في زمن الخيبات المتكررة هذا يعاني العرب من انهزامية كبيرة. لا يبدو خبر واحد باعثاً على التفاؤل في النشرة العربية بأسرها. هؤلاء العرب، المحاصرون من قبل سواهم بتساؤلات التخلّف والديمقراطية وحقوق الإنسان والإرهاب وسواها.. يمتلكون في المقابل ملَكَة فطرية عجيبة. إنهم قادرون على تمرير خيباتهم لبعضهم البعض. تعليقها في رقاب ذواتهم وتطهير أسماء مجموعاتهم الصغيرة –بلدانهم- من عار الفشل أمام الغير على حساب أي من الجيران. هذه حقيقة مضحكة تصطدم بسذاجة مع حقيقة أخرى تقول بأننا نمثل كُلاً واحداً عند (الآخر). العربي هو العربي بكامل صورته النمطية مهما كان لون بشرته أو دينه أو نوع الخرقة التي يضعها على رأسه.. هكذا يرانا الآخرون في الغرب والشرق.
مع كل التشتت (أو التنوع إن شئتم) الذي تضمه الخارطة العربية، يبرز التساؤل العتيد. لنتخيل أن اسماً واحداً فحسب سيتم اختياره ليمثل الوجود العربي في محفل ما.. في رسالة مبعوثة من أهل الأرض للفضاء الخارجي. من مِن الكيانات العربية هي الأجدر والأقدر على تمثيل الوجود العربي أمام باقي الكون؟ مع الشرح؟
هذا السؤال ربما كان الإجابة عنه أكثر سهولة قبل أربعين سنة. ربما تكفلت حقائق السياسة والاقتصاد بحصر إجابته بين عدة أسماء قبل عقدين من الزمان. لكن اليوم.. مع كل هذه الخيبات والانهزامات. كل هذه التوترات والحروب والحواضر المحتلة. مع كل البؤس والاستبداد والجهل. لا تبدو ثمة حاضرة عربية قادرة على مواجهة المسؤولية. لن تفلح واحدة وإن أرادت.
استحقاقات الصدارة كثيرة. ولن يتسع المجال لسردها كلها هنا. لكننا يمكننا أن نقسّم العالم العربي ارتجالياً بناء على معطيات محددة. هناك قسم الدول التي ترفل في الوفرة المادية مقابل الأخرى التي ترزح تحت الطحن الاقتصادي. هناك مجتمعات العمق السكاني مقابل الفقر البشري في أخرى. هناك أولئك الكادحون والموهوبون والآخرون الذين ليسوا كذلك. هناك المجتمعات المحافظة مقابل تلك المنفتحة. القريبون لأوروبا والموغلون في قلوب صحراواتهم. المتعددون لغوياً ودينياً والمتوحدون في كل شيء. المتكئون على تاريخ قديم وحديث مفعم بالحراك.. والمتكئون على التاريخ وحسب. هناك المحتلَّون.. و (الأحرار). تقسيمات كثيرة يمكننا أن نجترحها ونتخير منها ما يستلزمه مركز الثقل العربي المنشود. لا يحتاج الأمر لكثير تفنيد كي نصل لحقيقة سريعة مفادها ألا حاضرة عربية واحدة.. لا مجتمع.. لا دولة ولا مجموعة دول متشابهة تقع في الجانب المشرق لكل تلك التقسيمات. وتستحق أن تحوز على هذا الوصف.. أن تكون (هي) المثال العربي والصورة العربية.. بحيث لا يتحرك الباقون إلا بها ومعها.
هل يعد ثمة سؤال أصلاً خارجاً على المنطق ومحض ترف فكري؟ ألا يمكن إسقاط نفس الحجج أعلاه على أوروبا –مثلاً- لنكشف كم هي الأخرى ممزقة ومحملة بالاختلاف والمغايرة. بلى! لكن الفرق بيننا وبين أوروبا –مثلاً- هو أن هذه الأخيرة ستتحفك بعدة أمثلة تتناطح فيما بينها لتربع على القمة. عدة أسماء كل منها يوماً ساد العالم. ما ستنبهنا له الخواطر السالفة.. ما قد نعي له ونحن نقرأ المقال هو مقدار الضيق الذي اخترنا لأنفسنا أن تحرك خلاله. ومقدار الملامة والذنب التي نحملها لبعضنا البعض. نحن نتسابق لا لنصل للمركز الأول.. لكن لنترك لبعضنا المركز الأخير. نلقي على بعضنا مشاكل بعض ونتفنن لنحول أخطاءنا وعقدنا إلى رموز تميّز. ليس حباً في التميز.. ولكن فقط لنقهر بعضنا البعض ونصف باقينا بالنقص والتأخر.
هل من مجتمع، أو حاضرة؟ أو مجموعة دول عربية لا تمارس هذا؟ هذه.. إن وجدت.. ستكون هي عين إجابتنا!