كُلما قرأت في سيّر من أحب من الأنبياء والصحابة والملوك والخلفاء والعظماء , يخالجني شعورٌ بالأسف والحزن , ويتردد في داخلي سؤالٌ مُفاده ( لماذا أنا هنا في هذا العصر وهذا الزمان , لماذا لم أكن معهم ؟ ) كم تمنيت أن أكون إحدى الصحابيات لأنصر رسولنا صلى الله عليه وسلم عند مواجهته للكفر والشرك , وكم تمنيت أن أكون قريبة ً من عمر بن الخطاب الخليفة الراشد , أو من آل بيت عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل , أو إنسانة ً تعيش في بلاد الأندلس بالقرب من عبد الرحمن الداخل أو الناصر لأشهد فتوحهم وازدهار عصرهم, كم وددت لو أنني وجُدت في عصر النهضة الإسلامية , والفتوح والنصر والعزة , والكثير الكثير من الأمنيات المشابهة التي تخطيت لها العصور والأزمان , وغادرت بها عبر المسافاتِ والمكان .
ولكن سرعان ما كانت تتلاشى هذه الخيالات والآمال وتصبح كالعدم عندما تطرق فكري بعض الهمسات والأفكار , والتي تقول لي بحزمٍ وشدة :
- إن الله قد اختاركِ وخلقكِ وأوجدكِ في هذا الزمان بالذات , وهذه الدولة , وهذا المجتمع , وهذه الأسرة لحكمةٍ لا يعلمها إلا هو , ولغرضٍ سخرّكِ من أجله , ومكّن لكِ لتنجزيه وتؤديه , إن وجودكِ في هذا المكان والزمان لم يكن عبثًا أو صدفة , بل هو أمرٌ مقصود ومكتوب , لتقومي بدورٍ ما , ولتنجزي هدفًا محدد , هناك من هو بحاجة لجهودك , وهناك من ينتظر عطائكِ ومساعدتك , كل ما عليكِ فعله هو استغلال الإمكانات المُتاحة لكِ , والبحث عن سر وجودكِ في هذه الظروف , لتستأنفي العمل , وتذكري دومًا أن الله خلق كل إنسان لما هوَ مسيّر له , أنتِ جزءٌ من هذه الحكمة الإلهية , والمشيئة الربانية .
إن من واجبكِ اتجاه هذا الاختيار وهذه النعم أن تؤدي حقها , وتستغليها للقيام بدوركِ , دوركِ الذي وجُدتي هنا والآن لتقومي به !
إن هذا الأمر لا يقتصر على شخصي أنا فقط , بل يمتد ليتجاوزني ويتجاوز كل من جولي , ويستقر في كل نفسٍ تدب بها الحياة على وجه الأرض , أنتَ وأنتِ وهذا وذاك , كُلنا موجودون الآن لنقوم بدور , لننجز مهمة , لنسد ثغرة , لنقول كلمة , لنتخذ موقف , لنبني لـَبـِنة , لنعمّر هذه الأرض والنفوس التي تحيى فوقها ..
فأبونا آدم عليه السلام وُجد قبل آلاف السنين ليكون أبًا للإنسان , وفرعون وجد ليكون عبرة ً لمن يطغى , ورسولنا محمد وجد ليكون نبراسًا وهدًا للبشرية , وأبو جهل وجد ليكون عقبة في طريق نشر الدعوة , وهتلر وُجد ليشعل الحرب العالمية الثانية , والشافعي وُجد ليضع لنا قواعد فقهية وشرعية ويؤسس منهج علمي , وكل شخص وجد ليكون شيءً ما , ويؤدي دورًا معين , ولتستمر الحياة ..
أنت عزيزي القارئ , لا تتخلى عن هذا الدور الذي وُجدت من أجله , ولا تتقاعس عن القيام به , فإن الله سائلك عنه , ومُحاسبك على تقصيرك وإهمالك , ابحث عن الدور العظيم الذي وُجدت من أجله , ولا تكتفي بالروتين الذي تفرضه عليك مجريات الحياة , ربما تكون قائدًا لحركةٍ نهضوية , أو عالمًا في مجالٍ يخدم البشرية , أو شخصًا بارزًا مؤثرًا في المُجتمع , وقد تكون لبنة من لبنات البناء الحضاري الإسلامي العائد بقوة , لا تستهن بدورك ولا تزدريه , مهما يكن صغيرًا أده على أكمل وجه .