لنترك مجلس الشورى وشأنه. لن نتطرق لآليات صنع القرار في هذا المجلس العتيد.. ولا لمآلات قراراته وتوصياته. كما لن نتطرق لجدوى الإجازة ولا لموقعها من أيام الأسبوع.
يقولون أن تأخير الإجازة يوماً واحداً سيؤدي إلى التوافق في أربعة أيام عمل مع باقي دول العالم.. ما سيسفر عن المزيد من الإنجاز والمزيد من الأرباح والأقل من الوقت المهدور. الذين يكبروننا قليلاً يذكرون فترة من التاريخ كانت الإجازة الأسبوعية الرسمية مقصورة بها على يوم الجمعة.. بدون اعتبار لـ (خصوصية) يوم الخميس! هذه أيضاً سنغض الطرف عنها.. سنفترض أن تلك الفترة هي بمثابة (جاهلية) عابرة.. لم تترسخ بها المعايير الحاسمة المذكورة بعاليه.
لننتقل إلى موضوع مختلف بالكلية. فأحد المواقع الإخبارية الإلكترونية ذكر مؤخراً أن فتوى أخرى قد صدرت بتحريم مهرجانات الزهور التي تقام بالرياض والجبيل وسواهما. هذا الخبر وإن لم يكن مؤكداً.. إلا أنه يتسق مع أصوات عدة تُعارض المهرجان على أساس أن توقيته يتوافق مع فعاليات مماثلة تقام في دول أخرى.. بعضها له مظاهر شعائرية. أصحاب هذا الرأي يرون كذلك أن تخصيص وقت محدد من السنة للاحتفاء بالزهرة هو من قبيل البدعة. وإن إعطاء هذا القدر من الاهتمام لأشكال الحياة الخضراء ليس سوى اتباعاً للثقافات المغايرة ودخولاً آخر في جحر الضب.
ربما أشار البعض إلا أن القائمين على المهرجان المذكور مجبرون على إقامته في الفترة من السنة حيث يحل (الربيع).. الفصل الذي تتفتح فيه الوردة أصلاً. ربما ذكر آخرون بأن الزهور محل الاحتفاء إنما يتم عرضها في أماكن مفتوحة على الملأ حيث يمشي الرجال والنساء كل يوم وتنتفي حجج الاختلاط المشبوه. قد يتهور أحدهم ويذكر شيئاً عن معاني الجمال وأهمية تنميتها في المجتمع. هذه كلها حجج مضادة قد تكون منطقية.. لكننا سنتجاهلها وسنعتبرها محض سفاهات.
عد عشر سنوات من الآن.. ستتغير بلادنا كثيراً. هذا القول ليس مبنياً على قدرة خارقة على استقراء المستقبل.. ولا هو تحذير مبطن لأحد بعينه. إنه مجرد إقرار بسنّة كونية. كيف كان الحال قبل عشر سنوات من الآن؟ العقد من الزمان ليس بشيء في أعمار الأمم والأوطان. لكن خلال عشر سنوات من الآن فإن صغاراً كثراً سيكبرون. سيتحولون لكائنات شابة متدفقة بالحيوية وبالرغبة في الإنجاز.. وفي التغيير.
حين نتأمل الأطفال وهم يلعبون بمرح في الشوارع والحواري، أو في الحدائق العامة.. إن وجدت، فإن علينا أن نفكر بأنواع اللعنات التي سيستمطرونها على رؤوسنا حين يكبرون. حين يتأملون الموروث الذي مررناه لهم، الانتصارات التي حققناها لهم.. والهزائم التي تركناها ليتجرعوا هم مراراتها.
منذ قرن ونحن نحيا بنمط أهل النار: كلما دخلت أمة لعنت أختها. كل جيل يحمل الذي قبله مسؤولية خيبته وتخلفه بين الأمم. وهذا الجيل لا يبدو استثناءاً للقاعدة. هو لا يبدو كذلك بريئاً من الاتهام عطفاً على ما تشير له مصفوفة عريضة متطاولة من الفتاوى والتصريحات والأحكام الصادمة غير المنتمية للمنطق.. والصادرة عن مختلف أنواع (المصادر المسؤولة).
الآن.. وفيما نحن نتأمل في حالنا ووضعنا كمجتمع مسلم متحضر. فإن كثيراً من زفرات القهر وتساؤلات "ماذا لو؟" تتصاعد ملقية باللائمة على العقليات التي أدارت المرحلة السابقة.. أياً كانت. أول ما يبدأ به المخططون والمنظرون للمرحلة القادمة هو تبيان عيوب من سبقهم.. إيضاح كيف كانوا يفكرون خارج السياق، بعيداً عن أهداف المرحلة.. بعيداً عن مراعاة متطلبات الأجيال القادمة.
حين تكون مفكراً.. أو خبيراً.. أو مخططاً مؤتمناً، فإن أول ما يتوقع منك هو أن تفكر في خلق غد أفضل.. وليس مجرد جعل الغد نسخة عن اليوم. تجميد الحاضر وتوريثه للقادمين ليس سوى طريقة أخرى لهدم مستقبلهم. والتعلل اعتباطاً وعرضاً بديباجة من الحجج والأعذار.. حتى لو كانت تحمل –مجردة- معاني سماوية سامية.. هو جرم آخر لن تغفره أجيال أبنائنا.
بعد عشر سنوات من الآن سيتلفت أبناؤنا وبناتنا من حولهم. هم في أحسن الأحوال سيضحكون حتى تدمع أعينهم على جيل سبقهم جعل من الوردة مسألة شرف وعقيدة. وتشاور كبراؤه حول الخصوصية القومية للإجازة الأسبوعية. وتوقف مفكروه مطولاً حول حكم الجمع بين إناث القردة وذكورها في أقفاص حدائق الحيوان.
هذا الجيل، سيترحم –في أحسن الأحوال- على الذي سبقه.. قبل أن يغوص في دوامة المشاكل الحقيقية التي ورثها كابراً عن كابر. أو لعله يكون أشد بِراً بنا.. فيتعلم منا كيف يُغرق ذاته في وحل من الترهات واللاشيء.. مغمضاً عينيه عن قضاياه المصيرية وكأنها جزء من العدم. ليستحق بدوره نكات، أو نقمات، الجيل الذي سيليه.. لو كتب للحياة أن تستمر على هذا النمط!