لا لم تنقرض

جعفر عباس
كتبت الزميلة الشرق الأوسط وأختها في الرضاع "الاقتصادية" - ولابد هنا أن أشكر الدكتور فهد الدخيل مدير عام الشركة السعودية للتوزيع فقد قرأ في هذه الزاوية عن حزني لأنني لا أرى مقالاتي منشورة لأن صحيفة "الوطن" لا توزع في دولة قطر وصار يزودني بها يوميا، بل صرت أقرأها في بعض الأيام قبل القراء الذين يعيشون في شمال المملكة العربية السعودية - المهم أن الصحيفتين كتبتا يوم الأول من أمس عن كشف أثري مهم في شمال المملكة، حيث عثر علماء الجيولوجيا على هيكل عظمي لديناصور، وبكل ثقة تحدثت الصحيفتان عن كيف أن الديناصورات انقرضت قبل ملايين السنين، ولا أدري كيف توصلت الصحيفتان إلى هذا الاستنتاج الساذج، لمجرد أن علماء جيولوجيا أو آثار عثروا هنا أو هناك على عظام ديناصور. وما يفوت على الكثيرين هو أن الديناصورات ليست على شكل واحد، وأن ما انقرض منها فقط هو النوع الشديد الغباء، وموضوع الديناصورات يخص علماء الاجتماع والاقتصاد، ومن ثم فإنني أعجب كيف أن صحيفة الاقتصادية بالذات رددت مقولة أن الديناصورات انقرضت، وهناك شهود عيان يؤكدون أن الخليج داخله مئات الديناصورات الحية، ومعظمها إن لم يكن جميعها تعيش في الدواوين الحكومية، ولحماية نفسها من الانقراض فإنها "تقرُض" خطط التنمية وتشل العمل اليومي وتفتك بالموهوبين وذوي المؤهلات العالية، وهناك دول عربية تتفوق على الخليج في مجال إنتاج الديناصورات لأنها تقوم بتصدير الفائض، .. انظر مثلا إلى أساليب تسيير العمل الحكومي في دول الخليج العربية، وستكتشف مدى عقمها وتخلفها، رغم أن حكوماتها وفرت كل الوسائل اللازمة لتحديث أساليب العمل والارتقاء به، وسر ذلك التخلف والعقم هو أن الديناصورات العربية "المستوردة" بعقود خارجية مجزية قامت في الستينات والسبعينات بنقل الأساليب الديناصورية إلى هذه الدول، والركن الأساسي لتلك الأساليب هو التوقيعات والأختام! أتى الديناصورات إلى الخليج كـ"خبراء" في الإدارة وكرسوا سياسة مؤداها أن كثرة الإمضاءات والتوقيعات على الأوراق الرسمية دليل كفاءة، وأن التوقيع أو الإمضاء بلا معنى، ما لم يكن مسنودا بعدة أختام، وأن الإداري الشاطر هو من يتعالى على الموظفين ولا "يرفع معهم التكليف"، ولا يسمح لهم بأن يلاقوه "بسهولة"، وفي ظل الديناصورات المستوردة ظهرت الديناصورات المحلية، مشبعة بكل التقاليد الديناصورية، وأثبتت الديناصورات المحلية أنها أكثر فتكا من الديناصورات العربية الوافدة، لأنها محصنة ضد التفنيش، ولدينا في السودان ديناصورات على درجة عالية من الحصافة والمهارة، بدليل أنها بقيت حية في حين أن جهاز الدولة "تعيش إنت"، وفي مصر سيطرت الديناصورات على قلب العاصمة، القاهرة، وتحصنت ببرج شاهق يحمل اسم مجمع التحرير، ويا ويلك إذا دخلت ذلك المبنى، فقليلون من خرجوا منه بكامل قواهم العقلية، وإلى الغرب من مصر ديناصورات نجحت في تحويل دولة نفطية (ليبيا) إلى دولة شفطية، يعاني أهلها من نقص المؤن والسلع وقلة الحيلة.. باختصار: من المنامة إلى الرباط ديناصورات تحمل ألقابا فخيمة، كرست عادات ذميمة، في بيئات العمل، وتسببت في إصابة كافة دولنا بالشلل.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية