تناولت في المقالة السابقة التغيرات الجذرية التي حدت بعلماء الفلك إنزال "بلوتو" من فوق عرشه الذي إستقر عليه لمدة تناهر 76 عاما، فأضحى قزمًا بعدما أمسى كوكبًا متوجًا، وقد يتساءل البعض منا "ما لنا ولهذا الموضوع؟ تلك حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل." لكني أرى أن هنا مربط الفرس.
حسن! بعيدا عن مسمياتنا الصحراوية، فإن التطورات العلمية التي تتلاحق منذ عصر النهضة الأوروبي قد جعلت العالم حاليا في ركب الحضارة الغربية، على الأقل من الناحية العلمية والتكنولوجية، هذا إلى جانب محاولات دءوبة لجعلها ثقافية أيضا.
إن النظم العلمية والتعليمية التي أسس الغرب عليها حضارته –مع إدراكي لأيديولوجيته المختلفة عنا- لهى من المرونة بما بسمح لمثل هذه التغييرات أن تأخذ مجراها، ولسوف تتغير كتب العلوم من الآن فصاعدا لكي تضيف هذه المعلومة الجديدة إلي رصيد المعرفة الإنسانية بصفة عامة، وتشب عليها أجيال جديدة وقد تشيب عليها حتي يأتي من يحدثها. وهكذا دواليك.
نعم، سوف تقولون -كالعادة- أن الغرب الرجيم قد أسس حضارته على أطلال حضارتنا العربية الإسلامية التي سادت العالم ثمانية قرون، في تلك الفترة المسماة بالعصور الوسطى أو المظلمة، لكن سبحان الله على تلك الأيام التي يداولها ربي بين الناس! تعجبي يرجع إلي المسميات؛ فنظرا لكون حضارة اليوم حضارتهم فإنهم يصفون تلك الفترة بأنها مظلمة، بالرغم من أنها -فعليا- قد حملت الضياء والنور للعالم من خلال أعمال علمائنا رحمه الله عليهم. لكن أليست هذه هي النسبية؟
سبحان الله مثنى وثلاث ورباع لو أحببتم! لماذا هم "فاعلون" بينما نكتفي نحن بأن نكون "مفعولا به؟" الإجابة -وإن كانت بسيطة في ظاهرها إلا أن تطبيقها تناسيناه- يتمثل في أن الله (سبحانه وتعالي) قد جعل لهذا الكون المحكم البناء سننا؛ من أخذ بها فلح، ومن تركها كلح، بعض النظر عن ديانته.
لهذا، فإن أول ما أنزله الله (سبحانه وتعالي) من آي الذكر الحكيم على الحبيب محمد (صلوات ربي وسلامه عليه) كان "إقرا" بصيغة الأمر، ليكون هذا هو الطريق الذي يجب علينا أن نسلكه إن كنا نريد سعادة الدارين، وأمرنا -سبحانه- بالتفكر في خلق السموات والأرض وليس التفكر في كيفية إهدار الوقت فيما لا يفيد، أو البكاء على أطلال قد صاغها من وري الثرى بعد عناء وجهاد، أو إستحضار أرواحهم لينقذونا مما نحن فيه.
أحبائي: من مات قد أدي ما عليه، فماذا عنا؟ دعوني أتساءل معكم فيما يلي:
* أوليس الاختلاف من طبائع الأشياء والعمران؟؛
* ألم يخلقنا ربي شعوبا وقبائل لنتعارف وليس لنتفنن في تضخيم الخلافات؟؛
* ألم يأت آبا القاسم (صلوات ربي وسلامه عليه) ليتمم مكارم الأخلاق؟
* أليست مكارم الأخلاق هذه جزء من كل الرحمة للعالمين؟
* أوليس لدينا بالفعل قواعد حقيقية ترفع عليها دعائم التعاون، من خلال وحدة اللغة والدين والهوية؟؛
* هل نضبت بلادنا من رجال أعمال شرفاء يصرفون على بناء منارات تنويرية هادفة؟؛
* أين الإعلام الواعي الذي بهدف إلي إحياء ملكات عقول شباب الأمة وليس إلي إحياء شهوات أجسدها؟.
ربما كانت أسئلة عديدة، وغيرها كثير، ولكن إن كنا نريد تجديد قواعدنا فلنبدأ بالإجابة عليها، وكل يبدأ بنفسه. يقينًا، لا أزعم أن الأمور بهذه البساطة أو سوف تتحقق بين عشية وضحاها؛ فيومنا هو تراكمات أمسنا، لكني بالطبع موقن بأن هناك كثير من الخير في الناس وأن الحق أحق أن يتبع.
وختاما لأوجز المقالتين؛ ألم يأن لنا أن نرى تكاتفا وإصلاحا حقيقيا علي مستوي الفرد والأمة، فنسعى لعمارة الأرض، وبذا يتحقق فينا مبدأ الاستخلاف؟
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)] سورة الحجرات.