ها أنا ألتقي معك أيها القارئ العزيز في المقال الثالث من سلسلة مقالات تطرقت فيها لنماذج من المبدعين وصور من إبداعاتهم ، وقد اشترك هؤلاء في عدة صفات أهمها كونهم شخصيات معاصرة تنتمي للأمة الإسلاميـة التي تنبـأ لها رسولنـا صلى الله عليه وسلم بدوام الخير حيـن قـال : ( مثل أمتي مثل المطر ، لا يدري أوله خيرٌ أم آخره ) حديث مرفوع رواه أحمد والترمذي والطبراني وقال د.يوسف القرضاوي في شرحه : ( أي كما أن لكل نوبة من نوبات المطر فائدتها في النماء ، كذلك كل جيل من أجيال الأمة له خاصية توجب خيرته ) . وإن كان هذا هو وجه الشبه إلا أن بينهم تنوعاً وتمايزاً كبيراً ، فقد تنوعت أجناسهم وجنسياتهم بين الفتاة الكويتية والرجل الإماراتي والشيخ الماليزي وغيرهم ، وتمايزت إبداعاتهم بين السياسة والفن والتوعية والإعلام والأدب وغيرها من ألوان الإبداع الإنساني المختلفة إيماناً من مبدعينا بشمول معنى الآية الكريمة : [ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ] ، وأنا اليوم أستعرض معـك – أخي القارئ – كوكبة أخرى من المبدعين :
# الدكتور عبدالرحمن السميط : هو علم من أعلام العلم الخيري في الكويت ما إن نتكلم عن المسلمين في أفريقيا إلا وتطالعنا صورته ونتذكر كلماته أو إحدى مغامراته الخيرية والدعوية والتطوعية في أدغالها الموحشة ، ابتدأ عمله في القارة السوداء – أو القارة المسلمة كما اقترح ذات مرةٍ تسميتها – منذ عام 1980م تاركاً عمله المريح والمجزي في وزارة الصحة لينشأ مع إخوانه عملاً آخر يرتاح بعده في الجنة إن شاء الله وينال جزاءه الطيب المبارك عليه من رب العالمين .
كانت البداية عبر ( لجنة مسلمي ملاوي ) من ذلك البلد الأفريقي الذي لم يكن به وقتئذ أي خريجٍ جامعيٍّ مسلم ، ثم اتسع الهم سعة همة شيخنا الفاضل واتساع حاجة إخواننا هناك فأصبحت ( لجنة مسلمي أفريقيا ) ، وهي اليوم تدخل عقدها الثالث باسم ثالث هو ( جمعية العون المباشر ) ولكن بقيت الـروح الأصيلة في هذه اللجنـة وهذا الرجل الذي يقول : ( أنا أقضي ما بين 10 إلى 11 شهر متقطعة سنوياً بأفريقيا ، وعندى رغبة كبيرة أن أهاجر إليها لأعيش هناك في قرية من قراها مع زوجتي ، ولكنني أتذكر بأن المعونات قد تنقطع وأن التبرعات قد تتوقف إذا ابتعدت عن المتبرعين ، فيمنعني هذا من تنفيذ هذه الرغبة التي أحملها أنا وزوجتي ) !
بصراحة لا أملك سوى توجيه عبارات الثناء لهذه الرجل وأسرته الطيبـة وإلى العمل الخيري الكويتي ممثلاً برموزه ومنهم بلا ترتيب : العم عبدالله العلـي المطوع والجد السيد يوسف الرفاعي والعم يوسف يعقوب الحجي والمهندس طارق سـامي العيسـى ، فهـؤلاء الرجال الأفاضـل – ومن قبلهم وبعدهم كذلك أناس كثيرون إن شاء الله – هم خط الدفاع الأول للكويت ولأي قطر يتأسى بأفعالهم الطيبة عند النوازل والمحن ، ولم لا ؟ ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم قد قال : ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء ) ، ومن تشرف في الرباط بالكويت أثناء احتلالها أو نشط في دعم قضيتها بالخارج آنذاك يعرف معنى ما أقول جيداً .
أما المتصيدين لأعمال الخير والبر ممن ابتليت صحافتنا المحلية باحتكارهم لها فأقول لهم : هاهي المعمورة بشتى أصقاعها تنتظر عملكم وبديلكم للجان الخيرية ، أما أن تنتقدوها من داخل مكاتبكم المريحة ودواوينكم المكيفة فهذا ضربٌ من الاستغفال لعقولنا !
# العلاّمة محمد فتح الله كولن : وهو عالم ومحاضر وكاتب تركي ولد فيها عام 1938م يتقن التركية والعربية والفارسية وله بهذه اللغات وبغيرها من الترجمات الإنجليزية والألمانية والبلغارية والألبانية والروسية مئات الكتب والمحاضرات والندوات ، وهو تلميذ نجيب للحركة الإسلامية التركية التي أشعل سراجها بديع الزمان سعيد النورسي مؤلف ( رسائل النور ) المتوفى عام 1379 هجرية والقائل: ( أملي كبير بأن الأجيال القادمة ستعيش إلى اليوم الذي يمتد فيه الإسلام إلى شتى أنحاء العالم ) .
عرفت هذا العلامة من خلال كتبه التي أرشدني لها الأخ الفاضل والقارئ النهم / فواز البحر فله جزيل الشكر ، لأنني قرأت للأستاذ كولن كتابه ( الموازين ) فوجدته فعلاً كما أسماه بالعنوان الفرعي ( أضواء على الطريق ) فهو مليء بحكم وأقوال وإرشادات هذا الرجل الحكيم ، أما كتابه ( القدر في ضوء الكتاب والسنة ) فهو شرح عصري مقيد بالأدلة الشرعية لهذا الركن العظيم من أركان الإيمان ، وجاء مؤلفه القيم ( إعلاء كلمة الله ) أو ( الجهاد ) في وقته تماماً ليوضح معاني وأحكام هذه الفريضة الشرعية التي حارت بين إفراط المتطرفين وتفريط الخائفين من سطوة الغرب وقوته المادية .
وأختم كلامي عن هذا المبدع بكتابه ( أسئلة العصر المحيرة ) التي أدعو شخصياً كل شاب وفتاة لاقتنائه وقراءته لما يتضمنه من إجابات وافية وردود كافية لعشرات الأسئلة العقائدية والتاريخية والواقعية والفقهية المحيرة ، علماً بأنه طبع من هذا الكتاب 70.000 نسخة في طبعته الأولى باللغة التركية فقط .
# النادي الصحفي أو JC كما يحلو لأعضائه تسميته : وهو نادي أنشأ تحت مظلة الاتحاد الوطني لطلبة الكويت / فرع جامعة الكويت ليكون ملتقى لتبادل الخبرات وصقل المهارات لدى محبي عالم الصحافة والإعلام بالجامعة ، وقد قدم منذ إنطلاقته في 14/4/2001م عشرات الدورات التخصصية والمحاضرات التثقيفية بالإضافة إلى إشرافه على تحرير مجلة ( الاتحاد ) الشهرية التي تصدرها الهيئة التنفيذية للاتحاد وتحرير مجلة ( الجامعية ) الصادرة عن لجان الطالبات بفرع الاتحاد ذاته .
قد يتساءل القارئ قائلاً : ولكن أين وجه الإبداع في هذا النادي والكويت والعالم الإسلامي مليئان بجمعيات النفع العام النشطة ؟ وللإجابة على ذلك أقول : إن الإبداع يكمن في عدة جوانب منها أن هذا النادي يقوم عليه شباب وفتيات متطوعون بلا أجر أو مكافأة لتنمية هوايتهم وإفادة الآخرين معهم ، بلا احتكار أو تعصب مقيت لقائمة طلابية أو تيار فكري أو حزب سياسي معين .
كما أن هذا النادي أنشأ من قبل طلاب وطالبات – آنذاك – حملوا فكرة رائدة وعملوا على تطبيقها حتى أثمرت هذا النتاج الطيب ، وأذكر منهم الأخ عبدالحميد المضاحكة – مشرف النادي ومدير تحرير (الاتحاد) ، والأخت سمية الميمني – رئيسة النادي ومديرة تحرير (الجامعية) ، والأخ أحمد الدهيشي – الداعم للفكرة منذ كانت توصية حرص على إدراجها ضمن قرارات ( الملتقى الطلابي الأول ) المنعقد عام 1999م .
ختاماً : كانت هذه باقةً من حديقة المبدعين الغناء استنشقنا معاً جانباً من سيرتهم العطرة وعطاءاتهم المميزة ، من أجل أن نحذو حذوهم ونقتدي بهم مصداقاً لقول الشاعر العربي :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
ومن واجبنا كذلك أن ننافسهم ونباريهم بالإبداع – كل منا في مجاله وتخصصه - ولم لا ! أليسوا أناساً أحياء يعيشون عصرنا ويتعرضون مثلنا لضغوط الحياة ومتاعبها ؟ فلنقم إذن للعمل ونحن نردد دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام : اللهم إني أعوذ بك من الهم والعجز والكسل .