الفساد الذي منيت به أمتنا العربية والإسلامية أفضى في غالبيته إلى أنماط تسييرية أقل ما يقال عنها أنها بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقي والوضع الراهن لما بعد عصر التكنولوجيا،كما أن هذه الأنماط التسييرية لا علاقة لها بالإفرازات العالمية على مستوى التقدم والتطور الرهيب الذي يشهده العالم في كل لحظة من لحظات الزمن.ولا أدل على ذلك ما تعرفه الشعوب العربية قاطبة من تدحرج في معيشتها اليومية،و إصابة حالتها الاقتصادية بوباء الغلاء الذي بات يؤرق الأسر العربية بل بات يرهن حتى مستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة لما في الأمر من خطورة كون هذه الأسر لم تعد تحتمل عبء مصاريف الحياة من أكل وشرب ومدارس وهلم جرا من مستلزمات الحياة المستعصية.
هذا الفساد السياسي المتوارث عند هذه الأمة هو الذي دفع بالأوضاع العامة إلى التعفن وشيوع اليأس في كثير من المحطات الحياتية،ودفع بالكثرة الكاثرة من الشعوب العربية نحو الإفلاس المقنع،فمن هذا الفساد السياسي استنسخت أغلب الموبقات،ومعظم الأوبئة الثقافية التي مع مرور الوقت أصبحت ديدنا بل دينا وعقيدة يمشي عليها الجميع لا سيما المسيرون سواء كانوا وزراء أو مديرون عامون أو ما دون ذلك.وبما أن الذين وُكّلوا علينا وعلى هذه الأمة كمشرفين على يومياتنا وعلى حياتنا الاقتصادية وحتى الاجتماعية،كونهم استمرأوا الفساد والإفساد و السحت والغلول،فإن الشعوب نفسها ألفت أن ترقب الوضع من بعيد،وتعيش على هامش الحياة أملها فقط في يوم تتغير فيه أحوالهم إلى ما هو أحسن مما هي عليه حاضرا،وهكذا يبقى وضع الجميع معلقا ما بين الفساد وما بين الانتظار وبين الفساد والانتظار من غير المستبعد أن يجرفنا الموج المتحكم في تلابيب هذه الحياة العصرية.
المسيرون عندنا – إلا من رحم ربي- لم يعرفوا واجبهم المنوط بهم كما ينبغي ولو أن أغلبهم يظل يردد مقولة أن المسؤولية قبل أن تكون تشريفا فهي تكليفا،وأنها أمانة وخزي يوم القيامة،لكن الحقيقة أن اغلبهم يعتبر المسؤولية جزء من كيانه ووجوده بل حياته ،كما أن أغلبهم يتمنى أن يدوم الفساد السياسي حتى يظلوا في أمكانهم يمارسون هوايتهم المفضلة في احتقار الخلق،وتوظيف الإمكانات التي تحت أيديهم لصالحهم ولصالح أفراد عائلاتهم والمقربين منهم من ذوي الزلفى والأزلام.
هناك من المديرين العامين العرب الذين وجدوا أنفسهم صدفة مسؤولين دون أن يكون ذلك طموحا منهم،يعتبرون أن ذلك المنصب حق لهم بما أن الاختيار قد وقع عليهم من قبل الهيئة العليا التي تختار مثل هذه المناصب العليا،وحتى لا نظلم الجميع فإننا متأكدون أن هناك مديرين عامين أيديهم ناصعة بالبياض،أنقياء وصلوا إلى المنصب بالعمل والمثابرة وليس بالتعيين المباشر،أو بالواسطة المشبوهة،لكن دائما تبقى حالات شاذة لا يمكن بأي حال من الأحوال أخذها كعينة قياس،لأنه ببساطة الفساد استشرى كما النار في الهشيم ولم يعد هناك مجال صراحة للفرز بين ما هو صالح وما هو طالح،وبين ماهو غث وما هو سمين.
الإشكالية في جوهرها ليست في أن مديرا عاما تم تعيينه لعدم كفاءته،أو أن له صلة بالوزير الفلاني أو بالجهة العليا في الدولة،الإشكالية تكمن في أن هذا المدير العام لا يريد أن يصارح نفسه في المرآة أنه مجرد بيدق لا يساوي شيئا في عالم التسيير والقيادة،فقط أنه محظوظ كونه وجد فرصة سنحت له مقارنة بالآخرين.
كما أن الإشكالية تكمن في أن هذا المدير العام فبدلا من البحث عن نفسه من خلال كم الملفات التي على مكتبه ليعالجها باستشارة أهل المعرفة في ذلك،تراه ينطلق في البحث عن كيفية تحقيق أهدافه في الاستحواذ على أقصى ما يمكن من المتاع.وطبيعي جدا أن يفعل هذا المدير العام كل ما يحلو له بما أنه أولا جاء بالتعيين فلم يتعب نفسه أو يتذوق مشاق السلم الإداري كما هو معمول به في الدول الغربية التي تحترم نفسها وتحترم مكانة المدير العام، ثانيا أنه يبدو أمام نفسه غير مسؤول تلك المسؤولية المقدرة في الدين والعرف والقانون،فكل ما هنالك أنه يحسب أن هذا المنصب تشريف له وبذلك عليه أن يغتنم الفرصة لئلا ينقلب عليه أولوا النعمة ويطرد من نفس الباب الذي دخله أول مرة.
وعندما نقول أن المديرين العامين يسرقون فليس المعنى من ذلك تلك السرقة التي يعرفها القاصي والداني لأنه عندما يتم اختيار شخص لمنصب مدير عام فهذه في حد ذاتها سرقة لكنها سرقة مقننة،لأنه من غير المنطقي أن يأخذ شخص غير كفء مكان شخص كفء،ليعيث بعد ذلك في المسؤولية فسادا ويبيد كل قدرات تلك المؤسسة باسم الاختيار وباسم التعيين،ومن أراد أن يتأكد فليعمل مسحا عاما للمؤسسات في العالم العربي ليقف على صدق ما نقول،أو لا يعمل هذا المسح على الإطلاق يتأمل فقط في نفسه وفي محيطه ويسأل نفسه لماذا نحن متخلفون ومنهكون ومقهورون،سيجد الإجابة حتما لدى المسؤولين عندنا وبطبيعة الحال كل حسب مستواه الوظيفي وإن كان الفساد هو نفسه سواء كان في القاع أو كان في القمة.
لم أرد أن أذكر ما هو مشاع أن مفردة المديرين تكتب مدراء لأن هذا خطأ شائع،وكثير من المديرين من يظن أن عبارة مدراء هي صحيحة وأنا على يقين أن لا أحد من هؤلاء المديرين من حاول عناء نفسه وبحث عن مدلولها اللهم إلا مدلول ما يأخذه وما يستفيد منه.لكن لو كنت من اللغويين الذين يضبطون أسس اللغة لأمرت بأن تكون مدراء بدلا من مديرين،لا شيئ سوى أن مدراء عندما نبحث عن وضعها اللغوي نجدها تقترب من جمع التكسير وهذا الصنف من المديرين لا يعرف من التسيير سوى التكسير،تكسير كل ما تحت طائلته،وما تقع عليه عينه القاصرة على التسيير،أما كلمة مديرين فهي جمع مذكر سالم ولا أحسب أن هذا الصنف يسلم أي شيئ يقع ضمن خانة مسؤوليته.
لا أود الخوض في ماهية المسؤولية وما جاء به الإسلام به وما ينجم عنه أمام الله يوم القيامة،لأن ذلك معلوم بالدين من الضرورة فما أريد أن أنبه إليه أن يدرك الجميع أن الخطر هو ليس من إسرائيل،ولا من أمريكا ولا من بوش،وإنما الخطر هو من مثل هذه الأصناف التي تعيش بين ظهرانينا وتمارس علينا تسييرها الأعوج.
بل هناك من المديرين العامين من تضربه زوجته،ولا يجرؤ على أن يرفع وجهه في وجهها، وقد يقول قائل ولكن هذا المدير العام له هيبته أمام موظفيه وأمام المجتمع،والإجابة هي أن ما يأخذه هذا المدير العام هو الحرام ومعلوم عن الحرام أنه قنبلة تنفجر في العائلة قد لا تبقي ولا تذر،وليرني أحد مسؤولا أو مديرا عاما يتعامل بالحرام ويسرق،له أسرة متماسكة!
تجادل مدير عام غربي مع مدير عام عربي حول من يستطيع أن يبين للآخر قدرته الفائقة على سرقة المال العام،أو مال الشعب فقال المدير العام الغربي: أنا عندما وصلت إلى هذا المنصب بفضل تسلقي السلم الإداري وقد تطلب مني عشرين سنة من الجهد والعمل المضني،فقد كنت أسرق من الصفقات حيث كنت أعطي الصفقة مقابل رشوة تدخل في حسابي الخاص،أو هدايا مادية على شكل سيارات وغير ذلك،وأضاف هذا المدير العام الغربي :لقد كنت أعمل ليل نهار كي لا تفلس الشركة التي أنا أقودها لأنني سأفضح لو أفلست،وقام هذا المدير العام بأخذ المدير العام العربي إلى الخارج ليريه الشركة من الخارج بحيث رغم أنه يسرقها إلا أنها لا تزال قائمة والعمال يتقاضون أجورهم، وعندما جاء دور المدير العام العربي وكان قد أخذه معه إلى حيث مستقره،وقد طلب من المدير العام الغربي أن يخرج معه إلى نزهة في البر،فلما وصلا إلى مكان خال من أي سكان قال له: تعرف يا صديقي أنا استطعت أن أصل إلى منصب المدير العام في ظرف سنة على تسلمي وظيفتي فقط لأن الوزير الذي عينني أعجب بسباحتي في المسبح ،فسأله المدير العام الغربي وماذا عن سرقاتك،،فقال له: أنظر إلى هناك مشيرا إلى الجهة الخالية من السكان،،فقال له المدير العام الغربي أنا لا أرى شيئا سوى أرضا قاحلة،،قال له صاحبنا نعم أنت تراها أرضا قاحلة لكن أنا أراها سدا من السدود،وجسرا طويلا بكيلومتر واحد،فاندهش الغربي قائلا له وأين السد والجسر،فرد عليه صاحبنا: الحقيقة أن هناك مشروعا لبناء سد وجسر في المكان الذي أشرت لك عليه،لكني استطعت أن أقول أني بنيت هذا المشروع،سد وجسر لكني أخذت ميزانيته،بعبارة أخرى سرقت المشروع جملة وتفصيلا،،أريأتم كيف يسرق المديرون العامون عندنا وعندهم!