مginger breadنذ صغري وأنا أعشق السفر والترحال، فكلّ تفاصيل السفر تسعدني من التخطيط إلى الاستعداد إلى مرحلة إعداد حقيبةالسفر إلى مرحلة إنهاء إجراءات السفر ومن ثمّ الفندق ومن ثمّ التخطيط للرحلات داخل الوجهة السياحيّة، هناك دائما متعة ولذّة في كل شيء بل فائدة في كل خطوة، وهناك مشاعر حزن كانت تتولّد لدي عند انتهاء الإجازة والعودة إلى الوطن. وأنا صغيرة كنت أعتقد أنّها مشاعر طفوليّة ستنتهي عند الكبر. 

في هذا الصيف كنت في زيارة إلى منطقة البحيرات في بريطانيا، وهناك حجزت في رحلة لرؤية العشر بحيرات الموجودة في تلك المنطقة، وأثناء الرحلة توقّف بنا المرشد السياحيّ عند حديقة دفن فيها الشاعر المشهور William Wordsworth. وعند مدخل الحديقة كان هناك مخبز صغير لبيع بسكويت الزنجبيل Bread، ولقد تفنن المرشد السياحيّ في وصف هذا البسكويت وكيف هو من ألذّ المخبوزات في هذه القرية Casmary وأننا يجب أن نتذوّقه لأنّه وصفة شهيرة اشتهرت بها هذه القرية، ووجدت طابورا طويلا مصطفًّا لشراء هذا البسكويت فقلت في نفسي لا بد أنّه لذيذ جدّا فوقفت معهم في الطابور حتى أشتري هذا البسكويت، وعند وصول دوري سألتني كم قطعة تريدين؟ فطلبت ٦ قطع وذلك بناء على كلام المرشد ورؤية كل هؤلاء الناس الواقفين بالدور لشرائه، وبعد الشراء والتجوّل في الحديقة ورؤية قبر الشاعر المعروف Wordsworth. ركبنا الحافلة مرّة أخرى للانتقال إلى مكان آخر وأثناء جلوسي في الباص مددت يدي إلى داخل الشنطة لأتذوّق بسكويت الزنجبيل وأنا أمنّي نفسي بالطعم اللذيذ الذي سيدخل فمي، ومع أوّل قضمة لسعتني حرارة الزنجبيل ولكني واصلت المضغ مدّة، ثمّ قلت لنفسي امم إنّه ليس بتلك اللذّة التي وصفها، فهو كطعم أي بسكويت عاديّ، وربّما لدينا في الكويت ما هو ألذّ منه بكثير، لم أكملها، ووضعتها داخل الكيس مرّة أخرى، ثم وضعتها في الشنطة.

استمرّت رحلتي في منطقة البحيرات مدّة ثلاث أيّام وعندما انتهت الرحلة وبدأت بإعداد حقيبتي للذهاب إلى نيوكاسل نظرت إلى بسكويت الزنجبيل، هل آخذه معي أم أتركه في غرفه الفندق؟ سرحت لوهلة ثم قلت لأضعه في الشنطة، ربّما أكلت منه في القطار، وصلت إلى نيوكاسل وجلست فيها ربّما أربعة أيّام، ثم توجّهت إلى لندن وبسكويت الزنجبيل يتنقّل معي في حقيبة يدي ،كلّما أحسست بالجوع أكلت منه قضمة، ليس للذّته بل لسدّ الجوع، حتّى وصولي إلى المحطّة الأخرى، وكانت الرحلة بعد لندن هي جولة بحرية (كروز) إلى إسبانيا وجزر الكناري وانتقل معي بسكويت الزنجبيل إلى (الكروز) وهناك نسيته نهائيّا حيث كان (الكروز) مليئًا بالأنشطة والأكل اللذيذ الذي يفوق طعمه بسكويت الزنجبيل، وعند نهاية (الكروز) وفي الطريق إلى لندن بسيّارة الأجرة أحسست بالجوع، فتذكّرت بسكويت الزنجبيل في حقيبتي، فأخرجته وبدأت أعطي منه زوجي وبناتي فلم يستسيغوا طعمه، وقالوا لي: ماما كيف تأكلينه؟ قلت لهم: لا أعلم، اشتريته ووضعته في حقيبتي، آكل منه كلّما أحسست بالجوع، وعند وصولي إلى لندن أيضا نسيت رفيق الرحلة بسكويت الزنجبيل، حيث إن لندن تعجّ بالمطاعم الفاخرة والحلويّات اللذيذة، وعندما شارفت الرحلة على الانتهاء، وبدأت في ترتيب حقائبي للعودة، وجدت بسكويت الزنجبيل أمامي مرّة أخرى، وقد بقي منه قطعة واحدة فقط، نظرت إليها وهنا اجتاحتني مشاعر الضيق لانتهاء الإجازة، المشاعر التي كنت أحسّ بها في الطفولة، وكنت أعتقد أنّها غادرتني مع الكبر. مددت يدي إلى البسكويتة، وكأنّني أراها لأوّل مرّة، قضمت أوّل قضمة، ومع لسعة الزنجبيل استحضرت مشاعر الفرح التي أحسست بها في تلك الإجازة، استحضرت المواقف المضحكة، والمواقف المتعبة، استحضرت جمال الجوّ والطبيعة وجمال الورد البنفسجيّ الذي كنت أراه في كل زاوية، قضمت القضمة الثانية وعلى وجهي ابتسامة وأنا أتذكّر تلك البقرة الجميلة التي رأيتها في الريف الأسكتلندي، قضمت القضمة الثالثة فتذكرت صديقتي التي كانت تطعم البط، ثم القضمة الرابعة فتذكرت تلك الأنشطة والأغاني الجميلة في (الكروز)، هممت بالقضمة الخامسة فلم أجد البسكويتة! لقد انتهت آخر قطعة من بسكويت الزنجبيل، البسكويت الذي كنت أتساءل بيني وبين نفسي لماذا يعشقونه؟ إنّه ليس لذيذا! فجأة أصبح لذيذا في فمي وله طعم آخر، فجأة أصبحت أبحث داخل الكيس لعلّي أجد قطعه أخرى، لا لا يوجد قطع أخرى.  لقد نفد بسكويت الزنجبيل، أمدّ يدي داخل حقيبتي، ربّما هناك قطعة وقعت داخل الحقائب، أبحث يمينا وشمالا، فجأة أصبح بسكويت الزنجبيل لذيذا. وانتهت الاجازة وعلينا الآن العودة إلى الواقع والعمل، ربّما لم يكن بسكويت الزنجبيل لذيذا عندما تذوّقته أوّل مرّة، لكنّه ارتبط بذكريات جميلة ولحظات حلوة، وربّما المشاعر التي كنت أعتقد أنّها غادرتني في الطفولة لم تغادرني فعلا، فأنا أحسّ بها مع انتهاء كل إجازة، وترتبط معي حتى بالتفاصيل الصغيرة والحمد لله أنّ لدينا وطنا نعود إليه .

 

كاتبة كويتية
حاصلة على الماجستير ودكتوراه في علوم المكتبات والمعلومات. مدرس مساعد بقسم دراسات المعلومات، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية