لا شك في أن ابتعاد الحياة المعاصرة من حولنا عن الإسلام في جوانبها الاقتصادية والإعلامية والاجتماعية وغيرها ، يحدث نوعاً من التناقض بين القيم والمبادئ التي يؤمن بها المسلمون و بين المخالفات التي توجد في تلك الجوانب من حياتنا .
والناس من حولنا ينقسمون في مواجهة هذا التناقض إلى الأصناف التالية : أولاً – التكفيريون والثوريون الذين أفرطوا في إيمانهم بوجوب اتفاق شؤون الحياة كلها مع تعاليم الإسلام ، واستحلوا من أجل تلك الغاية النبيلة كل الوسائل مهما كانت قسوتها ودمويتها ! متناسين بذلك منهج التدرج والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وغيرها من مبادئ الدعوة إلى الله تعالى وأصولها المعتبرة .
ثانياً – أولئك الذين فرطوا بالقيم الإسلامية وانهزموا أمام كل ما يأتي من الغرب المتقدم مادياً والمنتصر عسكرياً واقتصادياً ، فتراهم يطالبون الحكومات والمجتمعات المسلمة بتلقف كل ما هو غربي حتى لو كان الغرب نفسه يشتكي من ويلاته ومساوئه ! مثل الاختلاط بين الجنسين في المؤسسات التعليمية وإقامة الاقتصاد على أسس ربوية واحتكارية .
ثالثاً – الجهلاء والبسطاء الذين لا يستقرون على رأي ولا يتخذون مبدأً بالحياة ، وهم من حذر منهم الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال : ( لا يكن أحدكم إمعة ، يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت ) ! فهؤلاء يتبعون الصوت الأعلى والطرف الأقوى فتارةً ينحازون لضمائرهم وعقولهم وتارةً لشهواتهم وعواطفهم الرخيصة .
رابعاً – وهم الصنف الذي يهمنا ممن آمنوا بأن الإسلام يتعدى كونه ديناً إلى كونه منهجاً شاملاً للحياة ، فاعتنقوه كدينٍ للتعبد ونظامٍ للحكم واقتصادٍ للتداول وأخلاقٍ للتعامل وغير ذلك من مظاهر الحياة الإنسانية ، مع أخذهم بالاعتبار البون الشاسع ما بين المبادئ التي يؤمنون بها والواقع الذي يعيشون فيه ، فتراهم يأخذون الناس لجادة الصواب بحكمة وأناة مصداقاً لقول الله تعالى : ( ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) .
وأحسب أن الأخوين عبدالعزيز المرزوق وعبدالعزيز الخترش من أسرة إدارة التعاملات الإسلامية في بنك الكويت الوطني من الصنف الرابع ، حيث التقيت بهما قبل حوالي أسبوعين في ديوان آل الرفاعي الكرام في المنصورية فوجدتهما في غاية الحماس والجدية ، من أجل التوسع في تلك المعاملات الشرعية لحين الوصول بها لكي تكون بنكاً إسلامياً متكامل العناصر والخدمات وبرقابة مشتركة من البنك المركزي وهيئة شرعية معتبرة خلال عام واحد من الآن بإذن الله تعالى .
وقد لفت جدي / السيد يوسف الرفاعي – أطال الله في عمره - انتباه الحاضرين إلى أهمية ما تمثله هذه الخطوة من توسع في مفهوم الاقتصاد الإسلامي وتأكيد لنجاحاته الباهرة ، حتى غدت دولة الكويت على حد قوله رائدةً بين كافة الدول الإسلامية في هذا الميدان فنرى البنوك الربوية العالمية تتسابق الآن في تقديم الخدمات المصرفية والصناديق الاستثمارية التي تتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، بعد أن كانت تجربتا بنك دبي الإسلامي وبيت التمويل الكويتي هما التطبيقان الوحيدان للاقتصاد الإسلامي في فترةٍ ماضية .
لكن فرحتي هذه بخطوة بنك الكويت الوطني تلك قد تضاءلت بعد أن رأيت حملة هذا البنك المعنونة بشعار : ثلاث أجيال وبنك واحد ، فهذه الحملة ذكرتني بأن البنوك الربوية تعمل في دولة الكويت منذ عام 1954 حتى الآن ، مما يعني خمسين عاماً من قبولنا المتواصل بالحرب المعلنة والعداوة المشهرة مع مقام الله سبحانه وتعالى القائل: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) ومقام النبي عليه الصلاة والسلام الذي حذرنا بقوله: (درهم ربا أشد عند الله من ست وثلاثين زنية) !
آمل أن يكـون هذا الجانب المصرفي غير الشرعي آخذٌ بالتلاشي ، وأن تكون تلك التجربـة الإيجابية الوليدة في البنك الوطني هي رؤية البنوك الربوية لمستقبل عملها في وطننا خصوصـاً وعموم البلاد الإسلامية ، وأتمنى أن نرى في كل يومٍ تلاشياً جديداً في التناقضـات التي نراها بين جوانب حياتنا المعاصرة ومبادئ الإسلام الخالدة والصالحـة لكل مكانٍ وزمان ، ولا أخشى أي لومٍ أو مسائلةٍ جـراء أمنيتي هذه فهي مطابقـة لأوامر الله عز وجـل قـبـل كل شـيء ، ومنسجمة مـع رؤية واضعي الدستــور الكويتي الذي قرروا فـي مذكرته التفسيرية الملزمة بأنه : ( لا يمنع النص المذكور– أي المادة الثانية – مـن الأخذ عاجلاً أو آجلاً بالأحكام الشرعية كاملةً وفي كل الأمور إذا رأى المشرع ذلك ) ، والله أكبر ولله الحمد .