إذا شاء بعض السويسريين أن يعترضوا مسيرة التقدم الانساني، فإننا نضيء لهم أنوار البصاصات (الفلاشرز) وننتظرهم قليلاً ليعبروا. نحن نحب سويسرا بما تمثله من جمال طبيعي، ومنتجات فائقة الجودة، وأخلاق تتسم بالذوق والأدب، وريادة في مجالات علمية كثيرة. ونحن لا نعتبر الصليب الأبيض على الخلفية الحمراء والموجود على كثير من المنتجات رمزاً دينياً بل علامة للجودة. ولا نظن أن الحرس السويسري في الفاتيكان دليل على تقديم سويسرا قوات مسلحة للمسيحية بل تقليداً تاريخياً وفولكلوراً ليس إلا.
لكن نتيجة التصويت على منع بناء المآذن في سويسرا قد صدمتنا. هذا خطوة رجعية للخلف، ودليل على التحجر الفكري والانغلاق. منذ زمن طويل كان السويسري يلزم مسكنه اتقاء البرد والثوج لينكب على صناعة الساعات وليجلس أمام النار يذيب الجبن ويصبه على البطاطس، ويدخل الكهوف والانفاق ليصنع الجبن والخمور ويقضي شتاءه كله في ذلك. ولكن تطور وسائل المواصلات وتوفر التدفئة فيها قد قضى على هذا الانغلاق وأصبحت البلد تعجز بالمسافرين والسائحين والوافدين الأجانب. وحيث أنك لا تستطيع إجبار الوافد الأجنبي على لباس ودين وثقافة معينة فلا بد أن تتقبله كما هو.
هل اطمأن أصحاب المبادرة بعد أن زال خطر المآذن الآن؟ ولماذا هذا الخوف من الاسلام وهناك أديان أخرى كثيرة جديدة تنتشر بسرعة في سويسرا كالبوذية والسيخية إضافة للإنجيلية الصهيونية. وهل حظر بناء المآذن سيحد فعلاً من انتشار الاسلام؟ إذا كانت هناك ظروف موضوعية لانتشار عقيدة التوحيد فلن يقف في طريقها منع بناء المساجد. لا أجد لهذا الذي حصل توصيفاً خيراً من وصف وزيرة الخارجية السويسرية ميشال كالمي التي قالت : أن "ما تم هو تعبير عن رعب وتخوف شامل وتعبير عن انكماش على الذات وعبارة عن إشارة إنذار ووسيلة دفاع، في مواجهة عالم مُـعولم وفي إطار أزمة اقتصادية عالمية".
وأنا أتوجه للمسلمين بأن لا يحمّلوا الأمر أكثر مما يحتمل. فطالما كان بناء المساجد مسموحاً، وحرية العبادة والاعتقاد مكفولة، فإن منع بناء المآذن أمر يمكن أن يعالج بالحجة الاقناع والوسائل القانونية باعتباره ماساً بحقوق الانسان والمساواة بين البشر. ولا يجب أن ينسى المسلمون إسهامات سويسرا الانسانية الكثيرة ومواقفها الحيادية والمبدئية والتي كثيراً ما كانت في جانبنا. وكذلك جمعياتها الأهلية الكثيرة التي تطالب بمقاضاة إسرائيل على جرائمها في حرب غزة، وبمقاطعة البضائع الإسرائيلية ووقف تصدير السلاح إليها.
كما أتوجه لعقلاء الغرب ومسؤوليه أن ينتبهوا أن هذا التصويت قد صدم المسلمين وأثار مخاوفهم من أن يكون هذا التصويت مقدمة لحملة ضدهم وبخاصة أنه جاء بعد الحملة على الحجاب في دول أخرى. لذلك عليهم توسيع الحوار مع المسلمين ومواصلة سياسة التسامح والانفتاح معهم ومعرفة ما هو في صلب دينهم لتسهيل أدائه عليهم، كتوفير الوقت والمكان للصلاة، وإجازتهم في أيام أعيادهم السنوية، وتوفير مطاعم تخلو من الخمر والخنزير لهم، والسماح لهم بالأذان للصلاة عبر مكبرات مساجدهم.
إن منظر الناس وهم يعبرون بشكل اعتيادي أمام كنيسة ومسجد متجاورين في بلدي حلب، وكل من المسجد والكنيسة مفتوح الأبواب تعلو منه وقت الصلاة أصوات الأذان والنواقيس، ووجود جالية من المهاجرين العراقيين تقدر بعشرة بالمئة من سكان المدينة طرؤوا عليها فجأة بعد الغزو الأمريكي للعراق ولم يجدوا من أهلها إلا كل ترحيب ومساعدة بغض النظر عن عقيدتهم الدينية، كل هذا يجعلني أشعر بالفخر لأننا نحن المسلميون لنا عطاؤنا وإنجازاتنا الحضارية المستمرة حتى اليوم. ولا نمانع أن ينافسنا السويسريون والعالم أجمع في ذلك
التعليقات
ولكن ألا توافقني أن المآذن هي مسألة رمزية في الإسلام؟ أنا أعلم أن الخوف هو على شاكلة (اليوم المآذن وغدا المساجد) ولكن لو نحينا هذا الأمر جانباً ، لماذا يجب علينا أن نتمسك بالمآذن بهذا الشكل ونرفض كل من يحاول أن يضع شروطا معمارية لشكل مدينته وأحيائه ؟
كل الاحترام
يا أخي الكريم الصليب تعبير قوي عن العقيدة المسيحية
و الحرس تعبير عن الحرب وليس فلكلورا شعبي و كل شيء سيتميز ويظهر
على حقيقته فلا يوجد محبة و تسامح الا فى ظل الاسلام ويجب ان تكون
عن قوة وليست عن ضعف اما ما يحدث اليوم فهي حرب وجود والبقاء
للأقوى و لا حول و لاقوة الا بالله.
مقال عاقل، من أستاذٍ فاضل؛
على "سويسرا" معالجة مخاوفها المريضة،
وعلى "المسلمين" التصدي بمظاهر صحيّة.
مسجد بلا منارة كأي دور عبادة بلا معلم . فالمعالم تعرفك بالمكان و تستكمل الشكل المتعارف عليه لدار العبادة في أي دين. و قد ظننت في البدء أنهم سيعترضون على المآذن بحجة الشكل الجمالي و التناسق مع الأبنية المجاورة. و كان لدينا معرفة ببعض القوانين الغربية التي تتحكم في ألوان بيتك و ارتفاع أسوار قصرك في بعض بلاد أوربة بما يتناغم مع الشكل الجمالي للبلدة. و استخدمت من قبل هذه القوانين ضد بعض أصحاب القصور من أثرياء العرب بأوروبة لأسباب عديدة. ثم اعتقدت أن نتيجة الاستفتاء غير ملزمة للحكومة. لكنني فوجئت بهذا الاستفتاء المضلل في ذاته، و طريقة تمريره، و كيفية تعميمه، و ملصقات غريبة و عنصرية عن الاستفتاء. ثم علمت أن اختيار أهل سويسرا لهذا القرار لهو دليل على جهل أو حقد أو تضليل.
يجب علينا كمسلمين و خاصة اللذين يعيشون في الغرب بذل مجهودات مضاعفة
لمحو هذه الصورة القاتمة عن الاسلام , و ذلك بالصبر و التحلي بالاخلاق النبوية.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة