إن مصطلح ( حوار الحضارات) يتجاوز حدود اللغة إلى أبعادٍ سياسيةٍ وثقافيةٍ وأيديولوجية واقتصادية.. لهذا كان لابدَّ من تحديد معناه منعاً للخلاف الذي قد ينجمُ لاحقاً..
وعليه..فإن المقصود بالحضارة هو الثقافة التي تتجاوز المواقف المجتمعاتية إلى الفكر الراقي والحس النقدي والجمالي والأخلاقي..وبذلك فالثقافة هي الحضارة الخاصة بكل أمةٍ من الأمم تحملُ سماتها ونهجها الروحي والفكري والأخلاقي والاجتماعي..
وحضارتنا الاسلامية تعيشُ اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى أزمةً مزدوجةً بالغة التعقيد، فهي أولاً تبحثُ عن سُبل التعايش مع العصر،وثانياً ماتزال تعاني من عداء لحضارات الغرب.. والسبب يعود إلى القطيعة والجهل والعزلة.. واليوم، وبعد انهيار الشيوعية وهيمنة الحضارة الغربية على العالم.. كان لابد من حوار الحضارات لا صراعها الذي نادى به هينتنغتون حين حذّرَ من خطر الاسلام على الغرب..
والاسلام دعا إلى الحوار والجدل( وجادلهم بالتي هي أحسن) ما يفرز تفاعلا بين الحضارات وبالتالي ينتج صدامًا ونزاعاً وحوارًا وجدلًا و .....إلخ. وصولاً الى التعايش والتسامح بين الأطراف والطوائف على اختلافها.لكن أن نتعايشَ تحت أحادية حضارة غربية لا تعترف ولا تلتزم بمرجعيتنا الاسلامية فهذا لن يوديَ إلى حوارٍ حضاريٍّ..
فالحضارة ليست حكراً للغرب، لأنها حتماً ستكون مُلكاً لأمةٍ أخرى بعدما كانت للأمة الاسلامية فيما مضى..
كما أنه ما من حضارة متفوقة على غيرها ، فلكل منها قيمٌ ومواقف وتاريخ وايجابيات وسلبيات ينبغي على الآطراف أن تدركها جيداً قيل الخوضِ في الحوار...
لكن الصورة المشوَّهة للإسلام في الغرب كانتْ العائق إذ صوَّرهُ البعضُ الخاضع لأيديولوجيات معينةٍ على أنه دين الارهاب والعنف والاستبداد.. بينما هو دين العدالة والديمقراطية وحقوق الانسان ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)..( لا إكراه في الدين)..( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا..)..
قد يقول البعض؛ إنَّ الغرب يُؤمنُ بالتعددية الحضاراتية ..لكني أعتبرُ ذلك مجرد هرطقة ما لم يتمّ الاعتراف بتلك الحضارات في أماكن صنع القرار..
وقد يتذرَّع البعض الآخر بأننا لا نملكُ القوة الاقتصادية التي تؤهلنا للعضوية الدائمة في مجلس الأمن وبالتالي
للمشاركة في صنع القرار.. هنا أقفُ مع هذا البعض الآخر لأقول؛ ينبغي علينا بناء اقتصادٍ قويٍّ ومتين..
وذلك بانتاج ما نستهلك لا استهلاك ما ينجه الآخر..( تبعية اقتصادية)
وثانياً بتطوير ميادين البحث العلمي من زراعة وصناعة وعلوم وتكنولوجيا والتي هي حكرٌ للغرب ..( تبعية
علمية).. أما أن نبقى ذلك الفكر الممزق والاقتصاد الهزيل فهذا لن يجعلَ منَّا إلاَّ لقمةً سهلة المضغ للغرب
عموماً ولأمريكا خصوصاً..
لماذا حتى الآن لم نتساءل، نحن الذين نخافُ على تراثنا وحضارتنا وتاريخنا وعروبتنا ــ ما الذي أعددناه من قوةٍ لمواجهة عدونا؟... وكيف نُسمِعُ هذا العدو صوتنا ؟..كيف نجعله يشعرُ بوجودنا؟..
لا أقصد بالقوة تلك القوة الامبريالية التي لدى أمريكا ولا بالعدوانية التي لدى اسرائيل.......بل أقصد بالقوة ( إعادة بناء النفس فكرياً ،اقتصادياً، اجتماعياً، أخلاقياً وروحياً..وبعدها تكون الأمور مهيئة لأغلى الفداء والتضحية بالنفس وتتوفر شروط المواجهة ومعادلتها.
إنَّ لحظة البداية تكمن في الفعل لا الانفعال الذي دفَعنا إلى تدمير أنفسنا بأنفسنا..أعتقدُ أنه ينبغي علينا اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى أن نبنيَ حواراً مع أنفسنا يقومُ على التسامح والتعايش بين العربي والمسلم في كافة أرجاء الوطن.. لهذا كان لابدَّ من ايجادِ مقرراتٍ ثقافيةٍ تشرحُ كلاًّ من التراث الاسلامي والحضارة الاسلامية وصولاً إلى صياغة فهمٍ حقيقيٍّ عن الفِرقِ والمذاهب بعيداً عن التكفير..
بالتأكيد إن الحوار العربي ــ الاسلامي سيعمل على إزالة الخلافات التي سمحتْ لأمريكا واسرائيل بالدخول
إلى أراضينا والتدخُّلِ في مصيرنا ونهب ثرواتنا بينما نقفُ نحن موقفَ المتفرِّجِ إلى أن يجرفَه الطوفانُ بلا عودةلأنه لن يبقى بعد ذلك لا طريق ولا خارطة ولا هم يحزنون..
وإلى أن نتوصَّلَ إلى بناءِ مجتمعٍ عربي ــ اسلامي دون خلافات ، سيكونُ الوطنُ أولاً .. لهذا فإنَّ التحديثَ واجبٌ وضرورةٌ وما من مانعٍ يحولُ دون الاستفادة من التجاربِ العالمية ..لا أقصدُ بهذا تقليدها لأنه يقودنا إلى التغريب وتدمير أنفسنا لاحقاً.. كما لابدَّ من التخلي عن عادة إدمان الأقوال التي لا تُعبِّرُ إلا عن نقصٍ هائلٍ في الأفعال حينئذٍ تحينُ ساعة المواجهة لأننا سنكون بمستوى الحوار مع الغرب..وإلى أن تحين تلك الساعة الحاسمةكلُّ جديد ...والعقلُ العربي بخير...