البقية الباقية من أجساد لم تذق غير طعم الجوع ولم تلتحف سوى لباس الفقر .. تسحل وتسحق وتذبح فى فلسطين الآن !.
البقية الباقية من أبناء الشهداء وزوجاتهم وأخواتهم والمرابطين والمكافحين يقتلون بأيدى "الفدائيين" .. الآن !
الثأر والحمية ودعوى الجاهلية تدور رحاها ويطير هواؤها الملوث بالداءوالدماء فى كل مكان فى غزة .. الآن ! تحت الإحتلال ..و تحت خط الفقر عاشوا .. ويعيشون الآن موتى تحت خط القهر .. قهر الإنسان لأخيه الإنسان ابن الوطن المقهور فى الأمة المقهورة !
حركة فتح، التي يتولى زعيمها محمود عباس الرئاسة، حرص نشطاؤها على اقتحام البيوت، واعتلاء الأبراج السكنية، واستهداف مواقع القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، وإحراق المحلات التجارية، ونصب الحواجز على المفترقات والطرق، والسيطرة على مقار بعض الوزارات.
أما حماس التي يترأس إسماعيل هنية -أحد قادتها- حكومة الوحدة الحالية، فقد رد نشطاؤها بمهاجمة مقار ومراكز الأجهزة الأمنية التي تسيطر عليها فتح، والمربعات الأمنية التي يتمركز فيها مسلحو فتح، وعناصر الأجهزة الأمنية وأفراد جهاز حرس الرئاسة.
صوت الحرب يبدو عالياً يصم الآذان .. رصاصات حية , وترسانة من المواقع إلكترونية , والقنوات الفضائية .. الكل داخل فى الحرب وعلى جميع الأصعدة ..فلتان أمنى - اعلامى تحريضى متوقح .. ومن يتابع ما تقوم به فضائيتا " الأقصي " , " الفلسطينية" على سبيل المثال لا الحصر من تأجيج منقطع النظيرلنيران الكراهية والثأر .. يدرك البطولة المتناهية !
قتلة ملثمون همجيون لا يرمش لهم جفن يرمون الأبرياء بالرصاص فى جرائم حرب لا لبس فيها كما وصفتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" للدفاع عن حقوق الإنسان متهمة المجموعات الفلسطينية المسلحة بإرتكاب "جرائم حرب" ضد مدنيين خلال المعارك العنيفة بين الفلسطينيين في قطاع غزة.
صحافييون واعلاميون داخل القطاع تحولوا إلى مشلولين فاقدين للقدرة على النطق والكتابة خوفاً ورعباً من أن يتعرضوا للقتل .. حواجز بالعشرات يتوقف عندها الناس ليس لأنهم فلسطينيون وإنما" فتحاوى "ولا "حمساوى" ؟!.. فتيات المدارس الثانوية يؤدون امتحاناتهم من وضع الإنبطاح أرضاً .. بينما يسود لجان امتحاناتهم الذعر والبكاء . أى امتحان وأى مستقبل إذاً ؟
صديقتى الباحثة والإعلامية المرموقة زينات أبو شاويش المقيمة بالقاهرة تحاول الإتصال بأسرتها فى غزة .. تقول : الرصاص يمطرهم من كل مكان ولا يفرق بين كبير وصغير، ورائحة الموت تعبث بآمال آهل قطاع غزة، والحزن والألم والمرارة اصبحت عناوين مرسومة علي وجوه اهالي القطاع هناك اقتحام لنابلس جاءنى صوت أخى عبر الجوال : حبيبتي معلش مش هاعرف احكي معك عندنا اقتحامات الان" أما أمى فصوتها يقتله الحزن" احنا بخير لازلنا علي قيد الحياة، اللي ربنا كاتبة راح نشوفه يا بنتي وما تقلقي "وهي لا تقول لي هذه الكلمات عندما يقتحم اليهود المخيم فقد عهدتها صامدة صابرة الا انه عندما يقتل الاخ اخاه تشعر بمرارة الموقف فتتحشرج الكلمات ويسكن الصمت ملامحها هكذا .. أما صوت دارين ابنة عمى فيصرخ " لابد نتحرك بسرعة الناس هون بتموت مليون مرة باليوم والناس نايمة ما في حدا حاسس فينا الجوع والحصار والاعتقال والتعذيب والقتل وانتهاك المقدسات اشي بيقهر" اما " صديقتها بمخيم جنين فتقول " والله وضعنا كتير سيء اخذت بنت اخي اوصلها للامتحان فتفاجئنا بعشرات الحواجز في شارع عمر المختار حتي وصلنا للمدرسة وبعد ان دخلت البنت للجنة الامتحان صار طخ بين انصار فتح وحماس فامروا الصبايا بالانبطاح علي الارض، البنات انهاروا بلجنة الامتحان والوضع كتير سيء الناس بطلت تطلع من بيوتها الخوف هو سيد الموقف الان والله ما كنا بنخاف من اليهود هالحين احنا مش عارفين مين اللي بيقتل مين حسبي الله ونعم الوكيل".
تنتحب صديقتى .. ناهد لابد أن نفعل شيئا.. أى شئ .. نفكر بصوت عال .. ندعو لمسيرة .. ندعو الإعلاميين للإضراب والإعتصام بنقابة الصحافيين المصرية ؟ .. ندعو لإعتصام يعقبه مؤتمر حاشد بالنقابة يضم كافة القوى الوطنية والأحزاب ؟ .. نحادث الإتحاد العالمى لعلماء المسلمين؟ .. نتكلم مع .., نراسل ...., لابد حدا يتحرك .. يتدخل,, لابد نفعل شئ !
نحتار كثيرا ثم يأتينى صوت صديقتى الفلسطينيةالإعلامية المغتربة التى وهبت نفسها لقضيتها باكياً منهاراً مرة أخرى " ناهد .. يا ليتنى ما كنت بفهم .. يا ليتنى ما كنت بحس .. يا ليتنى ..يا ليتنى .."
حنا فى زمن ما بينفع فيه الفهم ولا الفكر ولا الإحساس .. بكره تدخل قوات دولية ونبقي عراق جديد..آآآآآآآآآه........... يالله !
ولأننى أعلم أنها تحمل عقل مفكر وقلب عصفور , وخوفاً على صحتها التى تتردى وتصل إلى حد الجلطة بالمخ كلما اشتعلت أحداث كهذه صرخت أنا الأخرى" كفاية أرجوك ارحمى نفسك يا حبيبتى لن يكون الحل أن يموتوا هم هناك وتموتين أنت هنا " !
ولا أدرى لماذا عدت بذاكرتى إلى الأمس القريب حينما كتبت صحافة إسرائيل متعجبة عن نساء بيت حانون ومسيرتهن الشهيرة فى نوفمبر 2006 الفائت وعلى لسان القادة والمعلقين الإسرائيليين حيث وصفوهن بـ "أسطورة التاريخ"، وصرح وقتها السياسي الإسرائيلي يوسى بيلين رئيس حركة "ميريتس" مؤكداً أن موقف سيدات بيت حانون سيضفي المصداقية والاحترام على النضال الوطني الفلسطيني وحذر من أنهن سيصبحن مثالا سيحرص الفلسطينيون والعرب والمسلمون في جميع أرجاء العالم على الإقتداء به. أما العسكري الجنرال زئيف شيف فقد تحدث عن نساء بيت حانون اللاتي صنعن تاريخا بإيمان كبير وعقيدة صلبة، بل ووصف ذلك بأنه عمل مهم وسيدرس في كتب التاريخ!
ومن ذكريات نساء بيت حانون إلى حضن غنمته من "أم نضال" خنساء فلسطين وإحدى النائبات اللاتي فزن في انتخابات حماس في مارس الماضي.. هذه الحضن كان في القاهرة أثناء رحلتها العلاجية التي تمكنت وقتها من إجراء حوار صحفي معها وسألتها وأنا الأم ولست الصحفية: كيف جهزت ولدك وودعته ودفعته إلى عرين العدو؟ فردت ببراءة وتلقائية: يا بنتي أنا ربيته للجنة مش للدنيا!
سافرت بعدها أم نضال ورأيتها مجدداً ولكن فى صورة صحفية على صدر الصفحة الأولى لإحدى الصحف اليومية وسط حطام بيتها الذي قصفته قوات الاحتلال.. أم نضال منحتني حضنا دافئا وأنا في بلدي وهى الآن بلا بيت.. بلا حضن.. ومنذ زمن بلا وطن!
ألا تصرخين فيهم يا أم نضال ويا كل أمهات فلسطين " ربيناكم للجنة !!"
إنهم لا يسمعون أحداً يا أماه فهل يسمعون صوتك .. فصوت الأم = صوت الأرض = صوت الوطن .. أو بمعنى أصح " بقية وطن " ؟!
إنها مأساة غير عادية فى وطن غير عادى .. قوات احتلال تقصف , وتعتقل , وتقتل .. وتأبي غزة على الإنصياع لكل هذا القهر .. الذى وبالوقت ذاته لا يستعصي عندما يصبح بأيديهم .. نعم بأيديهم يقهرون غزة ويقهرون بعضهم البعض .. قهر الإنسان لأخيه يشهد عليه الحجر والشجر فى غزة وكان المفترض أن ينادينا الحجر والشجر ولكن أين هو " مسلم" أين هو " عبد الله " , إنه الآن عبد الهوى والنفس والشيطان, وعلى الخلفية مسجد أقصي ينهار !
فهل نحن بالفعل فى زمن لا يصلح فيه الفهم ولا الفكر ولا الإحساس؟!
واااااااااااأقصاه .
وااااااااااااافلسطيناه .
وإنسانااااااااااه.
يا ربااااااااااه.