متتابعة هي الأحداث المحلية والدولية التي تتطلب من رجال القانون وقفات متأنية، تذكر الغافل وتبين للجاهل الرأي القانوني الصحيح بشأنها، ومقالي هذا هو الثالث من اجتهاداتي الشخصية في هذا الصدد، راجيًا المولى سبحانه أن أوفق للصواب فيها ويتحقق الخير منها: الوقفة الأولى – القانون الجديد للمجلس البلدي: إن الصخب الذي صاحب موضوع مطالبات المرأة السياسية قد ساهم في تفويت فرصة الدراسة المتأنية لذلك القانون الحيوي الذي تم إقراره، ولكن قسم القانون العام في جامعة الكويت لم يرغب بمجاراة ذلك التعجل المريب! فكانت له مشكورًا حلقة نقاشية قيمة حول القانون 5 لسنة 2005 بشأن بلدية الكويت على ضوء العرض الشيق الذي قدمه د. أحمد الفارسي لمواده.

وأبرز ما جاء في تلك الحلقة كان شبه الإجماع الأكاديمي حول شبهة عدم دستورية القانون الجديد، لتخليه عن الاستقلالية التي كفلها الدستور في مادته رقم 133 التي نصها: (ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها) ، وهو ما خالفه القانون عندما واجه تطرف القانون السابق رقم 15 لسنة 1972 الذي وضع جميع الصلاحيات بيد رئيس المجلس البلدي (المنتخب)، بتطرف مضاد تمثل في نقلها كاملة ليد الوزير (المعين) المختص بالبلدية!

أشكر الأساتذة الذين ساهموا في التنبيه إلى ذلك الخلل التشريعي ومنهم أساتذتي: د. محمد المقاطع ود. محمد الفيلي ود. صبري السنوسي ود. محمد العتيبي، آملاً من مجلس الأمة المبادرة بإصلاح الوضع أو أن تقوم المحكمة الدستورية بذلك عند عرضها عليه.

الوقفة الثانية - القضاء المصري والانتخابات الرئاسية: ما زال العطاء المصري يتواصل ليغذي الحياة القانونية العربية بأسرها، فلم تكتفي مصر بدور قانونييها وقوانينها في صياغة البناء القانوني العربي المعاصر، ولكنها تقدم الدروس تلو الدروس في أخلاق المهن القانونية والثبات على مبادئها السامية.

فقد رفض رجال القضاء المصري الإشراف على الانتخابات والاستفتاءات المقبلة دون تقديم الحكومة لضمانات حقيقية لنزاهة واستقلالية تلك الممارسات الديمقراطية، فلا يعقل أن يخسر القاضي شرف مهنته عبر التصديق على ممارسة يثار حولها اللغط ! وبذلك يكون القضاء المصري قد انحاز لجانب الشعب ممثلاً بحركة (كفاية) وجماعة (الإخوان) وحزب (الغد) ذوي المطالب العاقلة والمعقولة.

الوقفة الثالثة – جمعية المحامين الكويتية: كم كانت مستغربة مشاركة مجلس إدارتها في التوقيع على بيان التجمع الوطني والمنبر الديمقراطي والتحالف الوطني (الليبراليين) وغيرهم بشأن إقرار المشاركة السياسية للنساء في المجلس البلدي.

وليس المستغرب كون الجمعية مؤيدة لتلك المطالبات أو رافضة لها لأن لكلتي وجهتي النظر أسانيد جديرة بالاحترام، ولكن الغرابة تكمن في توقيعها على بيان يرفض إشراك المرأة في ذلك المجلس بحجة تضمنه لضوابط شرعية!

وإن كان الموضوع قد حسم مع إقرار مجلس الأمة في 16/5 للمشاركة السياسية الكاملة للمرأة بكل المجالس وفقًا لضوابط الشريعة الإسلامية ولله الحمد، إلا أن مشاركة جمعية تمثل شريحة كبيرة من رجال القانون بالتوقيع على بيان يخالف المواد 2 و 9 و 49 من الدستور، تبقى بالذاكرة ما بقيت مودتنا للقائمين على تلك الجمعية.

ختامًا: علينا أن نقرر الانحياز لمرجعية الدساتير والقوانين والعدالة أو للفوضى والتفرقة والظلم، أما وقوفنا على الحياد في هذا الصراع الدائر بين الحق والباطل فيجعلنا شياطين خرساء لا قدر الله تعالى علينا ذلك، فإلى أي الفريقين ستنضم القارئ العزيز؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية