مدرسة الحياة تقدم لنا دروساً مجانية كثيرة لا تحصى ، وقليل منا يتعلم من هذه الدروس الملقاة على طرقات الحياة وجنبات الواقع، ويستفيد منها بممارساته اليومية ، أما الآخرون فيقعون بنفس الأخطاء مرارا وتكرار ، ثم يشتكون من سوء المعيشة وفساد العلاقات.

 

من خلال أعمالي وعلاقاتي وأنشطتي المتنوعة محليا وخارجيا، وكذلك من خلال قراءاتي واحتكاكي بشخصيات متميزة في هذه الحياة تعلمت أن العطاء أروع قيمة، ليس لها بديل وتعويض في قيم ومفردات هذا الزمن، وذلك يعتمد على الترجمة العقلية لهذا المفهوم الواسع ، البعض يربط معنى العطاء بالجانب المادي فقط ، أي عطاء نقود أو أدوات ملموسة لمن يحتاجها، والبعض الآخر يرى أن العطاء للفقراء والمحتاجين فحسب، وفئة أخرى تظن أن العطاء لا يأتي إلا من الكبير إلى الصغير، وثلة من الناس يرون العطاء لا بد أ ن يكون دون مقابل وأنا أختلف معهم بهذه الجزئية ، وهلم جرا من تفاسير تختلف حسب المجتمعات والبيئات والثقافات .

 

فمن وجهة نظري المتواضعة أرى أن جمال العطاء يكمن بشموليته في مختلف مناحي الحياة، فلا داعي أن نأسر هذا الجمال بأصنام الماديات، أي أن أمد يدي لأعطي ما أملك سواء من الأموال أو الطعام أو الحاجيات الأخرى، ألم يخبرنا خير البشر عليه الصلاة والسلام ( تبسمك في وجه أخيك صدقة .. والكلمة الطيبة صدقة) صدقت يا خير المرسلين ، فالابتسامة الصادقة والعبارة الدافئة واللمسة الحانية تكون أحيانا مرهما ودواء لمن يعاني من داء الزمن وأوجاع الشجن.

 

هل تعلم أن الأثرياء يحتاجون أحيانا أكثر من الفقراء ؟ لأن احتياجات الفقراء والمساكين معروفة أمام العيان.. لكن حاجة الأغنياء المترفين مكنونة لا يدركها المرء إلا بحدسه أو بإحساسه المرهف، فهناك من يملك الحدائق والقصور ويفتقد للحظات السرور، ويملك الخدم والحشم ولا يملك الحسم والعزم ، لديه الزملاء والشركاء ويبحث عن الأصدقاء الأوفياء، أصحاب قلوب أنقياء، هؤلاء ألا يستحقون أن نلبي مرادهم ونشبع رغبتهم ، كذلك الحال مع الصغار فلا تظن نفسك أن الكبير دائم العطاء والصغير دائم الأخذ ، فكم من صغير يهب لك الدفء والحنان فيبعد عنك الألم والأحزان، وغيابه يشعرك بالحرمان لأن وجوده بينك هو الراحة والأمان .

 

 

 

أثناء أداء واجبنا العملي نظن أحيانا أن الوقت يمر هدرا في خضم الأعمال، ولم نعطي لأنفسنا وللعالم من حولنا شيئا يذكر، لأن العمل الذي نؤديه نحصل على أجره في نهاية الشهر، هنا أنوه لمن يعتليه هذا الفكر أن إتقانك واخلاصك وحبك للعمل وابداعك ومساهماتك الإضافية  لا تأخذ عليها أجرا شهريا متفق عليه، لكن هناك أجر يودع في حسابك ليثقل ميزانك في يوم يفر المرء من أخيه ، فلا تستهن بوظيفتك وأدائك اليومي لكن أضف عليه النية الصادقة لتتحول عاداتك إلى عباداتك.

 

علمتني الحياة أن أزرع بسمة أو أغرس كلمة في نفس متعطشة للمعاني الجميلة هو أعظم مكسب لي في هذه الدنيا ، لأترك بعدي أثرا طيبيا وذكرى حسنة في القلوب والعقول، فلا حياة دون عطاء وفي العطاء أروع حياة .

 

 

ملاحظة : نشرت المقالة في مجلة ماري كلير عدد ابريل 2012

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية