يقول سبحانه وتعالى: "الله يرزق من يشاء بغير حساب" (سورة البقرة: آية 212).
يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه: "وفي السماء رزقكم وما توعدون* فورب السماء إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون"(سورة الذاريات: آيات 22، 23، لاحظ أن الرزاق ذو القوة المتين هو الذي أقسم)
وروى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: ( يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ) .
قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام : " هَلُمُّوا إِليَّ . فأَقبَلُوا إليه فجَلَسُوا ، فقال : هذا رسولُ ربِّ العالمِينَ ؛ جِبريلُ نَفَثَ في رُوعِي : إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا وإنْ أبطأَ عليهَا، فاتَّقُوا اللهَ ؛ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه."(الراوي:حذيفة بن اليمان | المحدث : الألباني | المصدر:صحيح الترغيب/ الصفحة: 1702 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح) مع التأكيد على السعي إلى الرزق سعيا يرضي الله.
سئل الإمام الحسن البصري عن سر زهده، فقال: علمت أن عملي لن يشتغل به غيري فاشتغلت به وعلمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي، وعلمت أن الله مطلع علي فاستحيت أن يراني على معصية، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربي(لاحظ تقديم الإمام العمل قبل الاطمئنان إلى الرزق)
وهذا لا يعني الكسل والتواكل، فنحن مأمورون بالسعي والعمل، لاحظ قوله تعالى "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه"، ولكن قد تختلف عقلية الأفراد عند سعيهم في الحياة وفي عملهم بين نوعين من العقليات، كما يلي:
(عقلية الوفرة. Abundance Thinking)
(عقلية الندرة.Scarcity Thinking)
هما مفهومان سائدان في حياتنا(ذكرهما د. ستيفن كوفي في كتابه الشهير العادات السبع الأكثر فعالية وكتابه الشهير الأخر العادة الثامنة) وقد يساهما في تغيير حياتنا ومجتمعاتنا للأفضل أو للأسوأ.
عقلية الوفرة :
*هي أن تؤمن أن هناك فرصاً تكفي الجميع و خيرًا يكفي الجميع في هذه الدنيا.
*فلست بحاجة أن تخسر أحداً أو تؤذي أحداً حتى تكسب أنت، فهناك خير يكفي الجميع.
*صاحب عقلية الوفرة شخص هادئ مطمئن يمدح الآخرين ولا يخاف من نجاحاتهم .
*صاحب عقلية الوفرة يشارك الناس تجاربه ومعارفه وخبراته.
*صاحب عقلية الوفرة يؤمن بأن رزق الله واسع يسع الجميع.
*صاحب عقلية الوفرة يعمل كعضو فعال في فريق العمل ويؤمن بأن الفريق ككل يكسب أو يخسر.
*صاحب عقلية الوفرة متعدد التفكير والاتجاهات وذو أفق واسع.
*صاحب عقلية الوفرة في حالة سلام داخلي ويستمتع الآخرين بالعمل معه وينجزون.
*صاحب عقلية الوفرة يتمنى الخير والتوفيق للجميع ويسعى إلى إلهام الآخرين لكي يكتشفوا قدراتهم ويقدم لهم القدوة الحسنة.
عقلية الندرة:
# هي أن تؤمن أن الخير والفرص محدودة (اللقمة واحدة إما أن تأكلها أنت أو يأتي احد غيرك يأكلها)؛ و لابد أن يكون هناك واحد خسران. فالحياة كلها صراع و تنافس .
# صاحب عقلية الندرة يخاف أن ينجح الآخرين ويعتبر أن نجاحهم خسارة له وأن خساراتهم مكسب له.
# صاحب عقلية الندرة يخاف أن يمدح الآخرين ويسعى إلى انتقاد الجميع دائما.
# صاحب عقلية الندرة بخيل لا يشارك الآخرين معلوماته ومعارفه وخبراته.
# صاحب عقلية الندرة يرى أن الفرص محدودة ولا يأتي غيرها.
#صاحب عقلية الندرة أحادي التفكير والاتجاه وذو أفق ضيق.
#صاحب عقلية الندرة في حالة اضطراب داخلي، يشعر من يعمل معه بتوتر وقلق، فهو يحب العمل بمفرده.
#صاحب عقلية الندرة يجد نفسه في موقف الحاسد الذي يتمنى زوال نعمة غيره، ونعوذ بالله من ذلك.
والسؤال الأول: أي عقلية يمكن أن تجعلك تعيش بهدوء و طمأنينة و سلام ويمكن أن تسهم في تغيير حياتك ومجتمعك للأفضل؟
الإجابة: (عقلية الوفرة بالتأكيد) فالخير موجود للجميع.
والسؤال الثاني: كيف يمكن أن تجعل عقليتك عقلية الوفرة وليس الندرة؟
الإجابة:
*بالإيمان الراسخ بأن خزائن الله لا تنفد، وبأنه لن يأخذ رزقك غيرك مع السعي والعمل بالطبع
*بالنظر إلى أصحاب الحرف والمهن المختلفة؛ حيث يوجد سوق أو مكان تجمع للعطارين وآخر لتجار الخضراوات والفواكه وثالث للذهب ورابع للأثاث وخامس لتصليح السيارات وسادس لمحلات تصوير الأوراق والطباعة وسابع للأجهزة الكهربائية وغيرهم ، والجميع يرزق من فضله.
* بحب الخير للآخرين والدعاء بالتوفيق للآخرين، فالنوايا الطيبة تجلب لأصحابها الرزق، فمن يكره النعمة لغيره قد تكره النعمة أن تأتي إليه كما قال الإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله.
*بالعمل والاشتغال بالنفس وتهذيبها والانشغال عن النظر الدائم إلى أرزاق الآخرين، فلن تموت نفس قبل أن تستوفي رزقها وأجلها.
*بالتأكد من أنه إذا اجتهدت في أمر ولم تحصل عليه ، فإن الله سيعوضك في نفسك أو أولادك أو كليهما أو أن هذا الأمر لم يكن لك فيه خير.
* بدلا من بذل الجهد الكبير في التنافس على نصيب أكبر من كعكة صغيرة، ابذل نفس الجهد في التعاون على جعل هذه الكعكة كبيرة، وبالتالي سيزيد نصيبك منها تلقائيا.
وأخيرا وليس آخرا، فعقلية الندرة سر آخر لاضطراب النفس وتأخر المجتمعات، بينما عقلية الوفرة سر آخر لاطمئنان الأفراد ولتقدم والمجتمعات.