يسألني العديد من الأهل والزملاء الذين ألقاهم عما سأكتبه في مقالي القادم ، وللأمانة فإن هذا السؤال يشغل بالي أنا أيضاً ، حيث يصبح حال الكاتب والشاعر وحتى رسام الكاريكاتير في هذه الأيام كحال ( خراش ) الذي خرج ليصطاد ظبياً في البرية فإذا بالظباء تتقافز أمام ناظريه ، فتارة يعزم على صيد هذا الظبي وتارة يصوب سهمه نحو ذاك حتى انقضى النهار ولم يصطد شيئاً ! فخلد الشاعر العربي حاله في بيت شعرٍ قال فيه :
تكاثرت الظباء على ( خراش ) ،،، فما يدري ( خراش ) ما يصيد فهل أكتب يا ترى عن عزم الحكومة على إلغاء كلية الشريعة والدراسات الإسلامية : وهو الأمر الذي يكشف للمراقب المدقق والمواطن البسيط على حد ســواء مـــدى تغلغل التيار الليبرالي في مراكز صنع القرار بالكويت ، ويعكـس لنا - بوضوح - نوعية المستشارين والمنظرين الذين تستمع الحكومة لآرائهم ومقترحاتهم .
أم أكتب عن ( فوبيا نقص الوطنية ) التي دفعت العديد من الكويتيين للزج قسراً بالوطنية في كل شاردةٍ وواردة : فترى أحدهم يمتنع عن دعم الجهاد الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني بحجة موقف السلطة الفلسطينية من الغزو البعثي ! وترى الثاني يشمت في العراقيين وهو يرى صور قتلاهم من المدنيين بحجة أن نظامهم البائد احتل بلادنا في أغسطس 1990م !
وهو الأمر الذي يعكس خلطاً مريعاً في المفاهيم وابتعاداً واضحاً عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم القائل : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ) (1).
أم أتكلم عن العادات الدخيلة على وطننا الديمقراطي والذي يتساوى به الحاكم والمحكوم أمام القانون منذ نشأته : حيث نقرأ لكاتب هنا بأن الخروج في المظاهرات السلمية أو تنظيم الاعتصامات إنما هو فعل محرم يستوجب الويل والثبور ! ونسمع لخطيب هناك بأن من يخالف رأي الحكومة عليه الذهاب إلى الفلوجة !
أم تراني أكتب عن دماء المسلمين المستباحة في كل مكان : مرة على يد إرهابيين منحرفين في المملكة العربية السعودية ، وأخرى على يد جيش نظامي سفك دم سبعين مسلماً في أحد مساجد تايلاند ، وثالثة على يد العصابات الصهيونية المدعومة بالفيتو الأمريكي المشهر .
أم أكتب عن اختلاط الأولويات وتضاربها : فبينما نعقد الاتفاقيات ونبرم الصفقات ونقبض العمولات لأمننا العسكري ، ونشكل اللجان وننظم المؤتمرات ونكوّن الفرق لاقتصادنا الوطني ، نجد أن أمننا الاجتماعي المخترق يومياً متروك لاجتهادات الأفراد والمؤسسات الشعبية ، وسط الحوادث المتزايدة لخطف النساء والاعتداء على الأطفال والاتجار بالمخدرات والمسكرات والتعدي على الحرمات جهاراً نهاراً !
أخي القارئ ... أختي القارئة : بصراحة لست أدري عما أكتب وموقن بأن لديكم قضايا أخرى مهمة (2) بجانب ما طرحته ، ولكن الأمر الذي أدريه تماماً هو أن همومنا ومشاكلنا قد تشعبت ، حتى صدق فينا قول د.عبدالرحمن العشماوي إذ يقول:
تعــددت يــا قومي مصائبنــا حتى أقفلت بابنا المفتوح إقفالا
كنا نعالج جرحاً واحداً فغدت جراحنـا اليوم ألوانــاً وأشكــالا
وهذا كله يتطلب منا الإكثار من الأفعال والإقلال من الأقوال ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ... والله أكبر ولله الحمد .
______________
(1) يسلمه : يخذله .
(2) هذه كانت أبرز القضايا وقت كتابة المقال .