لاقت مقالتي السابقة التي حملت نفس هـذا العنوان أصداء طيبة ولله الفضل والمنة عرفتها ممن حرصوا على نقل وجهات نظرهم ، وقد أبرزت هذه الآراء مؤشرا هاما واستوجبت تنويها رئيسيا ، أما (المؤشر) فهو السعادة بتعدد الشخصيات والمؤسسات وجوانب الإبداع في عالمنا المعاصر وسط الكم الهائل من أخبار الحروب والكوارث والصراعات التي امتلأ بها إعلامنا المقروء والمرئي والمسموع ، وأما (التنويه) فهو بأن لفظ (وطني) الذي تضمنه عنوان مقالتي الحالية والسابقة إنما عنيت به الوطن بمفهومه الواسع سعة أراضي الدول الإسلامية جمعاء بل إنه يمتد لكل أرض وطأتها قدما مسلم أو مسلمة . وقد اعتمدت في هذه المقالة على منهج مماثل لسابقتها عبر ذكر الإبداع المسلم دون تقييد بجنس أو جنسية أو غيرها من المعايير الأرضية الفانية ، فالإبداع كالحق والحرية والجمال والعدالة والحب من المفاهيم الإنسانية الراقية التي لا تعيقها قيود أو تحصرها سدود أو تحدها حدود ، فدعونا نتعرف على كوكبة جديدة من المبدعين :
# قناة FM 98,9 : وأعني بها إذاعة القرآن الكريم الكويتية التي ضبطت وضبط الكثيرون من داخل الكويت وخارجها مؤشرات أجهزة المذياع عليها ، وذلك لما تتمتع فيه من تنوع وثراء وتميز على مدى أربع وعشرين ساعة كاملة قل أن نرى مثله في الوسائل الإعلامية (الدينية) كما يحلو للبعض تسميتها .
فهذه القناة الشابة في عمرها وطاقاتها تبهرنا تارة ببرامجها الجماهيرية على شاكلة (تباشير الصباح) و (واحة المستمعين) وتارة عبر إطلالات متنوعة لدعاة معروفين كالشيخ أحمد القطان والدكتور طارق السويدان والداعية نادر النوري والدكتور محمد الثويني ، كما لا تفوت هذه القناة الفرصة بالالتقاء بكل من تستضيفهم دولة الكويت من ضيوف أكارم كالعلامة الفاضل محمد سعيد رمضان البوطي .
لا يخفى على أحد أن تخلي هذه القناة المتميزة عن الصورة النمطية التقليدية للإعلام (الديني) يعرضها لانتقاد الكثيرين ممن لم يعتادوا بعد على تقبل الإسلام الحركي الفاعل والمشرق ، لكنني واثق بأن الإقبال المتزايد والمشاركات المتنامية تعد إشارات نجاح وعلامات تشجيع لكل القائمين والعاملين في هذه القناة الإذاعية المبدعة .
# الفنان أسامة الصافي : فهذا المهندس الذي أطل على العالم العربي من دولة الإمارات العربية المتحدة ليمتعنا بألوان جديدة وألحان فريدة من النشيد الملتزم والمعبر عن آمال الأمة وآلامها ، يعد بلا شك من العلامات الفارقة في مسيرة النشيد الإسلامي الذي طالما انحصر في وصف ملاحم الجهاد وأهوال المعارك .
هذا المبدع الذي ينتمي إلى الدوحة المحمدية الزاهرة والذي هـو عضو في (رابطة الفن الإسلامي) أطل علينا عبر ألبومات عديدة مثل : درب الصالحين وأعماق السكون وفي عيوني ، وعبر مشاركات متنوعة منها ما سمعناه في شريط حساس وألبوم خليجي واحد ، ولقد وردت في الأبيات التي ينشدها الفنان الصافي معاني جميلة وأحاسيس نبيلة منها قوله :
يا أخي المسلم في كل مكان وبــلد ،،، أنت مني وأنا منك كروح في جسد
عصبة قد صاغها الله أضاءت للأبد ،،، وتسامت في شعار: قل هو الله أحد
هكذا فلتكن القصائد والأوزان وبمثل هذا الرقي فليأتنا الإنشاد والتلحين بعيدا عما لاشك في تحريمه من غناء الفحش والمجون .
# لجنة بشائر الخير : والتي كان اسمها قبل انطلاقتها الحالية هو لجنة التوعية الاجتماعية فإذا بها تغير المعنى والمبنى لتغدو بشارة خير في وطن هدت المخدرات طاقات شبابه ، وانطلقت سفينة هذه اللجنة المباركة بقيادة النوخذة الداعية عبدالحميد البلالي لا تبالي بالتشكيك والتثبيط والتعطيل فلاقت ولله الحمد دعم الجهات الرسمية وتعاون الجموع الشعبية وفي المقام الأول تجاوب المدمنين وتعافيهم بعون الله وتيسيره .
وهاهي دولة الكويت تشهد الآن حملات توعوية كحملة (غراس) الإعلامية وجهود علاجية مثل (جماعة المدمن المجهول) تتنافس فيما بينها على ما فيه خير المجتمع وتعمل جاهدة على إصلاح من أعوج من أبنائه انطلاقا من قول الله تعالى : {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} .
ختاماً : عالمنا المادي المعاصر مثل الصحراء الجافة التي نحسبها جامدة وخاوية إلا أن دقيقة سكون فيها تكفي لتكشف لنا صحراؤنا عن العديد من أنواع الحياة والتحدي بدءا من النباتات مروراً بالحشرات والزواحف وانتهاءً بالكائنات الحية الأخرى ! فلنتأمل فيما حولنا ولنهدئ وتيرة أنفسها لتتكشف لنا جوانب الإبداع الموجودة في بلداننا وفيمن حولنا من أقرباء وأصدقاء ... بل وحتى في أنفسنا ! نعم فداخل كل منا إبداعات وطاقات تنتظر من يحفزها وينفض عنها الغبار ، قال الله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} .