من الواضح إن إشكالية التعليم في العالم الإسلامي إشكالية ذات طابع ثقافي أي أنها في الأصل " إشكالية ثقافية " وقد يتضح صحة ذلك القول إذا ما تم تحديد كل من مفهوم الثقافة وعلاقة الثقافة بالحضارة والمدنية التي هي دلالات لتقدم المجتمعات أو تخلفها .
أولا : مفهوم الثقافة قديما وحديثا :
تعتبر " الثقافة " الأساس الأول الذي يؤثر ويتأثر بالتعليم حيث أن من وظائف التعليم الهامة نقل التراث الثقافي وأيضا تجديد وإحياء الثقافة ، لذلك فالعلاقة بين الثقافة والتعليم علاقة دائمة وملازمة ؛ لذا فإن " إشكالية الثقافة" تعتبر نظام كلى يتضمن كثير من نظم ومنظومات فرعية أخرى هي إشكاليات المجتمع المتعددة وفقا لأبعادها المتعددة :السياسية _الاقتصادية _ الاجتماعية _ ... الخ .والتي قد تؤثر وتتأثر بإشكالية التعليم ؛ وقد يتضح ذلك في ضوء استعراض موجز لمصطلح الثقافة ومصطلح الحضارة .
تعددت التعريفات التي تحدد مفهوم " الثقافة " تبعا لتعدد المذاهب والاتجاهات الفكرية ولم تعد الثقافة مرادفة للمعرفة كما كان في الماضي وإن كانت المعرفة من مكوناتها إلا أن الثقافة اليوم _ دون الدخول في تفاصيل تعريفات الثقافة المتعددة _ أصبحت تمثل كل ما أنتجه وينتجه الإنسان بعقله ويده من فكر ومعارف وأعراف وقوانين ومعتقدات وقيم وأدوات ووسائل تكنولوجية متعددة تساعده فى تحقيق التنمية الشاملة : السياسية _ الاقتصادية _ العلمية _ التكنولوجية _ الاجتماعية _ التربوية _ الفكرية ..... الخ
والثقافة _ اليوم _ أصبحت تستند على العلم والتكنولوجيا في عصرنا الحاضر الذي أصبح فيه العلم هو ثقافة المستقبل في حين اقتربت الثقافة من أن تصبح هي علم المستقبل الشامل ، الذي يطوى في عباءته فروعا معرفية متعددة ومتباينة،كما أصبح العالم اليوم تسيطر علية الثقافة العلمية التكنولوجية في عصر تكنولوجيا المعلومات .
ثانيا : علاقة الثقافة بالحضارة
علاوة على ما سبق فإن الثقافة في ضوء علاقتها بالحضارة تصبح ذات أهمية كبرى بالنسبة لدراسة وتحليل إشكاليات المجتمع وفيما يلي تحديد موجز لطبيعة الثقافة كمصطلح وعلاقته بمصطلح الحضارة :
1) مذهب ينظر إلى الثقافة Culture والحضارة Civilization على أنهما مفهومان مترادفان .
2) مذهب آخر يفهم الحضارة بمعنى الثقافة عندما تتميز الأخيرة بدرجة أعظم من التعقيد فى كثير من الخصائص المميزة للثقافة .
3) مذهب ثالث يرى أن الحضارة هي الثقافة حين تتميز الأخيرة بعناصر وخصائص يمكن قياسها بمعايير التقدم .
4) مذهب رابع يعارض الحضارة بالثقافة على اعتبار أن الثقافة ترمز إلى تلك الأفكار والمفتقدات والقيم والدين والفن والأدب .. الخ بينما الحضارة هي مجال الابتكارات الإنسانية المتعلقة بالعلوم والتقانة .
لعله مما سبق يتضح أن تعقد _ أو بمعنى أدق _ نمو الثقافة وتميزها بخصائص وعناصر قوية تجعلها قادرة على الانتشار في كثير من المجتمعات هو دالة على حضارة المجتمع ، ودليل ذلك أن الحضارة الإسلامية في الماضي كانت تمثل حضارة لما كانت تتميز به الثقافة الإسلامية من خصائص وعناصر قوية تتمثل في تقدم العلوم والفلسفة والفكر في كافة مجالاته علاوة على تطبيقات كل ذلك المتمثلة في إنتاج أجهزة وأدوات تقنية كانت في عصرها تمثل تقدما مذهلا بالمقارنة بما كان متوافرا منها في المجتمعات الأخرى غير الإسلامية حينئذ.
والثقافة بالمعنى السابق لها علاقة قوية بالسلوك الفردي حيث أن كثير من العلماء مثل : رالف لنتون Ralph Linton يرى أن الثقافة هي :
"تشكيل للسلوك المكتسب الذي يشترك في مكوناته أفراد المجتمع ويعملون على تناقله جيلا بعد آخر "
ويتضح من التعريف السابق ما يلي :
1) أن الثقافة تتضمن كل جوانب السلوك للأفراد ( الفكرية – النزوعية أو الانقعالية – المهارية أو العملية ).
2) بما أن الثقافة سلوك فأنه يتضح ضرورة تعلم ذلك السلوك المرغوب فيه والذى يرضى عنه أفراد المجتمع ويعملون على تناقلة من جيل إلى آخر .
وفى ضوء _ المعنى السابق _ يتضح علاقة التعليم بالثقافة حيث يمثل أداة المجتمع في الحفاظ على ثقافة المجتمع وتجديدها بما يتفق ومقتضيات العصر . علاوة على أن التعليم بنظمه وقوانينه ومناهجه ومؤسساته هو من صنع الإنسان بالعقل أو باليد ولذا فإن التعليم نفسه يمكن اعتباره إشكالية ثقافية تتشابك مع الإشكاليات الثقافية الأخرى في علاقات السبب والنتيجة .
لذلك فإن _ الباحث _ يرى أن إشكالية التعليم هى بالمقام الأول إشكالية تمس الثقافة بشكل مباشر ، ولذا فإن دراستها يجب أن يرتبط بدراسة الثقافة وأنماطها وجوانب السلوك الممثل لثقافة الأفراد ؛ لذلك كانت أهمية الدراسة استطلاعية لعينة من الشباب حول نمط الثقافة المفضل لديهم وجوانب سلوكهم الممثل لذلك النمط وعلاقة ذلك بإشكالية التعليم .
وفى ضوء _ كل ما سبق _ تتضح أهمية التعليم ( من خلال مؤسساته _ ومناهجه الدراسية _ ونظمه التعليمية ..الخ ) يستمد مادته من ذلك المحتوى الثقافي في المجتمع كما أن مخرجاته تسهم في نمو وتعاظم ذلك المحتوى الثقافي ؛ ولذلك يمكن اعتبار التعليم سبب ونتيجة معا للمحتوى الثقافي بالمجتمع .