لارحنا ولاجينا ياعرب مازلنا نراوح في مرابع خيامنا وصحارينا !
الحمد لله حمدا كبيرا عظيما ، وأخيرا.... صامت المغرب مع السعودية !! ، بعد طول تعب ونصب ، وبعد عقود من الشقاق وقيل وقال ، هذا رمضان مختلف تماما ، المغاربة أنفسهم في مدريد لايكادون يصدقون ! ، ولكن الله سلم ، ويبدو أننا أهل مدريد من المسلمين ولأول مرة نصوم معا ، ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم وحده أن يكتب علينا الافطار معا ، فلعلنا نستطيع أن نصلي العيد هذا العام دون تلك الغصة المريرة التي تنغص علينا فرحة عيدنا كل عام .


قبل عامين اصطحبت ولدي الى صلاة الفجر في مسجد عمربن الخطاب في مدريد ، وهو المسجد الذي يدعوه أهل مدريد بالمسجد السعودي ، وذلك لأنه يشكل جزءا رئيسيا في نسيج المركز الثقافي الاسلامي في مدريد ، والذي بنته وتشرف عليه المملكة السعودية عبر رابطة العالم الاسلامي، وكان عليه أن يذهب باكرا لاستذكار بعض الدروس مع زملائه في مدرسة "أم القرى " الواقعة في نفس المجمع المذكور ، وبينما كنت في المسجد انتظر أن ينهي ولدي ماجاء يفعله بعد صلاة الفجر ، إذ بي بسيدة مغربية متقدمة في السن ، جاءت بأبهى حللها والطيب يفوح منها والحنة في يديها ورجليها ، وجلست الى جانبي وهي تكبر وتهلل وليس في المسجد إلا  هي وأنا ، بعد ساعة من الزمن سألتني : أين الناس؟ ، قلت لها : أي ناس ياجدة؟ ، قالت : متى ستبدأ صلاة العيد ؟ ، قلت : أي عيد : قالت أليس صلاة العيد اليوم؟ ، قلت لاحول ولاقوة إلا بالله صلاة العيد كانت قبل يومين!! ، قامت المرأة تجمع حاجتها وهي تسب بجميع لغات أهل الأرض –كما تتحدث شواهد مقابر القدس على لسان تميم البرغوثي- ، وقالت لي : لقد جئت من غوادا لارا !! وأنا أظن أن العيد اليوم !! ، أي لقد سافرت بالقطار والمترو مدة ساعتين ونصف ، لتجد أن مدريد قد أفطرت قبل يومين !!.. ذكرت أيام "عرفات" التي كان يقف فيها بعضنا على "المقطم"!! ، لارحنا ولاجينا ياعرب مازلنا نراوح في مرابع خيامنا وصحارينا !.

عندما بدا- وأقول بدا- أن الناس – أي معظم الناس- قد اجتمعوا على السعودية يصومون معها ويفطرون معها ، خرج علينا المجلس الاوربي للافتاء والبحوث ليفرض نفسه كجهة اسلامية تقرر متى يكون صيام الناس ومتى يكون افطارهم عن طريق الحسابات الفلكية !، وكلامي هذا سوف يغضب كثيرين جدا في أوربة وبعضهم من الاخوة المقربين ، ولكنه كلام يجب أن يقال ويجب أن يسمعوه ، فليس الموضوع هو في وجود جهات تحسن الحسابات الفلكية وتتقنها ، وليس في التخلف الذي تعيشه بعض الجهات الفقهية السعودية ، والتي بدا لها هذا العام بعد قرون متطاولة أن تفتي بأنه يمكن للناس التماس هلال رمضان عن طريق المناظير الفلكية !!، القضية بالغة الخطورة ، وهي تتلخص في احداث المزيد من الشقاق والخلاف في صفوف المسلمين .

لايختلف اثنان على أن المسلمين في أوربة وفي بوتقة الاتحاد الاوربي يجب أن يشكلوا وحدة ثقافية دينية متكاملة ، ويجب أن تكون لهم مرجعية فقهية واحدة ، مستقلة عن مرجعياتهم السياسية ، وانتماآتهم القطرية والقومية ، فمن أقام في أوربة الاتحادية اليوم ينبغي له أن يتبع هذه الجهة الفقهية التي تعنى بشؤون الفقه الاسلامي في الغرب وأوضاع الجاليات والأقليات المسلمة من الناحية الفقهية على الأقل بشكل مستقل تماما عن البلاد التي جاؤوا منها ، ولكن هذا الأمر المنطقي الذي لايختلف حوله كثيرون يصبح أمرا غاية في التعقيد إذا ماأخذنا بعين الاعتبار أن مجلس الافتاء الاوربي لايشكل في حقيقة الأمر وعلى أرض الواقع جهة اسلامية يعترف بها كل مسلمي الغرب ولانصفهم ولاربعهم ، وقبل أن يقرر مجلس الافتاء والبحوث الاوربي الاسلامي في أمر مثل هذا الأمر ، وهو أمر غاية في الخطورة ، كان ينبغي عليه أن يعرف حقيقة ايمان الناس به واتباعهم له ، لقد أحدث هذا المجلس العام الماضي في أوربة عامة وفي مدريد على وجه التخصيص فتنة لاتبقي ولاتذر ، وقد صار رمضان فوضى عارمة يفطر من يفطر ويصوم من يصوم ، وقد صام أهل البيت الواحد وأفطروا تبعا لثلاثة جهات مختلفة ، والناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله بالتفرق والتشاكس والتشرذم شديد.

في مدريد وعند معظم أبناء الجالية المسلمة ، رمضان تقرره القنوات الاسلامية الرئيسية اقرأ والرسالة والجزيرة – باعتبار هذه الاخيرة لدى معظم الناس قناة اسلامية!- ، وماتعلنه هذه القنوات من ثبات الشهر في السعودية هو الأصل لدى عامة الناس من جاء منهم من المشرق ومن جاء من المغرب ، ولايثبت الشهر إلا إن أثبته امام الحرم بأول تكبيرة له في صلاة التراويح ، ولاينتهي صيام الناس إلا عندما يقول المذيع الذي يعلق على نقل الصلوات من المسجد الحرام بأنه "لاصلاة تراويح اليوم وأن غدا هو أول أيام عيد الفطر" ، وهذا مايجب أن يكون ، وهي قضية لاعلاقة لها بالسياسة ولايجب أن تكون لها أي علاقة بالسياسة ، إنها تتعلق بمكانة السعودية من الأمة بسبب وجود البيت الحرام فيها ، وهذا أمر يجب أن تحترمه السعودية نفسها كما الأمة من أقصاها إلى أقصاها إذا ارادت وحدة الكلمة في هذا الامر الذي وكما يقول اللغويون "بلغ فيه السيل الزبى" ، وكما يقول أهل الشام "طلعت يده ورجله" ، وكما يقول الاسبان "الى هنا وكفى"!! فهذا أمر لم يعد يحتمل ، ووحدة الامة لن تكون إلا بخطوات عملية بسيطة ربما تبدأ من مثل صيام الأمة مع السعودية وإفطارها مع السعودية !.

ولكن على المملكة السعودية بالمقابل أن تدرك أهمية ومحورية وخطورة هذا الموضوع فتتفاعل مع الآخرين وتستمع إليهم ، ولايحتجز فقهاءها الاسلام ويوقفونه حجرا محجورا على أفهامهم وآرائهم ، ولايختطفون الفقه لمصالح سياسية ، ولكن أن ينظروا الى مصلحة الامة ، ويأخذوا بعين الاعتبار احتياجات الناس في مشارق الارض ومغاربها .

الحرب كالحب تحتاج الى طرفين ، واذا أردنا أن ننتهي من هذه المعضلة المكرورة التي يبدو أن لانهاية لها ، فينبغي أن نتخذ خطوات جريئة حقيقية لمصلحة الامة ، وأن نكون على مستوى العصر ومايتطلبه من اتخاذ بالاسباب العلمية والمعارف المتقدمة ، ومايحتاجه الناس .

لقد بحت أصواتنا خلال ثلاثين عاما ، وأنهكت أقلامنا ونحن نتحدث عن هذا الموضوع ، ولامن مجيب ، بل إن الامور تزداد تعقيدا يوما بعد يوم ، ولاندري كيف يمكننا أن نوصل أصواتنا الى من يسمعها ، لقد بات الحال من الاذى والفوضى بمكان لايرضي أحدا ، وبدأت الجهات الاسلامية الرسمية والأهلية والمؤسسات المهيمنة على شؤون الجاليات في الغرب تفقد كل مصداقية ممكنة لها ، وانقلبت لتصبح مؤسسات خدمات ، بعضها موظف لدى بعض حكوماتنا ، وبعضها وهم الأغلبية موظفون لدى الدولة التي يقيمون فيها ، واختفى الصوت الاسلامي المستقل الحر الذي كان يدّعي ذات يوم أنه إنما خرج من بلاده معارضة ً وجهادا وهجرة الى الله ، وأصبحت المؤسسات الاسلامية في الغرب أدوات بأيدي الحكومات الاسلامية التي تنفق عليها أو بيد الحكومات المحلية التي تريد لها أن تثبت في كل ثانية أنها ضد الارهاب الذي لصق بالاسلام وأهله منذ تلك الهجمات التي فتحت في جدار وجودنا الاسلامي في عالم اليوم فجوة هائلة زلزلت البنيان من قواعده من حيث ندري ولاندري ، فحنى متى سنبقى على هذه الحال ؟! ، إننا في حاجة ماسة لاعادة النظر جملة وتفصيلا في قواعد وجودنا الهائل المكثف ، في عالم لايعتبر وجود مليار ونصف المليار من المسلمين فيه وجودا !!، إننا في حاجة إلى إعادة التفكير والتنظير والرؤية ، ليس رؤية الهلال فحسب ، بل رؤية أنفسنا في مرآة العصر الذي نعيش فيه ، والمعوقات والإعاقات التي تشدنا إلى الارض منذ زمن بعيد لنبدأ بالاعتراف بإصاباتنا فيها ، ومن ثم البحث عن الطبيب المختص الذي يعالجها ويساعدنا على بذل الجهود الجبارة للتغلب عليها.

وكل عام ونحن وأنتم بحال غير هذه الحال! .

-يتبع-


عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية