إن القراءة فضلاً عن كونها إحدى مهارات التعلم الأساسية: ( القراءة، والكتابة، والتحدث والاستماع،) هي وقود للكاتب والأديب والشاعر والصحفي والمدرس والخطيب وإمام المسجد ووغيره وهي الرئة الثالثة التي يتنفس منها الإنسان - ويروي د. أحمد زويل في كتابه (عصر العلم) أنه قابل الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وأخبره الأخير أنه يقرأ دائماً وأن الكتاب لا يفارقه - والقراءة بلا شك هي الزاد الذي يحرص على تناوله كل من أراد أن يمسك القلم ويكتب، ولا أخص فناً بعينه، برأيي أن يقرأ المشار إليهم أعلاه كل ما يقع تحت أيديهم، ولكن بعضهم يريد أن يكتب باستمرار فتضيق دائرة الكلمات حوله فيكرر ما قاله سابقاً، بأدوات مختلفة، فهو حريص ألا ينقطع عن الإعلام وأن يبقى على صلة بالقراء والمثقفين على اعتبار أن الكتابة قاسم مشترك بينه وبينهم، ولذا يحتار بين أن يطيل القراءة، وينقطع عمّن حوله مشغولاً بقراءته فيأتي بالجديد أو يبقى على تواصل ويقلل من جرعة القراءة فيغيب للقراءة ويحضر للكتابة، وفي الحالتين تعطيل لملكته وموهبته.
عليه الموازنة في القراءة والكتابة فصاحب القلم السيّال يحتاج إلى وقود أكبر لأن سرعته في الكتابة أعلى والعكس صحيح.
ما عدت أؤمن أن شعراء الجاهلية كانوا يستقون قصائدهم من وادي عبقر أو من شياطين الشعر كما علمونا في المدارس والجامعات، حتى لو لم يحسنوا القراءة والكتابة فهم بلا شك يحفظون ويروون الكثير من التراث الشفهي عمّن سبقهم أما قضية أن ينبغ نابغة كما النابغة الذبياني الذي زعموا أنه بدأ يقرض الشعر في الثمانين إن صحت الرواية وهذا سبب تسميته بالنابغة - هكذا فجأة بين ليلة وضحاها فمسألة تحتاج إلى نظر.
أكرر قولي إن القراءة وقود لمن أراد المسير ولا تقتصر على الأدب طبعاً، ولكنني أتناولها من هذا الجانب، فالشاعر والأديب وهما ما يعنيني هنا بالذات يحتاجان للقراءة المتواصلة واستلهام التراث مع الاطلاع على مخرجات الحداثة كل في فنه وبلا انقطاع وقد يكون هذا سبباً في تأخر الكثيرين في طباعة نتاجهم، مع أنني لا أعتمد كثرة المطبوع مقياساً لمهارة الفنان أو المبدع في أي مسلك، وكان الجاحظ غزير الإنتاج (نثراً) فروي أنه كان يكتري (يستأجر) دكاكين الورّاقين ويسهر الليل فيها للقراءة ولا تخل مكتبة عربية من كتبه الأدبية الجامعة..
وجاء في مذكرات الشيخ علي الطنطاوي قوله : (لو أحصيت معدل الساعات التي كنت أطالع فيها لزادت على عشر في اليوم).
ولا بد أن أشير إلى جهود دولة الإمارات في هذا الجانب من خلال مسابقة (تحدي القراءة) السنوية للنشء في التعليم العام، حيث تركز المسابقة على إعداد جيل قارئ نشط.