وها قد أتى، أتى ميقات العيد الوطني لسلطنة عمان، والذي ارتبط توافقاً مع ذكرى ميلاد الراحل السلطان قابوس بن سعيد البوسعيدي في الـ١٨ من نوفمبر في كلّ عام، أسكنه الله فسيح جنّاته وأظلّه بظلّه يوم لا ظلّ إِلَّا ظلُّه.
لَمْ نَكُن لِننسى ذلك اليوم العصيب علينا لفراقه، والبهيج -كما نرجوه له- لِوفادته على من سبقه إلى الدار في جمع خَلْق الله الصالحين.
فحينما حزن العالم لرحيله، دعونا الله أن يجعله في ركب الصالحين، ونحن نحسب أنه قد حُفِظت له مكانته في مصافّ المخلصين مِنْ عباد الله في الدنيا.
كيف لا، وَقَدْ زُفت معه صحائفه المليئة بالأعمال المضيئة التي تركت إرثاً كريماً لأرضه ووطنه وأهله وناسه وكلّ نواحي السلطنة التي حفظ ترابها.
السلام عليك حيث كنْت، والعهد محفوظ يسبق لك الدعاء في ضمائر أبنائك في سلطنة عُمان.
ثِقْ يا رفيع القَدْر في الدّارين، ثقْ يا والد العمانيين أجمعهم، ثِقْ بأن أماناتك في الصون والإنجاز، ثِقْ بأن حنايا الوطن قد ازدهرت بجهود المخلصين الذين نشؤوا جيلاً بعد جيل على يديك.
ثق أن وديعة الوطن قد أودعتها بين أيادٍ كرام من أبنائك.
نم واسترح، في مهد أرضك، فأنت له جدير، وتراب أرضك حنين عليك لطيف.
أتعرف -رحمك الله- أتعرف لِمَ؟
لأنك حفظته في أعتى الظروف، فانتظرَ هذا التراب أن يكون لك لحافاً كما تضم الأم الرؤوم ولدها وتوسّده صدرها بلطف.
هنيئاً لأرضِ عُمان التي ضمّت (ضناها)، وهنيئاً لأهل عُمان بصماتك الراسخة على جبين الجبال والصخور والقِفار وموجات البحار، وأشرعة السفن ترفرف بين دقّات الرياح العاتية، ثم تتلطف طوافاً بين حفيف أشجارك الخضراء التي غرستها.
اهنأ يا شعب عُمان.. فقد رحل الوالد في وداع مهيب لينزل مسكن اللحد الحنين، وتصعد الرُّوح إلى بارئها في رضى عند ربٍّ عزيزٍ كريمٍ مقتدر.
فلا عزاء اليوم على فراق ما دام العهد باقياً..
ولا خوف بعد أنْ حمّلت الأمانة أعناق الشرفاء..
فارقد هنيء الرُّوح في ظلّ مجدٍ صنعته بسنوات عمرك..
خمسون عاماً في مقاييس الزمن على الأرض تكافئها الرحمات في موازين ربّ الكون.
فارْقُد وقد لفّتك أرض عُمان بحضن الأم الرؤوم.. والروح قد طابت في ظلال رحمة رَبّك.
هنيئاً لك خمسون عاماً أمضيتَها مِنْ عمرك تضيءُ شمس العتمة لتُشرق على بتلات الأجيال الغضة بمستقبل العمل الدؤوب.
نمْ واسترحْ فأبناؤك رجال، وأطفالك رجال، وبَنَاتك أنجمٌ متلألِئات ألقاً بالعمل في مصافّ السيدات.
سلاماً يا قرير العين، سلاماً، فأمانات عهدك محفوظة بوثاق الحزم واليقين بين يدي الجليل السلطان هيثم بن طارق البوسعيدي رعاه الله، وفي أعناق أبنائك.
كلَّ عام والسلطنة في عيدها شامخة بتاريخها وأهليها.
كلَّ عام والسّلطنة في عتادِ الفخر ترفع الرأس.
وكلَّ ذكرى للعيد الوطني العماني مِلْؤها الكون بالدعوات.
ومادام الدُّعاء لك موصولاً، فلا فراق بيننا.