بسم الله الرحمن الرحيم "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" سورة القصص: آية (7).
كيف يمكن لحسابات بشرية أن تستوعب أنه إذا خافت أم على ابنها أن تلقيه في النهر؛ لينجيه الله تعالى ويرده إلى أمه، ويجعله من الرسل، ولكنها حسابات إلهية تعجز عنها حسابات البشر.
وفي حسابات البشر
1-1 = صفر
1 + 1 = 2
أما في الحسابات الإلهية:
1 + 1 = 3
1 + 1 = 1
1 -1 = 1
فهناك عناصر موجودة في الحسابات الإلهية وغير موجودة في الحسابات البشرية، مثل: الصحة، ولطف الله، والبركة، وغيرها.
فالصحة رزق غير ظاهر، يزيد من ناتج الحسابات السابقة، حيث يدخل فيها رقمًا موجبًا؛ ذلك أن فقدان الصحة -لا قدر الله- يخصم من الحسابات السابقة، إذ يدخلها بالسلب، فالمريض ينفق أمواله على العلاج عافانا الله وعافكم.
ولطف الله رزق خفي أيضا، فيقول سبحانه وتعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" سورة البقرة: آية (216)، كما يقول سبحانه وتعالى: " فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا" سورة النساء: (آية 19)؛ حيث بين الله العلة في قوله: "والله يعلم وأنتم لا تعلمون"، وقد أوضحت لنا حكاية رسول الله موسى -عليه السلام- مع الخضر -عليه السلام- لطف الله في المواقف الثلاثة التي أوردتها سورة الكهف، ومن بينها "أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا" سورة الكهف: آية (79)؛ لذا لا تحزن فقد يضايقك أحد بفعل ما، ظاهره شر ولكنه قد يجلب لك خيرا كثيرا.
وكذلك البركة رزق الله الخفي الذي إذا دخل في الحسابات البشرية بالموجب زادها، وإذا دخل بالسالب -لا قدر الله- أنقص ناتج هذه الحسابات، فالزكاة مع أنها مبالغ تخصم من الأموال فتنقصها ظاهريا في الحسابات البشرية، إلا أنها تزيد من هذه الأموال حقيقة في الحسابات الإلهية؛ لذا جاءت كلمة الزكاة التي تشير لغة إلى النماء والزيادة، وقد أكد الرسول محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- هذه الحقيقة التجريبية الملاحظة بقوله: "ما نقص مال من صدقة".
وهكذا يتضح لنا أن الحسابات الإلهية قد تختلف عن الحسابات البشرية بفعل عناصر ما غير ظاهرة، مثل: لطف الله، والبركة، والصحة، التي إذا دخلت بالموجب في الحسابات البشرية زادتها، وإذا دخلت بالسالب لا قدر الله أنقصت هذه الحسابات، لذا تقول الحكمة البالغة: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، ومن ثم نسأل الله -سبحانه وتعالى- قبل زيادة الرزق، نسأله الصحة والبركة ولطفه الخفي.
ولقد أدرك بعض العارفين بالله هذه الحسابات الإلهية، فعندما طلب الخليفة هارون الرشيد، الذي رأى سحابة فقال: أمطري حيث شئت، فسيأتيني خراجك، ماء فلما أراد شربه، قال له ابن السماك: لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها؟ قال الرشيد بنصف ملكي، فلما شرب قال ابن السماك، ولو منعت خروجها من بدنك، بكم كنت تشتريها؟ قال الرشيد: بجميع ملكي، فقال ابن السماك: إن ملكا لا يساوى شربة ماء وخروج بوله لجدير ان لا ينافس فيه.
وتأتي شواهد التاريخ لتؤكد هذه الحسابات الإلهية، فحينما بويع أبو جعفر المنصور بالخلافة، وذهب الناس يهنئونه بإمارة المؤمنين، ودخل عليه مقاتل بن سليمان وكان أحد الواعظين، فقال المنصور له: عظنا يا مقاتل، فقال مقاتل: أعظك بما رأيت أم بما سمعت؟ قال أبو جعفر: تكلم بما رأيت. قال: يا أمير المؤمنين، مات الخليفة عمر بن عبد العزيز وقد ترك أحد عشر ولداً. وخلف ثمانية عشر ديناراً كُفن منها بخمسة، واشتروا له قبراً بأربعة، ثم وزع الباقي على ورثته. ومات الخليفة هشام بن عبد الملك، فكان نصيب إحدى زوجاته الأربع ثمانين ألف دينار، غير الضياع والقصور، كان نصيب الزوجات الأربع هو ثلاثمائة وعشرون ألف دينار، وهذا هو ثُمن التركة فقط، والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت بعيني هاتين في يوم واحد ولداً من أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على مائة فرس في سبيل الله، وولدا من أولاد هشام بن عبد الملك يسأل الناس في الطريق. هذه هي الحسابات الإلهية التي تختلف عن حسابات البشر، وصدق الله العظيم إذ يقول: "وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا" سورة النساء: آية 9
التدقيق اللغوي: سماح الوهيبي.