حين استعدت سيرة الفقيد إسماعيل فهمي وزير خارجية مصر الأسبق (*) لم استطع أن استوعب أن ثلاثين سنة فقط تفصلنا عن تلك الأيام. يا الله، كم نالنا من الأذى والفرقة والذل والصغار في هذه الفترة البسيطة! وهل نحن اليوم أبناء أولئك الرجال العظام أم أننا من طينة أخرى، ولماذا؟

وحين أردت أن أعرف مصدر قوة إسماعيل فهمي، تلك القوة التي أهلته للوقوف في وجه أربعة من رؤساء الدول هم عبد الناصر والسادات وبريجينيف ونيكسون فإنني لم أجد لذلك سوى سببين أثنين. الأول انه تربى وشبّ في عصر كانت فيه الأصول أصولاً والحقوق حقوقاً والرجال رجالا. لم نكن قد ابتلينا بالثورة بعد، بما فيها من خروج على الآداب والعرف، واستهانة بالقانون والدستور وتأليه الحاكم وتسلط المخابرات. فقد التحق إسماعيل فهمي بوزارة الخارجية أيام الملك فاروق وعمل ممثلاً لمصر في الخارج طيلة حكم الثورة إلى أن أصبح وزيراً، أي أنه لم يجرع من الذل جرعة واحدة. والسبب الثاني لقوة هذا الرجل أنه كان يعتقد أن مواجهة الرجال أسهل عليه كثيراً من مصادمة ضميره وقناعاته. كان يغلب ضميره وعقله في كل مسألة ويتصرف على هذا الأساس بحيث يصل في النهاية إلى راحة البال والقلب بغض النظر عن أية نتائج. وهذه بعض من مواقف إسماعيل فهمي التي يظهر فيها معدنه.

 

إسماعيل فهمي بين نيكسون وكيسنجر

 

1- موقف مع ابنه الأكبر حامد:  ذكر اسماعيل فهمي في مذكراته(**): "بينما كنت أقرأ مدونة  الندوة قبل نشرها طلبت من ابني الأكبر حامد أن يقراها و يخبرني برأيه فيها ففعل، وكان تعقيبه الوحيد " أبي إن هذا سوف يجلب المتاعب"  فطلبت منه أن ينحي هذا الناحية جانباً، وسألته :" كشاب مصري تخرج في الجامعة وحصل على بعض التعليم الأجنبي وأتم خدمته العسكرية، هل تعتقد أم لا تعتقد أنه ينبغي أن يكون للشعب المصري الحق في أن تطرح الحقيقة أمامه وأن يمنح الفرصة في أن يدرس الموقف ثم يختار – إذا كان ذلك ممكنا – الطريق الذي يعتقد أنه مناسب؟"، و كانت اجابته الموجزة المحددة "إمض قدماً" ووافقت على نشر نص الندوة". والندوة التي يشير إليها عقدها مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في مايو 1972 وقد نوقشت فيها السياسة الخارجية المصرية علناً -للمرة الأولى والأخيرة- من قبل الخبراء والمثقفين وخرجت بنتائج تتعارض تماماً مع سياسة الدولة). ولم يكن الولد بعيداً عن الصواب، فقد عرض وزير الخارجية الدكتور مراد غالب على الرئيس السادات قراراً جمهورياً بتنحية إسماعيل فهمي عن منصبه كوكيل لوزارة الخارجية بناءاً على أفكاره التي عبّر عنها في تلك الندوة، لكن الله سبحانه وتعالى شاء شيئاً آخر لم يخطر على بال الولد ولا الوزير: إذ أُعفي مراد غالب نفسه من منصبه ليحل محله إسماعيل فهمي!


2- موقف مع الرئيس السادات:  ذهب إسماعيل فهمي يودع السادات إثر تعيينه سفيراً في ألمانيا الغربية – على عادة السفراء في مثل هذه الحالة- ولم يكن قد قابله من قبل مطلقاً. فاستقبله السادات لمدة ساعتين ونصف بدل الدقائق القليلة المعتادة في مثل هذه الزيارات الرسمية. يقول إسماعيل فهمي:" وأدهشتني الصراحة التي تحدث بها السادات معي; حيث أخذ يشرح آراءه، ويطلب معرفة وجهة نظري حيال مجموعة مختلفة من الموضوعات. ولكنني أدهشته أيضاً إذ كنت معه منذ البداية صريحاً للغاية حيث قلت له: إنني أقدر كثيراً كل ما فعله من أجلي في الماضي، وبدون معرفة سابقة، إذ وافق على تعييني وكيلاً للخارجية، ثم رفض توقيع مشروع القرار الرئاسي بإقصائي عن هذا المنصب، ثمم اختارني في النهاية سفيراُ لدى ألمانيا الغربية، ولكنني صارحته بألا ينتظر أن ينتج عن عرفاني بالجميل الموافقة على آراءه طوال الوقت، وأوضحت له أنه إذا تعين أن تستمر علاقتنا فإنني سوف أبلغه دائماً وبصراحة بما أعتقد به تماماً على أساس من اقتناعي وضميري. ولم يكن هذها موقفاً جديداً أتخذه، ولكنه كان موقفاً عميق الجذور داخلي يععو إلى تربيتي، وفترة شبابي. واستمع إلي السادات في دهشة وقال: إسماعيل، إن هذا غريب جداً، فالكثير من الناس لا يقولون لي ما قلته الآن".


3- موقف مع عبد الناصر:   في أواخر عام 1960 استدعيَ إسماعيل فهمي للقاهرة للإستشارة، وعندما وصل إليها أُبلِغ أن عبد الناصر وافق على طلب لباتريس لومومبا رئيس وزارء جمهورية الكونجو أن ترسل له مصر مستشاراً للسياسة الخارجية، وبأن عبد الناصر قد اختاره لهذا المنصب. ويجدر بالذكر أن مصر في هذه المرحلة قد قررت أن تلقي بثقلها وراء لومومبا في محاولته للسيطرة على البلاد، فأقامت بعثة دبلوماسية وعسكرية كبيرة في العاصمة برازافيل، وقدمت جنودا مصريين لقوات الأمم المتحدة في الكونجو. يقول فهمي لقد دهشت وانصدمت في نفس الوقت لهذا التعيين ولم يكن عبد الناصر يعرفني بصفة شخصية. كنت أرى أنه من الغريب أن يختارني لمثل هذا المنصب الحساس دون التشاور معي ودون أان يعرفني وبخاصة لأنه أبلغ لومومبا بهذا التعيين دون ـأن يعرف ردة فعلي. بالإضافة إلى هذا، كان من الواضح أنه لم يَرِدْ على خاطر عبد الناصر أو من حوله أنه يجب أن يتأكدو من أن المستشار الذي يرسلونه إلى لومومبا سوف يوافق على السياسة التي يفضلها عبد الناصر – وهي جعل لومومبا زعيما راديكالياً، وكنت شخصيا أعتقد أن عبد الناصر يشجع لومومبا على التقدم على طريق يؤدي إلى كارثة فإذا عملت كمستشار للومومبا فلن استطيع سوى أن أقترح أن ينتهج لومومبا سياسة معتدلة. ونجحت في إيصال وجهة نظري إلى الرئيس الذي قام بدوره بإلغاء تعييني. ولو أندم أبدا على قراري هذا، فبعد فترة قصيرة سقطت الكونجو في فوضى شاملة و أطيح بلومومبا الذي اغتيل في وقت لاحق.   


4- إسماعيل فهمي في مواجهة بريجينيف آخر رئيس قوي للاتحاد السوفياتي:  كانت مهمة اسماعيل فهمي مع السوفييت صعية للغاية. فقد كان رئيسه السادات لا يثق بهم، ولا هم وثقوا بالسادات يوماً. وكانت مصر قد طردت الخبراء العسكريين الروس جميعاً عام 1972، وبدأت في الوقت نفسه بتنمية علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولكنها كانت لا تزال تحتاج للكثير من الأسلحة الروسية والدعم السياسي السوفياتي. وهنا أثبت إسماعيل فهمي أنه دبلوماسي محترف من طراز رفيع. فقد استطاع ملاحظة وتحليل وفهم أسلوب تفكير وعمل القيادة السوفييتية بشكل دقيق، وملك من الجرأة ما مكنه من بلوغ أهدافه وتعميق الصداقة معهم عبر التشدد معهم ومهاجمتهم في عقر دارهم بصراحة شديدة متخطياً أعراف البروتوكول والمعاملات الدبلوماسية! لعبة لن يتأتى للكثيرين تكرارها، لتبقى درساً في الفن الدبلوماسي الرفيع.
وسأكتفي بضرب مثال واحد لذلك مع ما ما أمكن من اختصار: يوم 23/1/1974 استقبل بريجنيف إسماعيل فهمي بترحاب هائل، ثم بدأ الاجتماع الرسمي الموسع بالترحيب الرسمي به وبالوفد المرافق له، ثم انفجر بريجنيف بدون مقدمات كالبركان يلقي بالحمم والرماد. واستمر بريجنيف محتداً لمدة ثلاث ساعات بنفس القوة والكلمات الحادة، وهو يطرق المائدة باستمرار. فسحب إسماعيل فهمي مقعده للخلف، وأخرج سيكاراً كبيراً باستياء وطلب من المترجم أن يستأذن بريجنيف في تدخين السيجار، فأجاب بريجنيف بالتأكيد، وكان يجب أن يفعل ذلك منذ البداية، فقال الوزير فهمي للمترجم إني لا حظت أنه منفعل وأنه انتهى من تدخين علبتين للسجائر، ففهم بريجنيف الرسالة وتوقف فجأة وقال: "لقد انتهيت" وأعطى الكلمة للوزير المصري الذي قال بأنه سيرد بصراحة كاملة، وتمنى من بريجنيف وزملاءه أن يفهموا صراحته لأن الصداقة لا يمكن أن تنموا وتزدهر ما لم تُناقش المشكلات القائمة بصراحة وكما هي في الواقع، وليس كما نريد أن تكون.


فشرع إسماعيل فهمي في الرد الموضوعي الهادئ والصريح للغاية على كل ما قاله بريجنيف، بحيث كان كالقناص يطلق بتمهل رصاصة واحدة في كل مرة ولكن في قلب الخصم. وكان أشد ما قاله أن المساعدات العظيمة التي تمن بها روسيا علىالعرب لم تمكنهم يوماً من مواجهة إسرائيل ولا من تحرير الأراضي المحتلة. وعندما وقعت الثغرة وامتنع الروس عن تزويد مصر بالسلاح  وقطع الغيار بعد وقف إطلاق فقد خذلوا مصر في أحرج لحظة في تاريخها ولم يتركوا لها خياراً آخر إلا الدخول في محادثات فك الاشتباك مع العدو.
وكان مما قاله إسماعيل فهمي أن روسيا تسيء فهم العلاقة مع مصر. فمصر ليست دولة صغيرة أخرى بل إن عوامل استراتيجية وثقافية وتاريخية جعلت مصر بلداً ذا دور خاص ليس له مثيل في الشرق الأوسط وأفريقيا. وأن عبد الناصر بإبرامه صفقة الأسلحة التشيكية منح الاتحاد السوفييتي تأشيرة دخول للشرق الأوسط بأسره، وأن القيادة السوفييتية إذا ما ظلت تراكم خطأ فوق آخر فإن مصر ستصدر لها ختذكرة خروج بإلغاءها لمعاهدة الصداقة المبرمة بين مصر والاتحاد السوفييتي، وهي الوحيدة بين الاتحاد السوفييتي ودولة أخرى خارج نطاق حلف وارسو. وأخيراً قال فهمي قال له أن الكرملين ليس معبداً ليحج له العرب وأن السادات قد زاره مرتين وأن عليه الآن أن يرد الزيارة، وإن جروميكو وزير لخارجية الاتحاد السوفييتي منذ 18 عاماً وأنه لم يقم حتى الآن بزيارة واحدة لسوريا أو الجزائر، فأجاب بريجنيف " أنت على حق وقد أصدرت تعليماتي للرفيق جورميكو أن يقوم فوراً بزيارة دمشق والجزائر" كما طلب من الوزير المصري تحديد موعد لزيارة بريجنيف لمصر. وقد وثق بريجينيف بإسماعيل فهمي لصراحته المطلقة وعدم إخفائه شيئاً عن أصدقائه وطلب أن تكون العلاقات مع مصر مستقبلاً عبر شخص إسماعيل فهمي فقط.


5- موقف مع نيكسون:  في نهاية اكتوبر 1973-شهر الحرب-  وفي أول زيارة لوزير مصري لأمريكا منذ عام 1967 قال نيكسون للوزير فهمي مهنئاً على أداء الجيش المصري في تلك الحرب: "كرئيس للولايات المتحدة وكأمريكي وكريتشارد نيكسون فإنني أحترم هؤلاء الذين يحاربون جيداً ويضحون بأنفسهم. ويجب أن أعترف لك بصفاتي الثلاث أنكم قمتم بالقتال بصورة جيدة، ونحن نحترم هذا". واستمر نيكسون يقول:" إنه نتيجة لذلك تغيرت كل الصورة، وقد أصبح موقف الولايات المتحدة وموقفه كرئيس لها مختلفين الآن" وأعرب عن رغبته في لقاء الرئيس السادات. وخاض نيكسون بوجود كيسنجر محادثات هامة حول وقف إطلاق النار بين مصر إسرائيل وآفاق السلام والأهم من هذا عودة ضخ البترول العربي. فأخبره فهمي أن البترول سيعود في الوقت المناسب ولكن بالتدريج ومع كل تقدم في عملية السلام. وقد ظهر في هذا الاجتماع أن نيسكون لا يخاف اليهود، وأنه يقدم المصلحة القومية الأمريكية على أي شيء آخر وكرر هذا المعنى بأكثر من طريقة. وقبل أن تنتهي المحادثات عبر إسماعيل فهمي عن خشيته من أن يسفر الاجتماع المقرر غداً بين نيكسون وجولدا مائير عن مفاجآت غير سارة وقال لنيكسون:  "إن هناك شائعات تقول أن لقاءه مع جولدا مائير سوف يسفر عن التزام أمريكا بمساعدة عسكرية جديدة لإسرائيل". فأجاب نيكسون قائلاً: "كان هذا في الماضي". وفي نهاية الاجتماع أصرّ نيكسون على مصاحبة الوزير إسماعيل فهمي حتى السيارة، وفسر  تصّرفه هذا قائلاً: " في الأحوال العادية أصحب وزراء الخارجية حتى الحديقة حيث تمت خطبة ابنتي باتريشيا، ولكن حتى أظهر للصحافة وللجميع اهتمامي بمصر و الموقف الأمريكي الجديد تجاهها فسوف أصحبك حتى سيارتك". وفي اليوم التالي وبعد نهاية زيارة جولدا مائير وقف نيكسون أمام الصحافيين ليقول: " كان لقائي برئيسة الوزراء بنّاءاً مثلما كان لقائي بالوزير فهمي أمس". وكانت هذه ملاحظة لم يسبق لها مثيل، فلم يحدث قبل هذا أبداً أن وضع رئيس أمريكي مصر وإسرائيل على نفس المستوى أبداً. ولم يغب هذا عن الصحافة، حيث أبرزت هذه الأنباء في التلفزين والإذاعة وفي الصفحات الأولى من الصحف.


6- في مواجهة اليهود: في 21/1/1973 عقد في جنيف مؤتمر لفك الاشتباك بين مصر وإسرائيل، غابت عنه سوريا وحضرته أمريكا وروسيا والأردن وفلسطين والأمم المتحدة إضافة لمصر. وقد أصر إسماعيل فهمي على التمسك بالحقوق العربية كاملة بدءاً بالتمسك باتباع الإجراءات الشكلية مثل أماكن جلوس الوفود وذلك لمنع جلوس الوفد الإسرائيلي بجانب الوفد المصري، وضرورة أن ترسل إسرائيل عسكريين للمؤتمر حتى يظهر بجلاء أن غاية هذا المؤتمر عسكرية فقط وتتعلق بفض الاشتباك بين القوات. ومنع اليهود من الكلام بالعبرية لأنها ليست من لغات الأمم اللمتحدة واضطرهم للكلام بالفرنسية، وأخذ المبادرة بحيث تكون لمصر الكلمة الأخيرة في ذلك الاجتماع. وكان كل هذا ضرورياً لإشعار اليهود بالعداء وبصلابة المفاوض العربي وأنهم لن يحصلوا على شيء بسهولة أبداً.


7- مع كيسينجر: طالب كيسنجر أن يستقبله وزير خارجية مصر عند سلم الطائرة في كل مرة يصل فيها إلى مصر مع هالة إعلامية كبيرة جداً، فقال له إسماعيل فهمي: لك كل ما طلبت بشرط المعاملة بالمثل تماماً.
وهكذا نرى أن الجميع يحترم الرأي المخالف القائم على العلم والدراية والمنطق السليم. كما أن الجميع يقدر الرجولة والجرأة ويعتبرها أساساً لبناء الثقة واحراز الاحترام. وأن من يتصرف بما يرضي ضميره، يساعده الله ويفتح له الأبواب المغلقة.


ختاماً:  إن كل ما في هذه المقالة كان من مصدر واحد وهو مذكرات إسماعيل فهمي المنشورة باسم: "التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط". وقد حاولت عبثاً الحصول على مراجع عربية أخرى حول نفس الموضوع، فما وجدت شيئاً ذا بال.
فالسادات في كتابه "البحث هن الذات –قصة حياتي" يتجاهل تماماً ندوة الأهرام وتنحية مراد غالب، ولايذكر إسماعيل فهمي إلا في الفصل الرابع عشر وفي الصفحة 323 من ذلك الكتاب ليقول: "وهنا أحب أن يعرف الناس أن وزير خارجيتي خاف من المبادرة. فعندما كنا نستعد للسفر لسوريا اعتذر كتابياً عن مصاحبتي بسبب المرض، فقلت لا بأس... يمكنه أن يصاحبني إلى إسرائيل. ولكن نائب رئيس الجمهورية شرح لي الأمر بعد ذلك وهو أن الوزير معترض على المبادرة كلها من أساسها. وإزاء هذا قلت له إنني لا أكلف أحداً بأن يفعل شيئاً غير مقتنع به. ثم قبلت استقالته".

وهيكل في كتابه "خريف الغضب" لا يذكر إسماعيل فهمي إلا ليقول بأنه أعطى تعليمات للصحف بألا تنشر أي شيء مطلقاً عما قاله السادات في مجلس الشعب عن استعداده للذهاب للقدس.
أما أحمد منصور ففي مقابلاته على الجزيرة مع بطرس غالي  ضمن برنامجه" شاهد على العصر" وفي الحلقة الثانية المقدمة في 16/1/2005 فإنه يذكر بأن "إسماعيل فهمي كان من أقوى وزراء الخارجية الذين (جُم) أتوا في تاريخ مصر"، كما يذكر بأن: "إسماعيل فهمي ربما يكون الوحيد الذي كان صوته في مجلس الوزراء يعلو على صوت السادات".

أما ابراهيم كامل (الوزير الذي جاء بعد إسماعيل فهمي واستقال بدوره قبل توقيع معاهدة كامب ديفيد) فإنه لا يذكر في كتابه "السلام الضائع"  إسماعيل فهمي إلا ليقول أنه شخصياً كان سفيراً في ألمانيا وقت استقالة إسماعي فهمي وأن الألمان تعجبوا من هذه الاستقالة لما يكوننه للرجل من احترام كبير، كما يذكر أن الوزير فهمي كان يتصل خلال حرب اكتوبر بالألمان وغيرهم من الأوربيين ليتأكد من عدم سماحهم بعبور الجسر الجوي الأمريكي لأجوائهم لما في ذلك من خرق للحياد وللقوانين الدولية.

لكن الذي لفت نظري أن الوزير ابراهيم كامل يستاءل في نهاية كتابه: "هل السادات خائن أم مخبول"؟ في حين يقول إسماعيل فهمي في بداية كتابه: " بينما كان السادات يعتقد بالفعل أن %99 من حل مشكلة الشرق الأوسط في أيدي الولايات المتحدة وحدها، فإنه قرر أن يخفي مثل هذه المبادرة الهامة (زيارة القدس) عن الرئيس كارتر. فهل كان التزام السادات بالصمت حيال هذا جزءاً من اقتناعه الشخصي أم كان خضوعاً أو استجابة لرغبة إسرائيل؟".

_________________________________________


(*)  إسماعيل فهمي من مواليد عام 1922 ،حصل على ليسانس الحقوق عام 1946 وعمل في وزارة الخارجية فور تخرجه، وشغل منصب مندوب مصر الدائم للأمم المتحدة من عام 1949 وحتى عام 1957. ثم أصبح نائباً لرئيس فرئيساً للمنظمة الدولية للسياحة والأمن حتى عام 1967 وترقى في وزارة الخارجية إلى أن دخل الأحداث في مايو عام 1972 وهو وكيل الوزارة للشؤون الخارجية وسفيراً في النمسا في وقت واحد، ثم أصبح وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، وقد استقال في 17/11/1977 احتجاجاً على زيارة السادات للقدس، وتوفي يوم 17/11/1997 رحمه الله. – جريدة الخليج الإماراتية – العدد 6762 – ص17- الصادرة بتاريخ 23/11/1997.
(**) اسماعيل فهمي- التفاوض من أجل اللاسلام في الشرق الأوسط، الطبعة الأولى، مكتبة مدبولي، القاهرة 1985

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية