أكثر ما يضايقني خلال الصيف عندما ترتفع درجة الرطوبة إلى فوق المئة في المئة، هو أن يأتيني قريب أو صديق مع عائلته، فما يحدث في مئة في المئة من الأحوال هو أن الضيوف يقررون المغادرة، ونبكش لهم: بدري يا جماعة.. ابقوا معانا شويتين.. زمن ما أتشاوفنا.. أيه رأيكم في كركديه ساخن؟ فيصرون على المغادرة بحجة أنهم يجب أن يكونوا في بيت مصطفى بعد ربع ساعة، وتخرج مع صديقك إلى باب البيت، وتقف معه في انتظار أن تهل ست الحسن حرمه،.. وبعد خمس دقائق من الوقوف أمام الباب مع الزوج تسمع صوت حرمه وحرمك، وتستبشر خيرا،.. لا يضايقني أن يزورني صديق أو قريب، بل أتمنى لو يزورني الناس ويقضون الليل معي ثم يتسللون خارجين في الصباح الباكر بدون طقوس وداع،.. فالنساء يقضين نحو ثلث الساعة في طقوس الوداع: يتوجهن نحو الباب مع ربة البيت، وفي هذه الأثناء يتم طرح بند مهم في جدول أعمال الحوار الثنائي بينهما، فيتوقفن عن السير في اتجاه الباب ويتبادلن الحديث بصوت منخفض حتى لو كان الكلام عن تنزيلات في محل مفروشات، ثم يتقدمن خمس خطوات في اتجاه الباب ويتوقفن، ويتبادلن الهمس ولسبب غير مفهوم يرجعن ثلاث خطوات إلى الوراء، وتنقضي ربع الساعة التي كان مفروضا أن يكون الزوجان قد وصلا خلالها إلى بيت مصطفى والزوجتان تزحفان نحو الباب، والرطوبة تشفط منك كل السوائل التي في جسمك،.. وكثيرا ما فكرت أن أقول لضيوفي الذين تزحف زوجاتهم نحو الباب بنظام خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء: رجاء لا تزورونا مرة ثانية إلا في الشتاء! وبوضوح شديد أقول لأصدقائي وأقاربي الذين يودون زيارتي مرحبا بكم في كل وقت وامكثوا عندي أي عدد من الساعات ولكن إذا قررتم المغادرة فغادروا فورا: السلام عليكم وعليكم السلام.. وانتهينا، وكل حي يروح لحاله، وقد حاولت في مرات عديدة أن أودع ضيوفي وهم تحت سقفي أي دون مرافقتهم حتى الباب لأنني أتضايق من الحر والرطوبة وأتضايق أكثر من تطويل لحظات الوداع عند الباب ولكن زوجتي تنظر إلي نظرة ذات معنى خير منها الحر والرطوبة!! ولا أعاني من مشكلة مع الأصدقاء الحميمين والأقارب من الدرجة الأولى لأنني وصلت معهم إلى اتفاق معلن بأن عليهم أن يغادروا بيتي فورا دون التسكع في الطريق إلى الباب، وقد التزمت بدوري بأن أسحب زوجتي بعنف من بيوتهم فور تقريرنا وداعهم!! وما زالت زوجتي ترى في ذلك جلافة وفظاظة وتتهمني بأنني "قروي"، مع أن القرويين هم الذين يطيلون إجراءات التحية في اللقاء والوداع، بينما أميل لاختصارها في الحالتين!! وثمة أمر آخر تعاتبني عليه زوجتي: فقد يأتينا ضيوف وأنا أتأهب للخروج لموعد ما، فأرحب بهم بحرارة ثم أطلب منهم الإذن بالمغادرة (أنا الذي أغادر) لأنني مرتبط بموعد سلفا.. هي ترى في ذلك "قِلّة ذوق"، ولكنني أعتبر أن قلة الذوق هي أن أعطي شخصا ما موعدا ثم ألغيه لأن شخصا ما أو أكثر داهموني دون اتفاق مسبق!! ويا ويلي لو قرر الضيوف الذين أبلغهم بارتباطي بمواعيد مغادرة بيتنا فورا!! ومع هذا ما زلت "أسويها": يا جماعة بعد إذنكم عندي ارتباط مهم ولازم أطلع الآن.. ومهما رمتني زوجتي بنظرات شريرة فإنني أتمسك بموقفي.