بالنسبة لي اجد بهجة عندما افاجأ بنص أخذ من احد كتبي ونشر تحت اسم آخر عند ذاك اجد متعة هائلة في اعادة قراءة النص وأوهم نفسي بأنه بالفعل لهذا الرجل - لأن النساء نادرا ما يسرقن افكار الرجال ثم اتأمل الأسم‚ وان كانت ثمة صورة له أتأملها‚ واضحك بعمق في مكتبي المغلق بدون ان اعلم احدا لان مجرد معرفة هذا السر من قبل غيري يفسد على تلك المتعة اذن هذا الرجل قد بذل ما اعجز عنه - لأن اعادة كتابة نص ترهقني وتستفزني بصورة غريبة - وارسله إلى الصحيفة أو المجلة ونشره‚ وهو بكل تأكيد لم ينشر اسمه مع هذا النص حتى ينسبه إلى نفسه‚ بل كي يتلقى المكافأة‚ ولكنني اكون ايضا قد تلقيت مكافأة متعة قراءة هذا النص من جديد وكذلك قرأه من لم يتمكن من ذلك من قبل‚ والذي يهمني بالدرجة الاولى هو نشر الفكرة التي يمكن لها ان تقدم شيئا للناس‚ فلو غيرت شخصين اثنين فقط من ملايين القراء لكفاني ذلك‚
ان الافكار تبقى تنبض بروح مبدعيها‚ ثمة اناس يرسمون لسرقة الشمس في وضح الظهيرة‚ واخرون يرسمون بسرقة قمر الـ 14‚ لصوص‚‚ لصوص‚‚ لصوص‚‚ لصوص فنون عامة‚‚ لصوص آداب عامة‚‚ اينما وليت وجهك فثمة وجه لص‚ في عالم الاقتصاد يقال: من يشبط ابرة‚ يشبط خيطا‚ ومن يشبط خيطا‚ يشبط ماكينة خياطة‚ وفي عالم الادب من يسرق كلمة‚ يسرق سطرا‚ ومن يسرق سطرا‚ يسرق كتابا وفي عالم الاقتصاد يسطو اللص على اموالك فيشطبها ويجعلها له‚ وفي عالم الادب يسطو اللص على افكارك فيجعلها له‚ واذا كانت الاموال تصرف فإن الافكار لا تصرف‚ والمبدع الاصيل لا يحزن لسرقة افكاره‚ لكنه يسعد لهذا السطو حينما ينظر إلى هذه العملية من ناحية فكرية‚ فهذا اللص قد اجهد نفسه في الاقتباس وفي الاعداد للنشر والطباعة‚ وبالتالي اطلق هذه الافكار مجددا إلى النور‚
مرة حدثت لصوصية غريبة‚ ارسل كاتب موضوعا إلى كاتب مشهور لينشره في مجلته التي يرأس تحريرها‚ ولكن مضت شهور وسنوات حتى فقد الكاتب غير المشهور الامل بنشر موضوعه‚ ولكنه بعد سنوات فوجىء بنشر موضوعه في مجلة واسعة الانتشار في بلد آخر وبقلم رئيس تحرير المجلة الاولى التى اعتذرت عن نشره بصورة غير مباشرة‚ فما كان من كاتبنا إلا ان فضح الامر في الصحف التي سارعت إلى نشر المقال المسروق بنسخته الموجودة عند الكاتب‚ وما اشفع له
وزاد في قوة ادعائه هو صدقه انه مازال محتفظا بإيصال الرسالة المضمونة التي عليها اسم المرسل والمرسل اليه وتاريخ ورقم الارسالية‚ وعند ذلك بدا رئيس التحرير شهما واعترف بالامر مع بعض المبررات التي دفعته لذلك وطوى الموضوع‚
الاحداث متعددة في عالم اللصوصية الادبية وفي مختلف اجناس الأدب وعادة يحدث ما يلي:
- ان يسرق كاتب معروف موضوعا من كاتب مبتدئ فيطوره ويعيد صياغته بأسلوبه الناضج‚
- ان يسرق كاتب مرتزق موضوعا في مجلة قديمة لكاتب غير معروف ومن الافضل ان يكون متوفى‚
اما غرض الاول فيكون ترسيخ قدمه في عالم الادب بناء على فكرة يقنع نفسه بها وهي ان هذا الشخص قد خطرت له هذه الفكرة العظيمة‚ لكنه لا يمتلك موهبة ومقدرة التعبير عنها بنحو عميق‚ اما هو فيمكن له ان يخرجها بأسلوبه وخبرته وفصاحته اللغوية‚
واما غرض الثاني فيكون أنه محتاج وسائل وجائع وبدل ان يتسول أو يسرق اموالا فيرى نفسه في السجن فإنه اتى على مقالة ميتة في مجلة ميتة فأحياها وتلقى مكافأة عليها انقذته من سين وجيم الشرطة والمخافر‚ وحتى لو كشف امره فإنه لن يتعرض للسجن لانه لا توجد مخافر ثقافية في البلاد العربية وايضا فإن صاحبها الميت الذي انقطعت اعماله عن الدنيا هذا الجندي قد احياها لينتفع بها مجددا وعند ذاك فقد يشفع له اقدامه هذا على النشر بأن يسامحه ذاك الرجل الميت في يوم ما فقد كانت المنفعة متبادلة في هذه اللصوصية ومادام ان كل شيء في النهاية يكون في خدمة القراءة وبالتالي فإن مبدع الفكرة الاصيل هو الذي سينتفع بها يوم القيامة فهذا النشر المجدد هو صدقة جارية قد اسهم في اخراجها واحيائها هذا الجندي الذي يسمونه لصا‚
في الواقع فإنها مسألة مثيرة للجدل‚ ولكن ومع جميع المبررات فإن اللص هو كائن عديم الحياء وغير مؤدب بشكل جيد ولا يمكن له ان يلقى احتراما حتى في نفسه‚ فسارق الادب هو سارق مرتين مرة في سرقته لافكار الآخرين ومرة سرقته لقبض قيمة هذه الافكار المادية فهو يسرق الفكر ويسرق المال معا وايضا يسهم في نشر لصوصيته وما اقترفت يداه بالدرجة الأولى‚ والاصل عندما يجد مسؤول ثقافي نصا قيما لكاتب مبتدئ هو ان يشجعه ولو ببعض التدخل بنشره وتقديمه للناس‚ والاصل ان يبحث الثاني عن مصدر عمل آخر يرتزق منه لأن سرقة الكلمة لهي اشد من سرقة الدينار‚‚ وبالتالي فهو بذاته سارق للدينار‚ ويمكن له فيما بعد ان يقع على اي شيء آخر فيسرقه‚ وايضا يمكن له ان يتجرد من الاخلاق شيئا فشيئا حتى يمشي عاريا اخلاقيا والعري الاخلاقي لهو اشد هتكا من العري الجسدي لأن العري الاخلاقي هو عري فوق الثياب وكم من اناس يسيرون في الاسواق بكل ثيابهم ولكنهم عراة.