طبقا للمذكرة الوزارية رقم 84 الصادرة بتاريخ 21 جمادى الثانية 1429 الموافق ل25 يونيو 2008 عن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي المغربي تحت موضوع "تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية لأبناء الجالية المغربية القاطنة بأوربا -تنظيم اختبارات انتقائية".
والهادفة إلى الارتقاء بتدريس اللغة العربية والثقافة المغربية لأبناء الجالية المغربية القاطنة بأوروبا وتعويض بعض الأطر التعليمية التي انتهت مهمتها وتلبية الحاجيات المتزايدة في هذا المجال المحدد في 42 منصبا هذا الموسم موزعا حسب الدول المعنية ( فرنسا 33 منصبا، إسبانيا 5 مناصب، الدانمارك 3 مناصب، إيطاليا 1 منصب واحد).
على أساس "انتقاء" 25 أستاذا من كل جهة من الجهات الست عشر في التقطيع المغربي (حسب المذكرة الوزارية، "في حدود 10 ترشيحات بالنسبة لفرنسا و 5 ترشيحات لبقية البلدان") للمشاركة في المباراة الوطنية التي ستقام في "عنوان أولي" وهو "الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط – سلا – زمور – زعير، وذلك يوم 23 يوليوز 2008" على أساس إيقاف استقبال ملفات المشاركة يوم 4 يوليوز 2004 قصد انتقاء وإشعار المتبارين بنتائج الانتقاء يوم الخميس 17 يوليوز 2008 قبل خمسة أيام من المباراة يوم الأربعاء 23 يوليوز 2008.
طبقا لهذه المذكرة التنظيمية، تم يوم الخميس 17 يوليوز 2008، الإعلان، عبر كل النيابات الإقليمية لوزارات التربية الوطنية، عن أسماء الأساتذة المنتقين لكن بشكل غريب حقا. فقد تم الإعلان عن النتائج بشكل "حميمي"، على الهاتف!
لقد تم الاتصال بالأساتذة المنتقين بشكل فردي على الهاتف وأخبروهم بانتقائهم وبتغيير العنوان المنصوص عليه في المذكرة بينما ظل باقي الأساتذة ينتظرون النتائج حتى يوم الثلاثاء، عشية إجراء المباراة.
فلم تعلن النتائج للعموم ولم تعلق لوائح الأساتذة المنتقين على جدران النيابات الإقليمية والأكاديميات الجهوية كما جرت العادة في مناسبات كهذه. وبقيت المذكرات الرسمية بلا مصداقية تحت ظلال كلام كبير ك"الانتقاء" و"المباراة" و"شروط الترشيح" و"الحديث عن آخر أجل لتلقي الترشيحات".
ففي جهة طنجة / تطوان، مثلا، ثم تأويل نسبة 25 منصب بمعيار "التساوي" بين النيابات المكونة لهذه الجهة. فكان لكل نيابة إقليمية من نيابات جهة طنجة/تطوان 5 مناصب. فكان نصيب نيابة إقليم العرائش، مثلا، هو خمسة 5 أساتذة: منهم 2 نساء و3 رجال!
فإذا كانت هذه هي معايير الانتقاء: تساوي الحصص بين النيابات ومراعاة الفروقات الجنسية بين المنتقين، فأين هي الشروط المسطرة على المذكرة الوزارية رقم 84: أن يكون الأستاذ المترشح ملما بالتقنيات الحديثة في مجال الإعلام والاتصال؛ حاصلا على نقطة الامتياز في آخر تفتيش ؛ أن يتقن لغة البلد الذي قدم الترشيح للعمل به؟
لماذا التكتم على أسماء الأساتذة المنتقين والإحجام عن تعليق اللائحة عاليا لعموم الأساتذة كما تفعل المؤسسات الشفافة في المباريات الشفافة احتكاما للشفافية وانضباطا للأخلاق والقوانين معا؟
لماذا تم تغيير العنوان الذي ستقام فيه المباراة ولم يتم إشعار إلا الذين تم الاتصال بهم هاتفيا قبل خمسة أيام من المباراة في سرية قد يخالها الغائب وصلت درجة "الحميمية"؟
ما جدوى الرسائل المتنبرة التي كانت من بين شروط الملف إن لم تكن لإرسال الاستدعاءات؟
ولماذا تغيير عنوان المباراة من العنوان المذكور في المذكرة إلى عنوان لا يعلمه إلا الأساتذة المنتقين؟ هل هو الخوف من وقفة احتجاجية موازية لاجراء المباراة في ذات العنوان وذات التاريخ؟
ومن تكلف بعملية الانتقاء؟ إن النيابات الإقليمية عبر ربوع البلاد تهيمن على تسييرها أطر من السلالم الإدارية الدنيا والمتوسطة، فهل هذه الأطر هي من سينتقي الأساتذة المصنفين في السلام العليا؟
بل ما هي المعايير، أولا؟
إذا كانت المردودية من بين معايير انتقاء الأساتذة المترشحين للمباراة، فأعلى نقطة تفتيش من بين كل الملفات المترشحين وهي 19.5/20 لم يحظ صاحبها بمكرمة الانتقاء.
وإذا كانت حصص الدول هي معايير انتقاء الأساتذة المترشحين للمباراة، فالمترشح "الوحيد" الذي تقدم لمنصب من المناصب الثلاث للعمل بالدانمارك لم يحظ بمكرمة الانتقاء رغم أن المذكرة واضحة فهي تطلب 5 مرشحين للدانمارك ومثلها لإسبانيا ومثلها لإيطاليا وعشرة لفرنسا.
وإن كانت شهادة الإجازة في اللغة الفرنسية أو الإسبانية أو الإيطالية أو الألمانية أو الإنجليزية هي المعيار ما دام التدريس سيوجه لمغاربة ولدوا خارج المغرب، فلتعلق أسماء الأساتذة المنتقين الذي يحملون إجازات في هذه اللغات على أبواب النيابات الإقليمية والأكاديميات الجهوية المغربية ليطمئن بال عموم الأساتذة المترشحين؟
إن أيا من بنود المذكرة لم يطبق بدء من شروط المذكرة: دراية المترشح بالمعلوميات (!)، إيجاد اللغات الأجنبية (!)، سيرة ذاتية(!)، اختيار الدولة الأنسب للمترشح(!).
لم يطبق ولو بند واحد من بنود المذكرة ما عدا البند المحايد وهو "البند المحدد لتاريخ وقف استقبال ملفات الترشيح".
قبل أيام قرأت مقالا عنوانه "كيف تحلل نصًا في مباراة أساتذة الجالية المغربية بالخارج". وهو مقال أضاع فيه الكاتب جهدا هو في أمس الحاجة إليه: يشرح ويفصل ويقسم ويجزئ وهو لا يدري قطعا أن حتى المذكرات الوزارية، وهي آخر أشكال النصوص وأبسطها وأسهلها، "لا تفهم في الإدارات التي ستسهر على تنظيم المباراة"!
والكاتب المسكين، كاتب المقال السالف الذكر، لا يعلم أيضا أن المباراة السابقة ، مباراة موسم 2004، قُسَِمَ فيها الأساتذة المتبارون على قسمين فيما سمي أنذاك تجاوزا ب"الامتحان الكتابي" والنتيجة كانت "تنجيح قسم بكامله" و"ترسيب القسم المجاور بأكمله". أما في المرحلة الشكلية الموالية التي سميت تجاوزا ايضا ب"الامتحان الشفوي" لذات الموسم، موسم 2004، فقد قُسَِمَ أيضا القادمون من الامتحان الكتابي على قسمين ولجنتين وكانت النتيجة أيضا "تنجيح قسم بكامله" و"ترسيب القسم المجاور بأكمله".
لماذا هذا التعامل مع صناع أجيال الغد؟
إذا تمت محاربة الكفاءة في هذا القطاع الحيوي الهام فأين يمكن رعايتها؟
وإذا لم تبرعم الشفافية في هذا القطاع المخصب لها فأين يمكن رعايتها؟
لماذا هذه الردة نحو العمل السري في مناسبات التباري المهني الواضح؟
لماذا لا تصحح أوراق امتحانات الأساتذة في المباريات المهنية؟
هل بعد خمس سنوات من "بيانات أكتوبر السنوية" الخاصة بالمباريات المهنية في زمن التناوب والتوافق، وهي البيانات المجمعة والمنشورة حاليا في كتاب رقمي على الإنترنت، لا زالت الحاجة للرصد والمتابعة في هذا المجال؟
إن الإهانة التي تلقاها المغاربة مؤخرا من خلال تصنيف تعليم بلادهم في المراتب الأخيرة عالميا لا يمكنه أن يفهم إلا من هذا الباب، "الباب الإداري" للأزمة، أزمة الأزمات وعقدة العقد. أما ربط التصنيف بالمتغيرات الأخرى التي على بال الجميع، فلن يكون أكثر من إخفاء الرأس في الرمال.
وفي انتظار ذلك، افتحوا الباب للأساتذة كي يتنفسوا هواء الحرية! وافتحوا الباب للحياة كي تتجدد فالمكان صار أضيق على ذوي القلوب الكبيرة! وأعيدوا فتح المباراة في وجه جميع الأساتذة دون انتقاء سابق للتباري الحر والنزيه قبل أن يبدأ التفكير الجماعي في المطالبة بلجان "دولية" لمراقبة سير المباريات المهنية في المغرب ولجان "دولية" لتقصي حقيقة الخروقات التي تقوم عليها.
كاتب مغربي
محمد سعيد الريحاني كاتب مغربي، عضو اتحاد كتاب المغرب، وعضو هيئة تحرير «مجلة كتابات إفريقية» الأنغلوفونية. حاصل على شهادة الدكتوراه في الترجمة من مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة/المغرب، 2021. وحاصل على شهادة الماجستير في الكتابة الإبداعية من كلية الفنون الجميلة بجامعة لانكستر بإنجلترا، 2017.