تعودنا على مقولة أننا "أمة لا تقرأ"، وهي مقولة روج لها الأعداء في أوائل القرن المنصرم مما حدا بهم إلي تأسيس كيانهم على أرض الرباط والجهاد. هذه المقولة تتعارض تعارضا مباشرا مع أول آي الذكر الحكيم من الله (سبحانه وتعالى) إلى آبي القاسم الحبيب محمد (صلوات ربي وسلامه عليه) والتي مفادها "إقرأ" بصيغة الأمر ليكون هذا هو الدرب الذي يجب على المسلمين والعرب أن يطرقوه.
لما وعى السلف هذا، وعلموا -يقينا- أنهم مستخلفين في الأرض لعمارتها، انطلقوا في أرجاء المعمورة حاملين مشاعل الحرية وناشرين العلم والنماء من خلال حضارة دامت زهاء ثمانية قرون، من القرن السابع إلي الخامس عشر الميلادي، ولم يكتفوا بما أنتجته الأمم السابقة عليهم بل زادوا عليه.
كانت أعمال أجدادنا هي القاعدة التي أسس عليها الغرب نهضته الأوروبية التي مازلنا نعيش في رحابها في السنة السابعة من الألفية الثالثة بعد ميلاد المسيح عيسى بن مريم، عليه وعلى أمه السلام، وقد اصطلح الغرب على تسمية هذه الفترة بـ "العصور المظلمة أو الوسطى ويا للعجب فمادامت الأيام قد دالت لهم، فهي عصور وسطى أو مظلمة مع إنها -فعليا- قد حملت الضياء للبشرية.
أما الخلف -إلا من رحم ربي- عندما غفلوا عن هذا الأمر، فأصبحوا لا يقرءون، وإن قرءوا لا يعقلون، وإن عقلوا لا يفقهون، وإن فقهوا لا يطبقون، وإن طبقوا فهم مخطئون! وتلك -لعمري- نتيجة طبيعية جدا لترك الأخذ بالأسباب والارتكان إلي الدعة.
حسنّ! لقد ولي زمن الفرسان، ولا يجدي البكاء على ما سكب من ألبان، فمادمنا نريد إصلاحا في أمتنا من المحيط إلي الخليج، فلن يتحقق هذا إلا بإعداد القوة، فهي السبيل لامتلاك رباط الخيل في إطار الزمان الذي نحيا فيه وليس بالإفراط في البكاء على من مات من الأجداد أو التفريط في الانتماء لأصولنا والمطالبة بالحق والعدل.
لا أعتقد بوجود من لا يصبو إلي الارتقاء والتنمية والعدالة، اللهم إلا لو كان باع القضية، وهذا لا يضيرنا في شيء لكن ما السبيل؟ المعرفة هي السبيل؛ فهذا العقل الذي وهبنا إياه الرحمن غايته التنوير، ولا تنوير بدون فهم، ولا فهم بدون قراءة.
ليس مطلوبا أن نلعن الناس فليس هذا من خلق المسلم والعربي كفرد، وفي إطار الجماعة -بحكم أنه مستخلف في أرض الرحمن- فنحن مطالبون بأن نقرأ بتمعن، ثم نفهم، ثم نعقل، ثم نفقه، ولكي تكتمل المعادلة لابد أن يتبع هذا الفقه تطبيق سليم وإلا فما فائدة العلم إن أخطأنا التطبيق؟
العلم حجة على أصحابه وليس لهم، وقد عاني الإسلام علي مدي عقود -بل قرون- من سوء التطبيق الذي حدا بغيرنا ألا يفهمنا، بل وتركنا الساحة للفئات الضالة، فقدمت لهم الفرصة كاملة على طبق من ذهب.
حسن! ها هي "دار ناشري للنشر الإلكتروني" أتمت عامها الرابع حاملة مشاعل المعرفة الإلكترونية، في العشر الأوائل من القرن الحادي والعشرين، لتضيء الطريق من خلال تقديم العلم في عالم غير ورقي، وهي -لعمري- مسؤولية كبيرة، لا يقع عاتقها على من يدير أو ويكتب فقط بل على الطرف الثالث في المعادلة -المتلقي- بصورة أساسية.
قد يظن البعض أن الجهاد هو جهاد الحروب. بلا شك هذا لون من ألوان الجهاد، لكن ماذا عن جهاد القول؟ وماذا جهاد الفعل (جهاد النفس)؟ بل وماذا عن جهاد العمل (أي التطبيق) في إطار الوسطية وبناء جسور الثقة والمحبة بين الناس؟
هلا حملنا المشاعل يرحمنا الله جميعا؟
هشام ماجد
التعليقات
أستاذنا الكريم هشام ماجد , سلمت يداك على ما خطته هنا ..
بلي، طوبى لكل من ساهم من أجل العلم المغبون حقه، وحسن مئاب.
توقعت سؤالا معين من القراء الكرام، ترى هل يستطيع أحد معرفته؟ لا تقلقوا فلا توجد يناصيب ثم أن الجائزة محجوبة مقدما
هل من مشمر؟
طيب سوف أطرح السؤال وأمري إلي الله: السؤال عنوان المقال، لماذا إستخدمت "مشعلا" بدلا من "شمعة"؟
فعلاً - أستاذي الكريم - فإن النهضة ليس حلمًا مستعصيًا من جانب، وليست سهلة المنال من جانبٍ آخر، ولكنها "أمل يحتاج عمل".
ما ذكرته جزء من أسبابي لذا فهى تصلح للأفراد وكذا "العشاء الرومانسي" ولا غبار عليه المهم أن يكون بين الأزواج وليس عشاء عمل مثلا
الإجابة الكلية أن الشمعة إختراع قديم منذ 3000 عام قبل الميلاد، ونحن في القرن الحادي والعشرين. أما عن "المشعل" فهو أداة صالحة للتطور تبعا لتكنولوجيا العصر؛ فمن قال أنه مشعل نار؟ قد يكون ليزريا، أو إلكترونيا أو يعتمد أية وسيلة أخرى.
أختتم بمعلومة: علميا "شدة الإستضاءة" أو "luminous intensity" تقاس بوحدة قياسية تسمى candela وهي مستوحاة من شمعة أو candle
بارك الله فيكم جميعا.
أسعد كمعلق في رؤية تفاعل كاتبنا العزيز مع تعليقاتنا المتواضعة، وأقدر مشاغل بقية الكتاب الفضلاء، متمنيًا لجميع أهل (الدار) دوام التوفيق في خدمة الأمة.
عودا للمقال: ألا ترون أن كثير من المشاعل قد صوبها أصحابها -عمدا أو جهلا- في الوجهة الخطأ مما حدا بها إلي أن تعمي القلوب والأبصار؟ لذا يجب الحرص عند توجيه المشاعل حتي تؤتي أكلها ولو بعد حين.
وختاما: لنر الطريق وليس نعمي أبصار بعضنا بعضا، فالإختلاف من طبائع الأشياء والعباد أما الخلاف فهو حيلة العاجز!
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة