القوة الناعمة..

منذ حوالي عشر سنوات، وفي سنة 2010 تحديداً، صدر كتاب (القوة الناعمة) لجوزيف ناي مساعد وزير الدفاع الأمريكي في حكومة بيل كلينتون، يتحدث فيه المؤلف عن أثر القوة الناعمة التي تفوق القوة العسكرية الأمريكية أحياناً في تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وإنني عندما أسوق هذا الكتاب هنا لا أسوّق له ألبتّة بقدر ما أجد فيه ما يدفعني للسير على خطى ما قام به ناي، حيث يرى أن القوة الناعمة سلاح فعال وناجع عن طريق الإقناع والجاذبية بدلا من الحرب والتدمير والتكلفة الباهظة، كما يوضح الكاتب أن حسم الصراعات بالقوة العسكرية لوحدها أصبح أمرا من الماضي خاصة وأن الانفتاح وقوة وسائل الاتصال والبرمجيات قد تشكل عائقا كلما حاولت الولايات المتحدة شن حرب جديدة، ويدعو إلى اعتماد استراتيجية القوة الناعمة لضمان حلفاء ليس من الحكام فقط بل من شعوب المناطق التي تريد أمريكا فرض سيطرتها عليها بشكل ما*[1]

ولسنا بعيدين عمّا حصل من تغيرات سياسية في الأسبوع الماضي 04/12/2017 من قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما رأيته من التخبط في وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر) على وجه الخصوص، والتشرذم والانقسام بين أبناء الوطن العربي الذين تربطهم ببعض علاقات كثيرة كالدين واللغة العربية والتاريخ المشترك والآلام والآمال المشتركة فضلا عن رابطة الدم العربي التي لا تقبل القسمة على اثنين.

لماذا لا نلجأ للقوة الناعمة التي أشار إليها ناي في كتابه السابق؟ لقد حاولت أمريكا تحسين صورتها في العالم الإسلامي والعالم كله ببذل ملايين الدولارات من خلال سفاراتها خصوصا بعد موجة الكراهية التي لحقت بهل إبان غزو العراق وأفغانستان.. بدلا من أن نندب حظنا ونشتكي ظروفنا يجب أن يتم التحرك على كافة الصعد من قبل الأفراد والشعوب، ونحن اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي شعب عربي واحد لا حواجز بيننا ولا حدود كما هو الحال على أرض الواقع، ولا ننتظر دور الحكومات العربية فهي عاجزة ومصابة بالشلل ولن تحرك ساكناً، وعلى إعلامنا العربي استثمار موجة السخط العربي والإسلامي وترجمتها عبر تعزيز أساليب المقاطعة للبضائع الأمريكية مثلاً، أعلم أن هناك من يقلل من أهمية هذه الخطوة وقد رأينا كيف آتت ثمارها أثناء مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة عام 2000، وقبل أن يبرد هذا الحماس لا يجب علينا الشكوى والتذمر والأنين فاليهود أعداؤنا منذ الأزل ولن يكونوا كما نريد وتدعمهم الولايات المتحدة بشكل واضح وقسم كبير من دول أوروبا، فالمقاطعة تعني إيقاف ضخ الدولارات الأمريكية إليها، وإيقاف استهلاك بضائعها في دول المشرق العربي، ولا شك أننا كسوق عربية مستهلكون لكثير من البضائع الأمريكية، كالسيارات والأدوات الكهربائية والمنزلية والمفروشات والعطور والحاسبات والمشروبات مثل البيبسي والكولا وخلافه، لماذا لا نتفق بأبسط قواعد اللعبة فنمتنع عن شرائها؟ لماذا نحن شاطرون ضد بعضنا فقط بالسباب والقذف وكيل الاتهامات بما لا جدوى منه؟

من المفترض أن أزمة كهذي تعيد ضمير الأمة إلى وعيه الحقيقي، كي يصحو من سباته العميق، الأمر لا يحتاج منا معجزات ولا تبرعات ولا جيوشاً ولا عتاداً، الأمر يحتاج إلى مزيد من المقاطعة، وخير دليل على أهميتها ما قام به الملك فيصل مع ونستون تشرشل حينما هدد بقطع البترول فقط كيف انصاعت أمريكا والغرب كله لطلبه، أقول دائما لا ننتظر شيئا من حكوماتنا العربية فهي مشلولة، علينا أن نتحلى بالوعي نحن وأبناؤنا وأسرنا ومجتمعاتنا ونبدأ بالمقاطعة ولو تدريجياً، إن أخطر ما يهدد تلك البلدان اقتصادها وبيدنا الكثير لنفعله، فلا نقلل من أهمية ذلك أبداً. ولنكف عن الصراخ في وجوه بعضنا بعض، فكسب القلوب أجدى من كسب المواقف، كنت وما زلت أتوجه بندائي للعاقلين من العرب أن يتوقفوا عن الشجار فيما يخدم عدونا جميعاً، في الوقت الذي نحن أحوج فيه إلى رص الصفوف وتوحيد الكلمة، أما الانسياق وراء حسابات السفهاء والمغرضين التي تحث على الكراهية، وتزرع الفرقة والشقاق بين أبناء الجسد الواحد فضرب من العبث وإهدار الوقت بما لا فائدة منه.

استوعبنا الدرس سابقاً حينما أساءت صحيفة دانماركية للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ووقفت الأمة صفا واحدا ضد التجاوزات عن طريق المقاطعة، ولو كانت المقاطعة مؤقتاً، فقد خسرت الدانمارك وحلفاؤها الكثير بشهاداتهم هم(والحق ما نطقت به الأعداءُ)، فما المانع من استخدام القوة الناعمة كقوة داعمة، ستتغير معها الموازين بكل تأكيد، ولكن علينا أن نحدد نقطة الانطلاقة وهذا الوقت المناسب لذلك، لا ترتجوا من أعدائكم خيراً كيلا نكون من الذين (يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا)، نريد سلاما عادلا وشاملا واستعادة للأراضي المحتلة دون أن نحرك ساكناً، الشعارات شبعنا منها والهتافات الفارغة لم تصنع مستقبلا ولم تغير واقعاً، وكفانا سكونا ونحن عالة على ما صنعه أجدادنا، قد حان دورنا كأفراد ومجتمعات وشعوب وأمم أن نثبت عن طريق القوة الناعمة للعالم أجمع أننا أمة تستطيع أن تدافع عن نفسها وعن مقدساتها.

حميد الأحمد

[1] ويكيبديا

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية