إن واقع العمل الخيري في الدول الإسلامية اليوم يمكن تصنيفه بأنه يمرُّ بتحديات كثيرة منها (تفاقم الحاجة، وقلة مصادر التمويل، وآلية التنفيذ التقليدية)، ويمكن أن تُعالَج هذه التحديات من خلال بعض الأفكار والتجارب التي تزيد من إنتاجية العمل الخيري، كما تساهم في تحويله من ردة فعل وتلبية لنداء الفقراء إلى صناعة الفعل ومعالجة المشاكل وتلبية الحاجة قبل وقوعها وتفاقمها.
ويمكن عرض تلك التحديات التي يمرُّ بها العمل الخيري من خلال الآتي :
أولًا: تفاقم الحاجة: وهي زيادة نسبة الفقراء والمحتاجين والمتضررين، سواءً من الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والجفاف، أو المتضررين من الكوارث غير الطبيعية كالحروب والنزاعات بين الشعوب، والاقتصار على توفير المطعم والمشرب والملبس لهم.
ثانيًا: قلة مصادر التمويل: إن الناظر اليوم إلى واقع الداعمين إلى العمل الخيري سيجد حتمًا أن المبالغ الكبيرة عادةً ما تكون من الهيئات الدولية وحكومات الدول الغنية، وأحيانًا تتدخل الاعتبارات السياسية في تحديد حجم تلك المساعدات، وغالبًا ما تكون هذه المساعدات استجابة لنداء المؤسسات والمحتاجين أي ردة فعل.
ثالثًا: آلية التنفيذ التقليدية: والمعني بها الجمعيات الخيرية والمؤسسات التنموية التي تقوم بتوفير الدعم للفقراء والمتضررين ويمكن أن أسميها (المصنع الخيري)، واعتماد هذا المصنع بشكل أساسي على المانحين من هيئات دولية وحكومات مانحة، ودوره هو تقديم العون المباشر إلى المحتاج، ودوره غالبًا ما يكون ردة فعل واستجابة لنداء الفقراء، كما يعتمد على الوسائل الإدارية والإعلامية التقليدية.
إن هذه التحديات تتطلب من العاملين في المجال الخيري التفكير جديًّا بمستقبل العمل الخيري والطموح الذي يسعون إليه، وذلك من خلال عرض الأفكار والتجارب التي تساهم في تطوير العمل الخيري ونقله إلى مرحلة أفضل وصورة أجمل، وانطلاقًا من حديث نبينا - صلى الله عليه وسلم - "إنَّ الله يُحبُّ إذا عَمِلَ أحدُكم عملاً أن يُتقِنه"، فينبغي علينا ـ العاملين بالمجال الخيري ـ أن نحرص على الجودة في عملنا بداية من المنفذ إلى الممول إلى المحتاج.
وأبدأ بالمنفذين وهم الجمعيات الخيرية والمؤسسات التنموية: فينبغي عليها أن تعيد النظر في آلية عملها التقليدية، وأن تسعى للتدرج لوضع آلية عمل توازي على الأقل المؤسسات العالمية الناجحة، ويكون لها خطة استراتيجية وخطة طوارئ، كما ينبغي عليها إعادة النظر بكوادرها وتقديم الطاقات الشابة والكفاءة على غيرها من غير تمييز، ثم تبادر إلى دراسة الوضع المأساوي للمحتاجين، ولا تنتظر الكارثة تقع والوباء ينتشر؛ بل لابد من مواكبة التطورات أولًا بأول من خلال المتابعة الفعالة والمباشرة للمحتاجين، كما ينبغي عليها أن تهتم بالمجال الإعلامي المتطور ووسائل الاتصال الاجتماعي وذلك لإيصال كل الأرقام التي توصلوا إليها من أعداد المحتاجين والمتضررين، وعرض إنجازاتهم من مساعدات مادية وعينية، وإظهار الصورة الحقيقية للعمل الخيري، والتي تعبر عن العيش الكريم لكل إنسان.
أما علاج قلة مصادر التمويل: إن من صالح الجمعيات الخيرية والتنموية أن لا يقتصر اعتمادها على الدعم التقليدي كالمؤسسات الدولية والحكومات والأفراد؛ بل لابد لها أن تتعدى ذلك من خلال توسيع شريحة الداعمين كالقطاع الخاص المتمثل بالشركات التجارية الحديثة، حيث لديهم ميزانيات مخصصة للخدمة المجتمعية كما لديهم ميزانيات ضخمة وعليها زكاة، ولكنهم بحاجة إلى تواصل فعّال ومُقنِع من الجمعيات الخيرية كي يتم إشراكهم في العمل الخيري والاستفادة من الميزانيات لديهم وزكاتهم، كما لا ننسى سنة الوقف التي تعتبر من أهم مصادر التمويل الإسلامي، فإنشاء أوقاف خاصة بالجمعيات والمؤسسات الخيرية واستثمارها في المجال الناجح كالعقار أو الزراعة على سبيل المثال؛ سيعطي الاستقرار والأمان للعمل الخيري في المستقبل، وكذلك الاستفادة من المجاميع التخصصية كنقابة الأطباء والمعلمين والمهندسين والباحثين وغيرها من التخصصات، فهؤلاء يرحِّبون بأن يكونوا شركاء مساهمين في العمل الخيري ، ويقدموا له ما يملكون من خبرات واستشارات تساهم في تطوير التمويل للعمل الخيري.
وأما علاج التحدي الثالث وهي زيادة المحتاجين: لا نكتفي بتوفير الغذاء والمأوى لهم إذ لابد من تنويرهم بحقوقهم في العيش الكريم، وتشجيعهم على التعاون والعمل كشركاء معهم لنقلهم إلى وضع أفضل، ويمكن معالجة هذه المشكلة بالتعليم ثم التعليم ثم التعليم ، حيث أن التعليم لهذه الشريحة سيوفر لها الوعي والعمل والصحة وكثير من فوائد التعليم التي لا يمكن حصرها، وبذلك لما يتم تعليم المحتاجين سيساهم ذلك في تخفيف الضغط على الجمعيات والمؤسسات الخيرية، وكم نشعر بالسعادة عندما نستشعر ونعمل بحديث نبينا - صلى الله عليه وسلم - "إنما تُنصَرون بضعفائكم"، حيث إن المحتاجين والضعفاء هم سبب نُصرة الأمة؛ فلا بد من العناية الأبوية بالفقراء فنعتبرهم كأبنائنا حيث قال الله ـ تعالى ـ :"لن تنالوا البرَّ حتى تنفقوا مما تحبون"، ومن باب أولى أن نهتم بالفقراء ونعتني بهم أشد العناية، ونتفوق على غيرنا في تقديم المساعدة للمحتاج بصورة تحفظ كرامته، وتحقق رغبة أهل الخير والمتبرعين، وهذا كله من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
كما يتحقق طموحنا في مستقبل العمل الخيري؛ بأن تقوم الجمعيات الخيرية والمؤسسات التنموية بإشراك المحتاجين في عملها - حسب الحاجة - وتدريبهم وتعليمهم، وذلك توفيرًا للوقت والجهد والمال، كما يتحقق طموح العمل الخيري بإشراك الداعمين والكوادر التخصصية في النقابات بما فيهم الإعلاميين ووضعهم في صورة المنفذ، وتوفير كل ما يشجعهم على بذل المزيد من الجهد والعطاء والدعم للعمل الخيري.
/p>