تعتبر ثانوية الشهيد العربي بن مهيدي (1923-1957) بولاية بسكرة، من الثانويات العريقة في دولة الجزائر؛ حيث بنيت في عهد الرئيس الراحل الهواري بومدين، وتميزت هذه الثانوية بتقاربها في الشبه مع الجامعات الجزائرية؛ حيث وفد إليها الأساتذة من كل الدول العربية والأوربية، وكان من بين هؤلاء الأساتذة: أستاذ فرنسي، قبل التدريس في الجزائر، وهي لا زالت فتية خارجة من استعمار تجاوز القرن باثنتين وثلاثين سنة؛ ليدرس التلاميذ العرب اللغة الفرنسية بروح الاستقلال، بعيدة عن تسمية L'INDIGENNE و عن شعار الجنرال ديغول (الجزائر فرنسية). كان التلاميذ العرب من حوله في قمة الأخلاق الإسلامية، يحترمونه وكان هو يكسر العقدة الاستعمارية ويترك تقاليده خلف البحر الأبيض المتوسط، وقد حاول أن يتبنى شعار الإنسانية طيلة الموسم الدراسي، تعلم من التلاميذ (السلام عليكم) وحاول أن يقدم لهم الثقافة الفرنسية وأن يحكي لهم قصة جندارك (Jeanne d'Arc) التي قادت الثورة ضد الانجليز وأن يقدم لهم القائد العسكري نابليون ( Napoléon Bonaparte )بعظمته التاريخية دون أن ينسى دور فرنسا في الثورة 1789الفرنسية التي نشرت حقوق الإنسان للعالم، وكان هدفه نشر فكرة بين تلاميذه بأن هناك فرنسيين طيبين يحبون العرب، ولأنه كان يسمع عن الطبخ العربي كان يلبي دعوات الأعراس الرائعة التي يتكرم أولياء التلاميذ بدعوته لحضورها ليشاركهم فرحتهم، وليتعرف على ثقافة العرب المسلميين، وبأنهم ليسوا مخربين مثلما كانت الصحافة الاستعمارية تصور العرب على أنهم مخربين [فلاقة]، فكان الطبخ العربي والأغنية البدوية لسكان الصحراء تستهويه.
واعتاد تلاميذ ولاية بسكرة أن يقيموا حفلة في نهاية كل سنة، فطلبوا من أستاذهم الفرنسي أن يشاركهم الحفلة لأن المأدبة ستكون على شرفه، فوافق ورحب بالفكرة، ثم طلب منهم طبخة الكسكي [البربوشة] باللهجة العامية لمنطقة الصحراء؛ إذ لم يتذوقها، فقبلوا طلبه ،وفي اليوم المحدد للحفل جاء الشباب بقصعة الكسكي وطلبوا من أستاذهم التقدم منهم والجلوس؛ ليشكلوا دائرة حول القصعة. الا أن الأستاذ تغير لونه الى الاحمرار، ثم طلب نصيبه في صحن انفرادي ليأكل على الطريقة الفرنسية، فابتسم له تلميذ من بين التلاميذ البساكرة وقال له: أستاذ بيار لقد درستنا الاشتراكية وقيمها، حيث لا تكون مكانة للفرد وسط الجماعة، إذن فنحن العرب ثقافتنا تشبه بعض الشيء هذه الاشتراكية ،أنتم في أوربا تحبون الصحون الصغيرة ،لكن نحن العرب نحب هذه القصعة (الصحن الكبير) وناكل بالتساوي فان شبعنا نشبع كلنا بدون أنانية وهذا قبل ظهور كارل ماركس والثورة البلشفية، تعال أستاذ بيار واعتبر نفسك اليوم اشتراكيا ليوم واحد. ابتسم الأستاذ الفرنسي وقال :هذا بالفعل ما فقدته فرنسا: (روح المشاركة) ثم تقدم وجلس يأكل مع تلاميذه ،وهو يشعر بأن هؤلاء العرب طيبون.
التدقيق اللغوي: سماح الوهيبي