للحوار الذاتي غايتان شريفتان يتوخاهما ,تتمثل الأولى في التعرف على جوانب القصور ومكامن الإخفاق بقصد علاجها, فحوار المحاسبة يمثل نظرة تقويمية لسلوك الذات في فترة سابقة تقضّت بحلوها ومرّها,وأما الثانية فتتسم بصبغة استشرافية مستقبلية , إنه لمن الخطأ الفادح أن يقصر المرء دور الحوار الذاتي على دائرة الماضي حين يعتقد أن إجراء الحوار مرتهن بوقوع الهنات وارتكاب الأخطاء ليتولى إصلاحها في مرحلة متأخرة,بل إنه يلعب أيضا دور وقائيا استباقيا يجنّبنا الإلمام بها ,إنه (حوار التعزيز) موضع حديثنا اليوم . يرتبط هذا النوع من الحوار بمفهوم (توكيد الذات ) الذي يعرِّفه علماء النفس بأنّه:عبارة عن مهارات سلوكية لفظية وغير لفظية تتضمّن تعبير الفرد عن مشاعره الإيجابية والسلبية عبر مقاومة الضغوط التي ترمي إلى إجباره على فعل ما لا يرغب بفعله أو العكس .فالحياة تضج بالمواقف المفاجئة والأحداث غير المتوقعة وهذا ما يتطلب من المرء قدرة على اتخاذ قرار سريع إزاءها,غير أن الكثيرين يلقون من ذلك عنتا ونصبا وربما كان موقفهم هو ترك اتخاذ الموقف! مما يعني السلبية القاتلة في أسوأ صورها .وقد تستغرب أنك تحتاج في بعض الأحيان إلى أن تخاطب نفسك بصوت مسموع لتبث فيها الطمأنينة و روح الثقة, فعبارة (إني امرؤ صائم ) التي توصي السنة النبوية بتكريرها بصوت مجهور حينما يتعرض الصائم لما يخدش صيامه من سباب أو خصام تهدف إلى تذكير (الذات) بحرمة الصيام وكبح النفس عن الانسياق خلف صوت الحماقة بردّ الإساءة بمثلها مما يتنافى مع حكمة الصيام الجليلة.
فالعبارة المسموعة التي يخاطب المرءُ بها نفسَه لا تقلُّ فاعلية عن الخطب والمواعظ التي تقرع مسامعه ,بل إن أثرها أعظم وأبلغ, إنها تصدر من النفس إلى النفس فلا حواجز ولا عوائق تحول دون قبولها , كعبارة الاسترجاع (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)فإنها تُحدث تأثيرا عجيبا في تخفيف المصاب وتسلية النفس كما أخبر الله تعالى عن ذلك في قوله :{وبشّر الصابرين .الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون},ومن ذلك قول المسلم عند مجيئ تصاريف القدر على خلاف ما قدّر :"قدّر الله وماشاء فعل" عملا بالوصيّة النبوية, فالخطاب الشفوي الموجّه إلى النفس في ظلّ هذا الموقف يعيد إليها رشدها عبر تذكيرها بعقيدة الإيمان بالقدر خير وشرّه من الله لتستأنف أمرها من جديد بعزم ونشاط.
وإليك خطوات مهمة في طريق بناء حوار تعزيزي ناجح:
1 - تقديم مسوغ عقلي للنفس لإقناعها باتخاذ الإجراء الملائم لطبيعة الموقف , كما في أبيات قطريّ بن الفجاءة التي قيل عنها (إنها تشجع أجبن خلق الله!) حين خاطب نفسه:
أقول لها وقد طارت شَعاعا من الأبطـالِ ويحَكِ لن تُراعي !
فإنّك لو سألت بقاءَ يـومٍ على الأجل الذي لك لم تُطاعي
فصبراً في مجال الموت صبرا فما نيـل الخلـود بمستطاعِ
2- مناقشة العبارات السلبية المثبِّطة عن اتخاذ الإجراء الصائب بقصد تفنيدها ومحو آثارها الضارة,فكثير ما نتردد في نصح صديق بالإقلاع عن عادة ذميمة كالتدخين مثلا خوفا من فقد صداقته ,إن حوارا مع النفس من قبيل (هل سأخسر صداقته فعلا إن نصحته؟ ألا يمكن أن تكون النصيحة سبيلا إلى تعزيز محبتي في قلبه لأنني أحببت له ما أحب لنفسي ؟أليس من حقه علي أن أكون له بمثابة المرآة التي يصلح بها عيوبه ؟) سيكون موصلا إلى الموقف السليم حقا.
3- العمل دوما على تكرير العبارات الإيجابية فهي خير وسيلة لطرد العبارات السلبية ,فالقاعدة الإعلانية :إن ما يتكرّر كثيرا هو الذي يستقر في الذاكرة أخيرا .