بدأت فترة العكننة التي تعقب الإجازة الصيفية، ليس فقط لأننا نحن الآباء والأمهات عدنا إلى روتين العمل والواجبات اليومية، ولكن لأن الاستعداد للعام الدراسي الجديد يعني الصداع لفترة تمتد إلى نحو ثلاثة أسابيع، بعد أن أصبحت "العودة إلى المدارس" موسما تتكرس فيه كل الممارسات الاستهلاكية التي صارت ميسم مجتمعاتنا: فالحقائب المدرسية يجب أن تتغير مجاراة للموضة، وهناك المقلمة، أي علبة الأقلام فهذا يريد مقلمة من ديزني، وذاك يريدها من دبليو دبليو أف وهي اتحاد المصارعة الأمريكي الأشهر، ووزارات التربية عندنا تقوم بتغيير الزي المدرسي على نحو شبه منتظم، ولا أظن أن لذلك التغيير صلة بالعملية التربوية!!
وهناك هم توصيل العيال من وإلى المدارس، وقد يحتج أحدهم بأنه "يتعقد" لأنه يتنقل بتويوتا كورولا بينما غيره يتنقل بتويوتا كروزر!! ثم تفتح المدارس أبوابها ويستمر النزيف الاستهلاكي لأن المعلمين في العالم العربي يتميزون على نظرائهم في بقية أنحاء العالم بحرصهم على الكتاب المدرسي (الذي يتم تمزيقه بعد نهاية الفصل الدراسي المعني)، فيطلبون من التلاميذ أن يتم تجليد تلك الكتب بنوعيات معينة من الأغلفة البلاستيكية، وفي مدارس البنات تحرص كل معلمة على ترك بصمات ذوقها الخاص على الكتب فكتب الجغرافيا يجب أن تكون بأغلفة تركواز، وكتاب الرياضيات بغلاف مارون فاتح، وكتاب اللغة العربية فوشيه (لاحظت في الآونة الأخيرة ظهور لون اسمه أوف وايت... يعني أبيض وليس أبيض والله أعلم)،.. وتحرص بعض المعلمات في المدارس الخاصة على وجه التحديد على جعل "أعياد" ميلادهن مناسبات رسمية تقوم خلالها الطالبات بتقديم الهدايا لهن،... تذكر الواحدة منهن "عَرَضا" أن "عيد ميلادها" يوم الجمعة... و"أشوفكم بخير يوم السبت"... وتبلغ البجاحة ببعض المدرسات أنهن يبهدلن التلميذات اللواتي لا يقدمن لهن الهدايا أو يقدمن لهن هدايا "دون المستوى": إيه ده؟ كل سنة فريم بتاع صورة؟
ومع هذا فإن الكثيرين من الآباء والأمهات يحسون ببعض الراحة لبدء العام الدراسي: يرجعون إلى واجباتهم المدرسية ونرتاح نحن من وجع الرأس ومشاجراتهم التي لا تنتهي مع بعضهم البعض، وسر ضيق معظمنا بضجيج العيال خلال الإجازات منشؤه أننا صرنا أنانيين وصرنا آباء وأمهات مشغولين بأمورنا الخاصة، ويشكل وجود العيال الدائم في البيت عبئا على برامجنا الخاصة، فللعيال متطلبات تستوجب الوفاء بها التضحية بمتطلبات الأم والأب في زمن لم يعد لنا فيه مزاج أو استعداد للتضحية، ولو بالوقت المخصص للونسة ولعب الورق مع الربع!! ولعل بعض القراء وقفوا عند الحكاية التي نشرتها "الوطن" عن خادمة تشاجرت مع ربة البيت عندما حاولت الأخيرة ضرب طفلها البالغ من العمر سنتين، فلأن الخادمة التصقت بالطفل بحكم وجودها الدائم معه فقد صارت تكن له مشاعر الأمومة، في حين أن الأم الأصلية لم تحتك بالطفل كثيرا فلما أزعجها باقترابه منها فقدت أعصابها وقررت ضربه!! واعتبرت الأم المزعومة دفاع الخادمة عن طفلها تطاولا وطلبت من زوجها طردها وإعادتها إلى بلدها، ولو كنت مكان الزوج لعقدت قراني على تلك الخادمة وطردت الزوجة!! لايرنست همينجواي رواية مشهورة اسمها "لمن تُدَقُّ الأجراس" والسؤال مطروح على كل من لديه عيال في المدارس!!