليس لنا كلمة، وحتى لو تكلمنا فإننا نقول كلاما مُعلبا جاهزا صلاحيته منتهية، ومن ثم فإن كلامنا يقابل بالإهمال والتجاهل، ونحن شعوب جل تراثها شعر، والشعر معظمه "خرطي"... كذب، و99% من شعر الغزل موضوعه حبيبات وهميات، من نوع الحبيبات اللواتي يهدر شبابنا حاليا الساعات الطوال وهم يتغزلون بهن عبر غرف الدردشة في الإنترنت دون أن يدروا أنهم يغازلون في واقع الأمر رجالا في وسامة روبرت موجابي... ولذا فإن محمود درويش أكثر شعبية من كل سلاطين السلطة الفلسطينية ومن كل شهداء المقاومة!... باختصار فإن الشعوب الأوروبية تستطيع محاسبة حكوماتها ومعاقبتها، أما عندنا فحتى المدرسون لا يملكون سلطة محاسبة التلاميذ الفالتين... والله عيب أن نوكل إلى الغربيين أمر تزويدنا بالملابس والأجهزة الكهربائية والأدوية والسندويتشات... وبعد هذا كله نوكل إليهم أمر التحدث نيابة عنا في أخص خصوصياتنا!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية