أرأيت إن أخبرك أحدهم عن قدومِ ضيفٍ مهم إلى منزلك هذه الليلة , قد يكون شخصٌ تحبه لم تره منذ مدة , أو قد يكون شريفٌ من أشراف الدولة أو أحد وزرائها , أو قد يكون حاكم البلاد أو أحد التجار , أو قد يكون من إحدى الشخصيات المشهورةِ المرموقة , أو رجلٌ قد تبوأ كُبرى المناصب .
يا تُرى, ماذا أنت فاعلٌ حينها ؟
ألن تـُعلن حالة الاستنفار ؟ وتجري في أركان المنزل وزواياه ترتب الأثاث, تنظف السجاد, تلّمع الثرياتِ, تكنس الأرض وتزيل الأوساخ , ألن تجند كل الطاقات الموجودة لديك من الخدم وأفراد العائلة لعملية تنظيف المنزل وإظهاره بأبهى وأجمل وأحلى منظر ؟
ستقف أيضًا عند المدخل, تتأكد من نظافته وجماله, وقد تخرج للشارع كذلك وتنسق حديقتك.
لن تقف عند هذا الحد , بل ستشتري أجمل الطعام وأغلاه , من أرقى المطاعمِ والمخابز , ستعتني بحلويات التقديم , وبوفيه العشاء , والعصائر الطازجة , والأواني المُعدة لتناول الطعام, ستحرص كل الحرص على أن يكون كل شيء مكتمل , بلا خللٍ أو نقصٍ أو شيءٍ يُعيبه.
ستهرع بعدها إلى غرفتك, وتقف عندَ خزانة ملابسك مُحتارًا لا تدري ماذا تلبس, قميصك الباريسي؟ بنطالُك الإنجليزي؟ وحذائك الإيطالي , أم ثوبك الذي اشتريته بثمنٍ غالٍ للعيد ..
لا تريد أن يرى هذا الضيفُ العظيم أيَ عيبٍ في منزلك أو مظهرك , كل شيء تريده كاملاً , نظيفًا وجميلا ..
ولكن, هل سيكون الحال كذلك إن أخبرك أحدهم أن في قلبك ضيف !!؟
ضيفٌ يزورك كل يوم, يطلع على فؤادك, ويرى خباياه وأسراره, ضيفٌ أعظم من كل ألئك الذين سيزورون منزلك, أكرم منهم منزلة, وأعلى منهم قدرا, وأجل منهم ذكرا, هو قريبٌ لا يغيب, وعليمٌ لا يخفى عليه شيء ..
أرأيت لو تم إخبارُكَ أن الله سيزورُ قلبَكَ اليوم, هل ستنظفه من الأدران والأوساخ العالقة به؟
هل ستـُحضر مزيل الأوساخ وتنظف بقايا الحقد, وبُقعَ الحسدِ, وآثارَ الضغينةِ, وترسباتِ الكُره؟
هل ستحرص على أن يطلع الله على قلبـِكَ وهو لامعٌ ببريقِ الحُبِ وتعبقُ منه روائح الود..
هل ستطلب من الخادمة أن تقوم بتنظيف نواياك السيئة , وذنوبك التي رانت على قلبك , أم ستزين مدخل قلبك ببعض الزهور التي تُبهج الناظرين, وتنفث أريج النوايا الحسنة ..
أيهما أحق بالتنظيف والتلميع والتجميل , منزلك الذي يفد عليه ضيوف البشر , أم قلبُك الذي يطلع عليه ربُ البشر ؟
في قلبك ضيفٌ عظيم , وإكرامُ الضيفِ واجب, فأكرمِهُ تعالى بأن يرى ما يرضيه في قلبك, وأعلم أن ما تخفيه عن عباده لا يخفى عنه..