كل عيد وأنت لنا وطن .. يا وطني .. كيف أناجيك هذا الصباح ، بأية لغة أقف في محرابك ، أمد يدي مصافحا ، لاثما جبينك الوضاء ، مقبلا يديك الطاهرتين ؟ . بأي إحساس غير الأسى واللوعة . أنت ما زلت أسيرا في الأصفاد ، تهوي عليك سياط الجلاد آناء الليل وأطراف النهار . لكنك ياوطني لم يقهرك القهر ، ولا نالت من عزيمتك الصعاب . كل عيد وأنت لنا وطن .. يا وطني .. هل حقا ينشق عاشقوك على عشقهم ، فيصبح العشق عشقين ، كل عشق في اتجاه ؟ . هل حقا يتربص العاشق بالعاشق الآخر ، فينقلب عليـه ، يدميه ، يرديه ، يسبح في دمه ؟ . كلا يا وطني ، لن ينفصم العشق في أحضانك ، لن يكون إلا عشقا واحدا ، لأنك أنت واحد ، وستبقى واحدا .
كل عيد وأنت لنا وطن .. وطني .. أيها الواحد الوحيد الموحد أبد الدهر . كنت وما زلت ذلك الوحيد الواحد ، تمتطي صهوة التحدي والتصدي . لم تترجل يوما عنها . لم تلن قناتك في خضم التمرد على طغيان جلادك . لم تكسر شموخك العاديات ولا الصعاب . لم تنل من كبريائك ليالي الأحـزان . لم تطأطىء هامتك الشماء إلا لله الجبار .
كل عيد وأنت لنا وطن .. يا وطني .. واحد أنت وحيد موحد ، وحاشاك أن تكون اثنين . أنت لا تقبل القسمة . القسمة لعنة وحاشاك أن تحل بك هذه اللعنة . القسمة شرك بك يأباه المنتمون إليك حقا . القسمة فتنة يطفىء نيرانها المؤمنون بك على طريق الخلاص ، الساهرون في ليالي الإغتراب والمنفى انتظارا لفجر العودة إلى أحضانك الطاهرات .
كل عيد وأنت لنا وطن .. يا وطني الحبيب ، أيها الغالي المفدى ، لا يغـلو عليك غال ، ولا يعلو عليك عال . فكم مهرك عشاقك أرواحهم وما زالوا فداء لخلاصك . دماء عشاقك ملاحم بطولة يتغنى بها التاريخ أنشودة فخر واعتزاز . هذه الدماء لا يمكن أن تهون . لا يمكن أن تراق سدى في غير مسارات الوصول إليك . هذه الدماء محرمة إلا في سبيلها إليك وحدك ، ومن أجل خلاصك . هذه الدماء موعودة لك ، لا لغير الإنتماء إليك ، لا تراق بأيدي عشاقك . فمن أحبك يا وطني لا يسفك دم حبيب لك .
كل عيد وأنت لنا وطن .. أيها الوطن الساكن في وجدان إنسانك ، والمسكون فيك هذا الإنسان . مازال عشاقك يدخلون محرابك أفواجا أفواجا يرتلون لك أنشودة الحرية . هاماتهم ترنو إلى السماء بكبرياء ، تتوج جبين زمانك بغار التمرد . ترفع الكؤوس أنخاب انتصار ، تقيم أعراسا لعيد حريتك الموعودة به الأجيال . ويومها تسترجع الأعياد لونها المضمخ بالحرية ، المتفيء ظلال المجد والفخار .
كل عيد وأنت لنا وطن .. وأنت لنا وطن .. يا وطن الشهداء ، عاشوا رماحا تشق أسنتها المدى إلى صدور طغاة غربان الليل الجاثمين على رحابك الطاهرة . عيون أطفالك ، براعم حريتك يصلون لله ، وهم موقنون أن شمسك سوف تطل في الغد ، مهما طـال الإنتظار . ويوم لامست شفاههم ثراك الطهور ، لتطبع القبلة الأخيرة على جبينك الأشم ، استحالوا إلى مشاعل تضيء فضاءات أجيال ، خرجوا من رحمك ، وكيف لا وهم سيخرجون يرسمون بالنور والنار ملحمة تلون زمانك بالسؤدد وتعطر مكانك بالإباء .
كل عيد وأنت لنا وطن .. يا وطن الجرحى .. روت دماؤهم ثراك العطشان لمطر الحريـة . وهل إلا دماء جرحاك مطر الحرية ، ينهمر مدرارا على مغانيك جبلا جبلا سهلا سهلا رابية رابية واديا واديا . وهل غير دماء جرحاك تحمل الربيع إلى ربوعك الخضراء ، فيتجذر زيتونك ويشمخ صفصافك ، ويشتعل ترابك قناديل عشق وياسمين .
كل عيد وأنت لنا وطن .. يا وطن الأسرى .. تمردوا على قيود عبودية هذا الزمان الملطخة كفاه بالسواد والطغيان . أسراك أيها الوطن الأسير ، وهبوك شبابهم مهرا لعرس حريتك . تحدوا المستحيل ركبوا الأهوال .. شقوا غبار الموت والدمار . وها هم الآن خلف القضبان يطرزون لك من عنادهم وشاح كبرياء ، ينظمون لك من إصرارهم مسبحة حرية ، يرسمون لغدك من سنا محياهم شمسا لا تغيب .. شمسا لنهارات وعد لا يخيب .
كل عيد وأنت لنا وطن .. يا وطني .. آمنت أنك ستعود واحدا موحدا . عشاقك يا وطني ما كانوا إلا موحدين متحدين في الإنتماء إليك ، في التضحية بالنفس والنفيس في مذبح حريتك وخلاصك . ستعود واحدا موحدا ، سيدا حرا . ستفتح أحضانك الطاهرات لكل عاشقيك . أنت ملاذهم الأول والأخير . يومها يكون العيد الأكبر ، عيد الحرية والخلاص ، عيد العودة الكبرى إلى ربوعك الخالدة .